يشتهر صنَّاع السيارات الفاخرة بتكتُّمهم حول الكشف عن عدد السيارات التي يبيعونها أو مقدار أربحاهم، لكنَّهم يجدون صعوبة في الآونة الأخيرة في تجنُّب التباهي، ولو قليلاً فقط، حول مدى نجاحهم في عام 2020.
وقال أدريان هولمارك من شركة “بنتلي” (Bentley) للسيارات الفاخرة خلال مكالمة عبر الفيديو مع الصحفيين في 23 مارس: ” بدأنا عام 2020 بأقوى معدَّل طلبات منذ عام 2003 – وقد بدأنا شهر يناير من هذا العام بطلبات أكثر بـ 50% مقارنة بشهر يناير من العام الماضي، وفي عام 2020 بزيادة بلغت 1.8% على أساس سنوي، وهو أعلى إنتاج في تاريخ الشركة التي عمرها 101 عاماً.
وتابع هولمارك قائلاً: “مبيعاتنا الآن أعلى بنحو 30% مقارنةً بالعام الماضي، حتى مع الأخذ في الاعتبار أنَّ العام الماضي حقَّق رقماً قياسياً، فسوف يتطلَّب الأمر أن يضربنا كويكب حجمه أكبر من (كويكب كوفيد) لإخراجنا عن مسارنا مرة أخرى.”
و يمكن بالكاد أن يُحسب تربع أي علامة على عرش أرقى العلامات التجارية للسيارات في العالم لأيِّ قسم من أقسام مبيعات في عام 2020، من خلال الرؤساء التنفيذيين المتفائلين للغاية، فهم بدأوا بالفعل يتطلَّعون للاستفادة في العقد القادم من ذلك “العام الضائع” الذي منحهم أقوى مركز لهم على الإطلاق.
“إنجاز رائع”
وفي مكالمة عبر الفيديو في 15 مارس، كان ستيفن وينكلمان من شركة “بوغاتي” (Bugatti) متفائلاً، فقد اعترف أنَّه قد “فوجئ” بمدى نجاح العلامة التجارية الفرنسية البالغة 112 عاماً في التغلُّب على الوباء. وعبَّر عن ذلك بقوله: “إنَّ “بوغاتي” قد أبلت بلاءً حسناً بشكل لا يصدق”. وعادة لا تكشف هذه العلامة التجارية عن نتائج مبيعات محددة، لكنَّ وينكلمان وصف عام 2020 أنَّه “العام الثالث على التوالي للشركة الذي حطمت فيه الأرقام القياسية”.
وحتى الألمان الذين يتسمون بالكتمان في العادة لم يتمكَّنوا من مقاومة القليل من هذا البريق، فقد وصف أوليفر بلوم، رئيس شركة “بورشه” خلال اجتماعه مع الصحفيين في 18 مارس، نتائج الشركة أنَّها “إنجاز رائع” حدث في نهاية “عام استثنائي”. ووصلت إيرادات العلامة التجارية التي يبلغ عمرها 90 عاماً إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق، فقد بلغت 28.7 مليار يورو (34 مليار دولار) في عام 2020، متجاوزة عام 2019 بأكثر من 100 مليون يورو.
“طفرة ما بعد الحرب”
وفي الوقت ذاته، كانت الأرباح العالمية السنوية في “لامبورغيني”، التي يترأسها وينكلمان أيضاً، أعلى في عام 2020 مقارنة بأيِّ عام سابق. وتراجعت المبيعات في معظم العلامات التجارية الفاخرة عام 2019 بنسبة 11% في “لامبورغيني”؛ و3% في “بورشه”؛ و10% في “فيراري” ، وهي التراجعات التي حدثت بسبب الإنتاج القسري، وإغلاق صالات العرض لمدَّة أسابيع أثناء جائحة فيروس كورونا، وهي عوامل خارجة عن السيطرة التنفيذية.
وفي هذا السياق قال هولمارك، إنَّ “بنتلي”، وهي شركة تابعة لـ”فولكس واجن”، أغلقت لمدة سبعة أسابيع بتكلفة 10 ملايين دولار لكل أسبوع، لكنَّها تعافت، وهي تسلم المزيد من السيارات أكثر من أيِّ وقت مضى. وأضاف هولمارك: “نحن لا نشهد مساراً يتسم بالركود، بل إنَّنا نشهد طفرة ما بعد الحرب”.
