لا مساعدات للبقاع الشمالي: الدولة غائبة والأمر للجمعيات
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على لبنان، برزت أزمة محافظة بعلبك – الهرمل التي نأى الكلّ بعيداً عنها. ورغم أن هذه المحافظة تضمّ أكبر عددٍ من النازحين من بيوتهم، وفي بيوتهم أيضاً، إلا أنها لم تحظَ بأي اهتمامٍ رسمي، وحتى مع تركيز العدوان عليها، لا تزال في آخر سلّم الأولويات.
فعدا ما يقوم به حزب الله وبعض الجمعيات المحلية، لا أحد يقدّم شيئاً، فيما الحجة الدائمة أن الأوضاع الأمنية تحول دون وصول شاحنات المساعدات أو إيصال المواد والأدوية إلى المحال التجارية والصيدليات، إذ لم تنل منطقة البقاع كلها من «نعم» المساعدات سوى 9 شاحنات، 5 منها وصلت في الدفعة الأولى، وكانت محمّلة بـ2500 حصة غذائية و«فرش» وحرامات، و4 شاحنات في الدفعة الأخيرة، بلغ مجموع ما وصل على متنها 860 حصة غذائية ومثلها أيضاً «فرش» وحرامات، وفق النائب ملحم الحجيري. وحتى عندما بدأ التفكير بتقسيم الموارد المالية على المحافظات لمواجهة العدوان، رُصد لمحافظة بعلبك – الهرمل حوالى 3 آلاف مليار و500 مليون ليرة، أي ما يعادل 40 ألف دولار! وهو ما دفع بأحد النواب إلى القول للمحافظ بتهكّم «لو محلك رديتهن».
أمس، دعا نواب المنطقة إلى اجتماع موسّع في المجلس النيابي مع محافظ بعلبك ـــ الهرمل بشير خضر، حضره رؤساء البلديات ورؤساء الاتحادات، وكان بحث مطوّل حول من يتصرف بالمساعدات، ولماذا سُلّمت للجمعيات الدولية وليس لمستحقيها مباشرة، ولماذا لا يُصرف شيء إلا بأمر من «فوق»؟ و«فوق» هنا يُعنى بها إلى جانب الحكومة الجمعيات الأممية التي تفرض سطوتها.
لذلك، تطرّق المجتمعون إلى المساعدات بشقيها، الآتي من الدولة أو الآتي من المنظمات الدولية. في الشق الأول، وُجهت انتقادات إلى الدولة وروتينها الإداري وطريقة تقسيمها الحصص للمناطق. أما المساعدات من المنظمات الدولية، فذلك حديث يطول. فحتى اللحظة، لم يرَ أهل المنطقة أي حصص، إذ «لا تزال الجمعيات تحصي، وهم على هذه الحال منذ شهرٍ ونصف شهر»، يقول النائب علي المقداد.
جلّ المجتمعين أمس مقتنعون بأن ما يجري هو أقرب إلى قرار بالحصار، حيث لا يُصرف شيء من دون أن تشرف عليه المنظمات. ويشير الحجيري إلى «التعاطي السلبي مع ملف النازحين والمنطقة عموماً، فحتى المساعدات التي تصل تُسلّم للجمعيات»، متسائلاً: «ألم يكن من الأجدى إعطاؤها للبلديات أو الاتحادات لإيصالها إلى مستحقيها؟ يعني إذا بدنا فرشة بدنا نشوف مفوضية اللاجئين!»، معتبراً أن ما يحدث «نهج بدأ عام 2019».
واليوم، بات هذا النهج أوضح مع «سلوك الجمعيات وصولاً إلى إذلال النازحين»، مشيراً إلى ما حصل أول أمس عندما افتُتحت حضانة تابعة لمركز وزارة الشؤون الاجتماعية في عرسال، حيث «وقف النازحون من التاسعة صباحاً حتى الحادية عشرة ليلاً قبل أن تتكرم علينا إحدى الجمعيات لإتمام الأمر». أليس حصاراً هذا؟ وأليس حصاراً آخر وضع المهمة التنفيذية في أيدي المحافظين، لا المخاتير ورؤساء البلديات، علماً أن هؤلاء يعرفون بتفاصيل السكان وإلى أين نزحوا ويمكن الاعتماد عليهم في ملف المساعدات؟
إلحاق البقاع بمجلس الجنوب ومطالبة للجيش بمواكبة المساعدات
لكن، بما أن كل هذا بات معروفاً، لم يستحوذ «النق» كثيراً على الجلسة، فجلّ ما كان مطلوباً استعادة الدولة في بعلبك ــــ الهرمل، لكون الأزمة لا تخصّ النازحين فقط بل المستضيفين أيضاً. ولذلك، جرى التوافق على «إسناد الإغاثة إلى مجلس الجنوب الذي يملك الإمكانات البشرية والمالية».
كذلك، كان ثمة مطلبان آخران، الأول إعطاء الحكومة أمراً للجيش بالمواكبة لتأمين وصول ما يلزم إلى المنطقة، وأن «نحصل على تقرير مفصّل بما يصل إلى الدولة وما يصل منها إلى المنطقة»، يتابع المقداد. ومن الأمور الأخرى العمل على تفعيل خلية الأزمة في المنطقة، ولو من خلال إنشاء «مجموعة واتسآب»، تستعين بها المحافظة بالبلديات والاتحادات.
المسؤولية موصولة من «مركز القيادة» في العاصمة وصولاً إلى بعلبك – الهرمل. فخطة الطوارئ التي وُضعت قبل عامٍ تقريباً، تبيّن مع بدء العدوان الهمجي أنها حبر على ورق. ورغم أن الحرب القائمة فاقت التصورات الممكنة، إلا أنه حتى الحد الأدنى غير موجود. فـ«بدل أن نرشد النازحين إلى أين يذهبون، كنا نعمل لدى أفيخاي أدرعي ونرشدهم من أي أبوابٍ يخرجون».
وهذا لبّ المشكلة، ومسؤولية الحكومة التي تعمل على قاعدة «من هالك لمالك لقبّاض الأرواح»، إذ إن أبسط ما يمكن أن يحدث في كل محافظة أن يكون لها مركز بديل في حال تعطّل العمل في المركز الأصيل، وأن تكون لديها خريطة كاملة بكل ما يخص المنطقة من النازحين وأماكن نزوحهم وما وصل وسيصل وكيف يوزّع. وهذا «ما لم يحدث».
فماذا يعني مثلاً أن يدير محافظ محافظة من دون فريق عمل؟ وماذا يعني أن يدير «مسؤول» في المحافظة عمله من الخارج؟ وأن يغيب قائمقام في إحدى أكبر المناطق عن السمع منذ بداية العدوان لأنه «مدعوم»؟ كل هذا يحدث في بعلبك ـــ الهرمل، حيث القيادة على شاكلة الدولة غائبة، فيما تتحكّم الجمعيات بكل مفاصل المساعدات.