بالأرقام… هكذا أثر العدوان على مالية الدولة
لم يكد لبنان يستعيد بعض الاستقرار والتوازن المالي والنقدي، إثر الأزمة الاقتصادية والمالية والمصرفية التي أصابته نهاية عام 2019، حيث انخفض الدخل القومي من 54 مليار دولار إلى نحو 20 مليارا، حتى جاء العدوان الإسرائيلي ليلحق الخسائر الكبيرة بالأرواح والممتلكات، ويعيث تدميراً في آلاف المباني السكنية والمؤسسات الاقتصادية، خصوصا في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية.
ووفق تقدير الاقتصاديين وخبراء المال والأعمال، كبدت الحرب حتى الآن الاقتصاد اللبناني أكثر من 10 مليارات دولار خسائر مباشرة، من دون احتساب كلفة الإيواء والمساعدة لأكثر من 1.4 مليون نازح، من المناطق التي تتعرض للتدمير والقصف.
وفيما غالبية الخسائر والأضرار وقعت على المواطنين والقطاع الخاص، بعدما نجحت الاتصالات والضغوط الدولية في تحييد المرافق والمؤسسات العامة التي استمرت في العمل حيثما قدرت، يحضر التساؤل عن الوضع الحالي للمالية العامة، وحجم تأثير العدوان على إيرادات الخزينة اللبنانية ونفقاتها.
يؤكد مصدر معني أن عائدات الخزينة التي سبق أن تنامت إيجابا وبدأت بالارتفاع والتعافي في الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، تراجعت معدلاتها ابتداء من شهر أيلول (سبتمبر)، وهي مستمرة وبوتيرة أكبر نسبيا خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر) الجاري.
تمكنت الخزينة من تحقيق فائض جيد تخطى 650 مليون دولار “فريش” خلال الأشهر الثمانية الأولى من السنة الجارية، حيث بلغت الإيرادات نحو 2,7 ملياري دولار، في حين بلغت النفقات نحو ملياري دولار في تلك الفترة. وشجع تحقيق فائض مقبول الحكومة على إقرار زيادات تدريجية لموظفي القطاع العام والمتقاعدين، بلغت أربعة رواتب إضافية شهريا (على أساس راتب 2019) ومنحتين بقيمة 10 ملايين ليرة عن شهري أيلول (سبتمبر) وكانون الأول (ديسمبر) المقبل، ويتوقع أن تبدأ المالية بتسديد هذه الزيادات مع المفعول الرجعي بدءا من نهاية الشهر الحالي.
بيد أن هذا الفائض الذي تحقق خلال الأشهر الثمانية الأولى، والذي كان المصرف المركزي يعوِّل عليه لتعزيز موجوداته بالعملات الأجنبية، حتّمت ظروف الإغاثة الطارئة للنازحين والمصابين جرّاء الحرب، استخدام جزء منه، فيما الجزء المتبقي تم رصده لتأمين نفقات الخزينة العامة ومصاريف الدولة، خصوصا بعد الزيادات التي أقرت أخيرا للقطاع العام والمتقاعدين، والتي بلغ مجموعها 40 مليون دولار شهريا، حيث ارتفعت الكلفة الشهرية للرواتب والأجور من نحو 120 مليون دولار شهرياً إلى نحو 160 مليونا.
وعلى رغم الحرب وتداعياتها الكارثية على القطاع الخاص وقوى الإنتاج، لم تفقد الخزينة قدرتها على تسديد الرواتب والأجور للقطاع العام والمتقاعدين، ولا يزال متاحا لها إمكان تأمين مصاريف الدولة، من دون الحاجة إلى أي تمويل من مصرف لبنان خلال الأشهر القليلة المقبلة. بيد أن الأمور ستزداد تعقيدا وصعوبة، ونقصا في الملاءة المالية، في حال استهداف المرافق العامة وخسارة عائداتها، أو إطالة أمد الحرب لأشهر طويلة.
أما عن سعر الصرف، فتوكد المصادر أن لمصرف لبنان القدرة الكاملة حاليا على ضمان الاستقرار النقدي وسعر الصرف، والسيطرة على الكتلة النقدية بالعملة اللبنانية التي تبلغ نحو 52 ألف مليار ليرة، بما يعادل 600 مليون دولار فقط، فيما تبلغ احتياطاته بالعملات الأجنبية نحو 10.5 مليارات دولار.
يشار إلى أن “الاحتياط بالعملة الصعبة استمر بالنمو الإيجابي منذ آب 2023، إلا أنه بدأ بالانخفاض التدريجي في الأشهر الأخيرة، بعد تسديد دفعتين إضافيتين استثنائيا للمودعين المستفيدين من التعميمين 166 و158 خلال تشرين الأول (أكتوبر)، في محاولة من مصرف لبنان لاستخدام ما يمكن من الوسائل المتاحة لديه، لمساعدة المودعين في هذه الظروف العصيبة.
قد تستطيع الدولة الاستمرار راهنا في تأمين الحد الأدنى المطلوب في الفترة القصيرة المقبلة، لكن المصادر تأمل دعم الدول الشقيقة والصديقة للبنان، وخصوصا في مؤتمر الدعم الذي سيعقد في باريس اليوم، حيث يؤمل أن يحصل لبنان على ما يحتاج إليه في كل المجالات، وأن يكون جزء من هذا الدعم للخزينة والجيش اللبناني.