مضادة للركود
وبينما يواجه الملايين من الناس خسائر اقتصادية، ويعيشون على المساعدات التي تقدِّمها إجراءات التحفيز، كان الأثرياء يجنون الأموال بشكل لم يسبق له مثيل. إنَّه تعافي على شكل حرف”K” في حقبة ما بعد الوباء، هذا التعافي الذي يفضل السلع الفاخرة، بما في ذلك السيارات.
ومنذ يوليو 2020، توقَّع المحللون في “تكنافيو” (Technavio) أن تنمو سوق السيارات الفاخرة في الولايات المتحدة بمقدار 6.7 مليون وحدة من 2020 إلى 2024. وفي تقريرها السنوي لعام 2021، توقَّعت “ستاتيستا” (Statista) أن تصل عائدات الولايات المتحدة في هذا القطاع إلى 6.9 مليار دولار خلال هذا العام وحده.
وجعل الوباء سوق السيارات بشكل عام سوقاً صحية بشكل أكثر، وذلك بفضل عمليات الشراء المبسطة، وتقليل التكرار، وإجبار المديرين التنفيذيين على التحلي بالمرونة، وأن يكونوا عمليين أكثر بشأن الاستراتيجيات المستقبلية.
و قال مايكل دين، رئيس تحليل قسم السيارات في “بلومبرغ إنتلجينس” في تحليل صدر في 16 مارس: ” التاريخ يشير إلى أنَّ الطلب على السيارات الرياضية الفخمة سيظل قوياً، على الرغم من الركود العالمي المرتبط بالوباء”. وإنَّ نتائج مثل زيادة سعر سهم “فيراري” بنسبة 27% في عام 2020، وسجل الطلبات لدى “لامبورغيني” الذي كان كاملاً خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2021 دليلٌ على هذه القوة.
مستقبل أكثر إشراقاً
وكان أداء “لامبورغيني” جيداً في العام الماضي، واقترح مراقبون مقرَّبون مثل “دين” وآخرون أنَّ الشركة الأم “فولكس واجن” ربما ستقوم بطرح عام أولي لـ”لامبورغيني” جنباً إلى جنب مع شركتها المفضلة “بورشه”، التي وصفها بلوم مؤخراً بأنَّها خيار “مثير للاهتمام”، لأنَّ التركيز على طرازات “السلسلة الخاصة المحدودة”، التي تصل إلى ملايين الدولارات ذات الأسعار المربحة للغاية، تحاكي الاستراتيجية التي وضعتها “فيراري”. وحقق الطرح العام الأولي لـ”فيراري”، لعلامة التجارية الإيطالية البالغ عمرها 81 عاماً، آنذاك نجاحاً كبيراً لها في عام 2015.
وحتى شركة “آستون مارتن”، التي عانت من طرح عام أولي مخيب للآمال في عام 2018 أعقبته اضطرابات تنفيذية هدَّامة، يبدو أنَّها أعدَّت نفسها لمستقبل أكثر إشراقاً. إذ يقول “دين”، إنَّ إعادة التمويل بـ 1.3 مليار جنيه إسترليني (1.79 مليار دولار) في ديسمبر والتحالف الأخير مع “مرسيدس”، جنباً إلى جنب مع إطلاق سيارة الدفع الرباعي الرياضية “آستون مارتن دي بي إكس”، وضع الشركة في موضع ستحصل فيه على تدفق نقدي حر وإيجابي بحلول عام 2023. وكتب “دين” في مارس: “لم تعد “آستون مارتن” مدرجة في القائمة الإشكالية”.
و سيكون الخط الإيجابي لتلك الإصدارات المحدودة مثل “فالكيري”، و”فالهالا” عاملاً أساسياً أيضاً في عام 2021 لتحسين مسار هامش “آستون مارتن”، فقد قال “دين” إنَّه: “لا يوجد سوى عدد قليل من العلامات التجارية القادرة على بيع سيارات “خارقة” محدودة السعر بهامش عالٍ يزيد عن مليون دولار. ويضمُّ هذا النادي سيارات “آستون مارتن”، و”فيراري”، و”لامبورغيني”، و”بورشه”. ويشار إلى أنَّ المساهمة التي تقدِّمها سيارة “خارقة” واحدة من طراز “فالكيري”، بسعر 2.4 مليون جنيه إسترليني، تعادل بيع 19 سيارة “أستون مارتن فانتاج 8 إس”، التي كانت مبيعاتها المخيبة للآمال في عام 2019 سبباً رئيسياً لانخفاض الأحجام “.
