وسط تصاعد الأوضاع الأمنية على الحدود الجنوبية للبنان بين حزب الله والعدو الاسرائيلي، باتت المؤسسات التعليمية أمام تحديات كبيرة، نتيجة نزوح أكثر من مليون لبناني من المناطق المتضررة، واستقرارهم في المدارس الرسمية.
دفع هذا الواقع المفروض الى التساؤل حول مصير العام الدراسي، بخاصة مع إصرار المدارس الخاصة على استئناف التعليم قريبا، تجنّبا لضياع عام دراسي كامل. وفي هذا السياق، يبرز الحديث عن التعليم “أونلاين” كحل بديل، إلا أن التجارب السابقة خلال جائحة كورونا كشفت عن مشكلات عديدة في هذا النموذج.
تجربة التعليم الافتراضي
كانت “بلا فائدة”!
يواجه التعليم عن بُعد في لبنان تحديات جذرية تتعلق بالبنية التحتية الضعيفة، حيث تعاني الأغلبية الساحقة من البلدات والمدن اللبنانية من انقطاع الكهرباء المتكرر، وسوء خدمات “الإنترنت”، مما يعوق التواصل المستمر بين الطلاب والمعلمين.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الفجوة الرقمية الكبيرة تجعل الوصول إلى التعليم غير متكافئ، إذ يفتقر العديد من التلاميذ إلى الأجهزة الإلكترونية الضرورية، لمتابعة دروسهم بشكل فعّال.
تجارب وعقبات
وعلى الرغم من النجاح النسبي للتعليم عن بُعد في بعض الدول، فإن التجربة اللبنانية لم تحقق النجاح المرجو. ضعف التفاعل بين المعلمين والطلاب، وتراجع مستوى التحفيز، إلى جانب غياب البيئة التعليمية المناسبة في المنزل، كلها عوامل ساهمت في انحدار النتائج التربوية.
بناءً على هذه الصعوبات، يُطرح السؤال: هل التعليم “أونلاين” هو الخيار الأفضل في ظل هذه الظروف؟ وهل ستتمكن المؤسسات التعليمية من مواجهة هذا الاختبار بنجاح؟ أم أن الحلول الأخرى يجب أن تكون الأولوية؟
الوضع للمدارس والنازحين
الجدير ذكره هنا، أنه تم استخدام نحو 400 مدرسة رسمية وعشرات المدارس الخاصة، بالإضافة إلى عدد من مباني الجامعة اللبنانية بالنازحين. لذلك، أعلن وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي، تعليق الدروس حتى 7 تشرين الأول، مشيرا إلى أن الاجتماعات والتواصل سيستمران، على أن يتم تقييم الوضع لاتخاذ القرار المناسب لاحقًا.
الاستعدادات للانتقال الى التعليم عن بُعد
في المقابل، بدأت المدارس الخاصة التأهّب للتحوّل إلى التعليم عن بُعد. وقد طلبت الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية من مديري المدارس، بالتعاون مع الجسم الإداري والتربوي، البدء بالتجهيز اللازم لاستكمال الدروس اعتبارا من يوم الاثنين المقبل، وذلك بعد التشاور مع وزير التربية.
وستتنوع طرق التعليم بين الحضوري، أو التعليم المدمج، أو الافتراضي الكامل، بناءً على ما يقرره كل مدير أو مديرة مدرسة، بحسب الظروف الخاصة بكل مؤسسة، وبالتنسيق الكامل مع مدارس المنطقة.
تأثير النزوح في الأطفال
في سياق متصل، تقدر الأمم المتحدة نزوح أكثر من 300 ألف طفل في لبنان على وقع التصعيد “الإسرائيلي” في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، وقد اتسعت الرقعة لتشمل مناطق خارج نفوذ المقاومة الإسلامية.
