نحو 6000 حاوية محمّلة بالبضائع المختلفة، تنتظر في مرفأ بيروت اختصار الإجراءات لإخراجها وتوزيعها على المناطق، وهناك كميات أخرى في المطار. هذا الأمر ليس سهلاً في بلد يعتمد بشكل شبه كامل على الاستيراد لتغطية حاجاته المحلية الأساسية، ومحكوم من سلطة تقليدية فاسدة ومترهّلة لم تحرّك ساكناً منذ أن أصيبت في 2019 بأزمة نقدية مصرفية أدّت إلى انكماش الاقتصاد من 55 مليار دولار إلى 18 مليار دولار.
لذا، فإن العدوان الصهيوني يبدو ثقيلاً للغاية على المقيمين في لبنان، ولا سيما على نحو مليون نازح من قرى الجنوب وبعلبك والضاحية الجنوبية.هذا المشهد لم تتصدّ له الحكومة بشكل كافٍ، باستثناء بضعة اجتماعات وخطابات عن خطط طوارئ لا يبدو أن لها مفاعيل كبيرة على أرض الواقع. وفي جانب أساسي، أصبح الأمن الغذائي هو الشاغل بعدما أصبح أفق العدوان مفتوحاً زمنياً. وفي هذا الإطار، عقد وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية، اجتماعاً موسعاً أمس في محاولة لتنظيم إخراج البضائع من المرفأ سريعاً.
حضر الاجتماع ممثلون عن الجمارك ومطار بيروت ومرفأ بيروت ونقابات الشحن البحري والنقل والمستوردين ومخلّصي البضائع. بحسب مصادر المجتمعين، فإن العقبات أمام تسريع الإجراءات وتبسيطها ليست بسيطة، وغالبيتها عقبات لوجستية إدارية. ففي الوقت الحالي، يتم تخليص البضائع وإخراجها بموجب ما يسمّى البند 57 الذي يسمح بإخراج البضائع ونقلها إلى المستودعات قبل صدور نتائج التحاليل المخبرية، إلا أنه في ظل هذا الوضع، يتطلّب إنجاز المعاملات بالحدّ الأدنى نحو أربعة أيام، وهذا أمر يرتبط بحضور الموظفين.
من المشاكل التي نوقشت في الاجتماع، أن إجراء التحاليل المخبرية يتم في معهد البحوث الصناعية، وهو موجود الآن في منطقة الشويفات على تماسّ مع الضاحية الجنوبية، وبالتالي صارت هناك صعوبة في أخذ العيّنات وإرسالها إلى الفحص. وضمن سلسلة إجراءات تخليص البضائع، قد يحتاج الأمر إلى توقيع موظف ما في وزارة الاقتصاد أو الزراعة، علماً أن معظم الموظفين لا يحضرون إلى أعمالهم سواء بسبب الرواتب الضئيلة التي يتقاضونها أو بسبب الأوضاع والظروف الحالية.
أيضاً هناك الفسحة الزمنية، فالمرفأ يعمل 24 ساعة في استقبال البضائع، لكن لا تسمح القوى الأمنية بإخراج البضائع بعد الساعة الرابعة. بمعنى أوضح، إن غياب موظف ما أو أي شخص ضمن هذه السلسلة يوقف إخراج البضائع ويؤدّي إلى تكديسها. ولو افترضنا أن هذه العقبات وغيرها عولجت وجرى تقصير الإجراءات الروتينية التقليدية لإخراج البضائع، فإن سلسلة الأمن الغذائي لا تنتهي عند إخراج البضائع، بل إن نقلها إلى المستودعات وتوزيعها على المناطق ليسا أمراً سهلاً في ظل كل هذه الفوضى والعشوائية التي يتردّد صداها في أروقة السلطة.
عملياً، خلص الاجتماع إلى جولة ثانية، وصرّح الوزير حمية بأنه جرى «التوصل إلى قواسم مشتركة من خلال العمل المشترك بين جميع المعنيين في القطاعين العام والخاص، كما سيتم التواصل مع الوزراء المعنيين بالنسبة إلى المرافق البرية والبحرية والجوية لطرح ما تم التوصل إليه.
وسيناقَش الأمر غداً في جلسة مجلس الوزراء لاتخاذ القرارات المناسبة، لأن هدفنا الأساسي التسريع بإخراج البضائع من كل المرافق الجوية والبحرية التي تعمل بجميع موظفيها على كامل الأراضي اللبنانية».
كذلك صرّح رئيس نقابة مستوردي الأغذية، مشيراً إلى أن «العمل لا يزال جارياً في كل من المطار والمرافق والإدارات، فلا مشكلة لدينا، أما من ناحية تخليص البضائع فيجب أن يكون هناك إجراءات استثنائية في ظل هذه الأوضاع الاستثنائية وأن يكون هناك تدقيق لكل البضائع الموجودة في المرافئ لعدم دخول البضائع المهربة وغير القانونية، وعلى أن يكون هناك تنسيق كامل بين كل الوزارات المعنية ورئاسة مجلس الوزراء».
كان يفترض أن ينتهي الاجتماع إلى نتيجة واضحة، لكنه انتهى إلى إحالة المشكلة إلى مجلس الوزراء. لم يخطر ببال السلطة، التي يفترض أنها أعدّت خطة طوارئ، أن نقاشاً كهذا يفترض إجراؤه قبل حصول المشكلة لتداركها، وأن القرارات تكون جاهزة في أوقات كهذه، لا أن تؤخذ القرارات تحت الضغط.