استثناء رولز رويس
وفي الوقت نفسه، قد تكون “رولز رويس” استثناءً من ازدهار السيارات الفاخرة، فقد قدَّمت ما يقرب من 3750 سيارة في عام 2020 ، بانخفاض أعلى بكثير من نظيراتها على أساس سنوي بنسبة 26%. قال مارتن فريتشز، الرئيس والمدير التنفيذي للفرع الأمريكي للشركة في رسالة بالبريد الإلكتروني، إنَّ التراجع جاء جزئياً في توقيت مؤسف، وألقى باللوم في هذه الخسارة الكبيرة على الانتقال من الجيل الأول لطراز “رولز رويس غوست” الذي تمَّ إيقافه في عام 2019، إلى الجيل الثاني من سيارات السيدان.
و قال فريتشز: “كنا نعمل على سيارة “غوست” الجديدة في خضم عمليات الإغلاق الناجمة عن الوباء، ومع ذلك فقد واصلنا رؤية طلب قوي على “رولز رويس” الجديدة، وأنهينا العام بأعلى مستوى من الطلبات المستقبلية على الإطلاق لعلامتنا التجارية، وطلبات العمولات اليوم تمتد إلى الربع الثالث”.
تأثير “عش يومك”
كان أحد العوامل التي عزَّزت مثل هذا النجاح خلال ما شعر به الكثيرون على أنَّه انهيار عالمي هو النمو الهائل في الصين. فقد تضاعفت مبيعات “بنتلي” في الصين في عام 2020، وفقاً لهولمارك. في حين قال وينكلمان، إنَّ الصين ستصبح ثاني أكبر سوق “لامبورغيني” بحلول نهاية عام 2021.
ويمكن أن يساعد التركيز العام في السوق (شراكة أستون مارتن مع “مرسيدس”، على سبيل المثال، أو عمل “بورشه”، و”ريماك” معاً) الشركات بشكل أكبر.
وبحسب التقرير السنوي لشركة “موردور إنتلجينس” (Mordor Intelligence)، فإنَّ “النمو الكبير في العروض الملموسة للسيارات الفاخرة، وتحويل تفضيلات المستهلكين من سيارات السيدان إلى سيارات الدفع الرباعي، وزيادة الدخل المتاح للمستهلكين عوامل أدَّت إلى زيادة الطلب على السيارات الفاخرة” في جميع أنحاء العالم، منذ جائحة كوفيد-19.
وأدَّت تقلُّبات سوق الأسهم أيضاً إلى دفع المستثمرين للبحث عن الأصول الحقيقية، فضلاً عن أنَّ سوق السيارات الكلاسيكية ازدهر أثناء عمليات الإغلاق، فقد شهدت دور المزادات، والمواقع الإلكترونية المتخصصة في السيارات النادرة والقيمة، مثل: “ماكلارين سينا”، و “بوغاتي شيرون بور سبورت” وصول عدد الزوار إلى الذروة وعمليات بيع هائلة للسيارات الإيطالية المثيرة التابع لمنتصف القرن الماضي.
وكان مزوِّدو مثل تلك التصميمات المتميزة فضوليين بدرجة كافية لسؤال عملائهم عن سبب شرائهم مثل هذه السيارات باهظة الثمن أثناء الوباء، و تلقوا تفسيراً بسيطاً نسبياً ومتطابقاً بشكل غير متوقع، وصولاً إلى الصيغة ذاتها، التي أطلق عليها اسم تأثير “عش يومك” لكوفيد-.19
و قال وينكلمان: “كنت أسأل عملائي عن السبب، و قالوا لي:” كان لدينا المزيد من الوقت للتفكير في مستقبلنا، وما يحدث بعد ذلك، كنا نقرر أين نضع أموالنا، حسناً، ولم لا؟”.
وقال هولمارك، إنَّ كل شخص اشترى سيارة “بنتلي باكالار” التي تبلغ تكلفتها مليوني دولار أخبره بشيء مشابه، ويروي هولمارك ما سمعه: “بعد كل هذا، ستعود الحياة إلى ما هو طبيعي، وأنا أفضِّل أن أكون في هذه السيارة على ألا أكون في تلك السيارة”. ويخلص إلى قوله: “لذا قالوا، لم لا؟ ”
المصدر: لبنان 24