العام الدراسي “طار” او ما “طار”؟
يقول نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض لـ “الديار”: “لا يوجد حتى الآن قرار نهائي بخصوص التعليم عن بُعد، ومن المرجح أن يكون التعليم حضورياً في المناطق الآمنة، لأن تجربتنا في التعليم الالكتروني في فترة كورونا لم تكن مشجعة، وبالتالي كان التحصيل التربوي غير منتج”.
وكشف عن أن “التعليم في بعض المناطق قد يكون مدمجاً، أي يقسّم بين الحضوري وعن بُعد، وقد يكون التدريس في مناطق أخرى محصوراً في “الأونلاين”، رغم أنه غير مثمر لكنه يبقى أفضل من لا شيء، وهو ليس الخيار المفضل”.
وأكد أنه “ابتداءً من يوم الاثنين المقبل، ستكون العملية التعليمية حضورية، وفي بعض المناطق قد يكون التعليم عبارة عن يومين حضوريين، ويوم أو يومين أونلاين”.
أما بالنسبة إلى المدارس الرسمية التي لا تزال خالية من النازحين، فهناك توجه من وزير التربية لفتح دوامين فيها، قبل وبعد الظهر. قبل الظهر لأبناء المنطقة وبعد الظهر للطلبة النازحين اللبنانيين، على أن تفتح المدارس الخاصة أيضاً أبوابها وتعلم تلامذتها حضورياً”.
وتابع: “تقدمت بطرح يتمثل في استقبال المدارس الخاصة لبعض الطلاب النازحين اللبنانيين وتعليمهم دون مقابل مادي، بمعنى آخر، إذا كان هناك صف رياضيات في مدرسة ما يستوعب عدداً إضافياً من التلاميذ، سواء 10 أو عشرين، فهؤلاء بإمكانهم الالتحاق بالصف والاستفادة بلا مقابل مالي، وذلك لأن راتبي لن يتغير ولا أيضاً القسط”.
وأشار إلى أن “الوزير قد أعطى مهلة حتى آخر هذا الأسبوع، وقد اجتمعت به النقابة بالإضافة إلى المدارس الخاصة، وقال حينئذ: امنحوني أسبوعاً، وهذا ما حصل بالفعل”.
وأردف “أعتقد أن الوزير يفكر أيضاً في المدارس الرسمية، لأنه يوجد فيها نحو ثلاثة أرباع المؤسسات التربوية الحكومية، أي بمعدل حوالى 90% نازحين، لكن تلك التي لا تزال فارغة يمكن فتحها وبدء التعليم فيها من خلال وضع دوامين، وباستطاعته الاستعانة بالقطاع الخاص لتفعيل دوام بعد الظهر لطلاب المدارس الرسمية حضورياً، في المناطق التي لا تشهد أعمالاً حربية”.
المدارس الرسمية “فوّلت”
ماذا عن حركة النزوح الأخيرة من الخاص إلى العام بالتزامن مع رفع الأقساط؟ يجيب مستفسراً: “عن أي نزوح نتحدث؟ طبعاً ليس هناك نزوح ولا من يحزنون. على العكس، فالطلاب في المدارس الخاصة في تزايد، وهناك من يسجل عن طريق الواسطة، نظراً للتزاحم الذي تشهده القطاعات الخاصة ، بهدف متابعة الدراسة فيها”. واشار إلى “أن الآفاق المقبلة لها علاقة بالوضع عموماً في لبنان، وشهدنا في الساعات القليلة الماضية محاولة العدو القيام بعملية غزو بري. إلى أين ستصل؟ وكم كيلومتراً ستبلغ؟ وإلى أي حدود وكم ستستمر الحرب لا أحد يعلم”.
ويختم “تبقى كل هذه التساؤلات مرهونة بالأحوال المستجدة، نحن نحاول تمرير هذه المرحلة بأقل خسائر ممكنة، ونعمل يوما بيوم، لذلك ليس بمقدورنا الكلام عن هذه الآفاق المقبلة كثيراً”.