أن نسمع بأنّ مطاعم أقفلت وأخرى فارغة من الزوار خلال الأزمات الاقتصادية فذلك أمر طبيعي، لكن ظهور موجة واسعة من المطاعم الجديدة والمؤسسات التي تُعنى بكلّ ما هو مأكول، في ظلّ أزمة اقتصادية مستفحلة، فظاهرة تستحق الوقوف عندها.
ثمة تناقض كبير تشهده مظاهر الحياة في لبنان! ففي حين “تفوّل” مطاعم ومقاهٍ ومؤسّسات سياحية في بيروت وخارجها، يتراجع العمل بشكل كبير في مطاعم ومقاهٍ أخرى، وصولاً حدّ الإقفال.
ثمة تناقض كبير تشهده مظاهر الحياة في لبنان! ففي حين “تفوّل” مطاعم ومقاهٍ ومؤسّسات سياحية في بيروت وخارجها، يتراجع العمل بشكل كبير في مطاعم ومقاهٍ أخرى، وصولاً حدّ الإقفال.
بلغ عدد المطاعم قبل الأزمة ما بين 8 إلى 9 آلاف مطعم. ومع حلول الأزمة الاقتصادية وتزامنها مع انتشار كورونا وانفجار المرفأ الذي تلا هذه الأحداث، أغلق حوالي 40 في المئة من هذه المطاعم. وبحسب أرقام نقابة أصحاب المطاعم، فتح حوالي 300 إلى 400 مطعم جديد منذ حوالي عام حتى اليوم.
تجارب
قرب ملعب الغولف على طريق المطار، سيلفتك التهافت الكبير على أحد المطاعم الجديدة، وقد ينتظر المرء نحو نصف ساعة ليتم تأمين طاولة له بسبب زحمة الرواد، علماً أن المطعم يعرف بأسعاره المرتفعة مقارنة بفروع أخرى. هذا المشهد قد يكون فردياً، إذا ما قارناه بعدد كبير من المطاعم الفارغة وتلك التي اضطرت الى الإقفال بسبب الأزمة. لكن المشهد عينه يحرّض أكثر على رصد الظاهرة متى ما سمعنا عن افتتاح المزيد من الاستثمارات الناجحة في القطاع هذه الأيام.
الشيف علي علوية، صاحب مطعم Graffiti street food، الذي افتُتح منذ 3 أشهر، ينفي وجود تراجع في الطلب على المأكول، بل يؤكّد أن الناس دائماً ما يقبلون على المطاعم الجديدة، لا سيما ذات الأسعار المتوسطة والمقبولة، و”مجال المطاعم لا يزال مستمراً في لبنان”، إذا كان المشروع مدروساً بشكل صحيح، وكانت خدماته من النوعيّة الجيّدة، وتراعي الشريحة المجتمعيّة وثقافة المنطقة المحيطة، فـ”أي مشروع يفتح بشكل مدروس في المنطقة المناسبة يحلّق”.
ويرى علوية أنّ اللبنانيين يحبّون ركوب الموجة دائماً، ليشرح بذلك فورة المطاعم الحالية. “لكن الخوف من ألّا تستطيع جميع هذه المطاعم أن تصمد”. منذ نحو سنتين، ظهرت موجة حافلات الطعام، وكان علوية من بين أصحاب الحافلات الذين أطلقوا هذه الموجة. وفي حين كان عدد الحافلات نحو 4 حافلات في بيروت، أصبحت الآن 50 حافلة تقريباً.
مطعم علوية يقدّم الوجبات السريعة من البرغر والكرسبي. ومن الملاحَظ أنّ عدداً لا بأس به من المطاعم، التي فتحت أخيراً، يقدّم هذه النوعية من الوجبات. ويفسّر علوية السبب بأنّ صناعة البرغر لا تحتاج إلى الكثير من الخبرة؛ لذلك فهي تجذب الكثيرين من الراغبين في إطلاق مطاعم بتكلفة أقلّ من غيرها.
وعن الأرباح، يُفيد علوية بأنّ المبيع انخفض بعد الأزمة، وانخفضت معه نسبة الأرباح التي باتت تتراوح ما بين 30 إلى 40 في المئة، بينما كانت تتراوح بين 50 و60 في المئة قبل الأزمة. لكنّه بالرغم من هذه الأرقام، لا يزال الاستثمار في قطاع المطاعم آمن إلى حدّ ما. والأسعار حالياً توازي تقريباً الأسعار ما قبل الأزمة على مستوى تكلفة الإنتاج، إلا أن ما اختلف فقط هو القدرة الشرائيّة لدى الزبائن.
مشروع آخر أُطلق منذ نحو شهر ونصف، يستهدف الزبائن من الثنائيّات فقط (couples)، ممن ينتمون إلى الطبقات الميسورة طبعاً؛ فأسعار الأطباق في هذا المطعم ليست بمتناول الجميع. ويُدرك جيداً بيار أبي سعد، أحد شركاء مشروع Los amores، أنّ هناك شريحة من الناس قادرة على الإنفاق للترفيه؛ لذلك “تجرّأنا على فتح هذا المشروع” المكوَّن من 6 طاولات فقط.
يشهد مشروع أبي سعد إقبالاً كبيراً. ولأن بيار لن يترك لبنان مهما حصل – وفق قوله – كان لا بدّ من إيجاد فكرة مختلفة تميّزة من باقي المطاعم للدخول إلى السوق اللبنانية. الجدير بالذكر أنّه كانت لدى أبي سعد تجربة ناجحة منذ سنتين (أي في ظلّ الأزمة) في مطعمه الأول الذي فتحه في منطقه جونية.
مطعم عل Smoker، مطعم آخر فتح أبوابه منذ 5 أشهر، تسيّره فكرة جديدة في لبنان أيضاً، ولاقى إقبالاً كبيراً، وفق ما يقول زياد زعيتر، الشريك المؤسِّس فيه. ويقول إنّ غياب الاستثمارات في لبنان فتح الفرصة أمام مستثمرين محليّين جدد للدخول إلى سوق المطاعم اللبنانية.
الجدير بالذكر أنّ زعيتر ليس لديه خلفيّة في مجال المطاعم، لكنّه استعان بشركة استشاريّة لتواكب مشروعه بشكل مهنيّ وناجح، وراهن في هذا المشروع على تحسّن الأوضاع في لبنان، وعلى عدم وجود مشروع مشابه لمشروعه في البلد، فضلاً عن “إقفال عدد كبير من المطاعم شجّعنا أكثر لنطلق هذا المشروع”.
كذلك، فإنّ هذا المطعم يستهدف الطبقة المتوسّطة نوعاً ما، وهامش الربح فيه ليس مرتفعاً، لأن الهدف أن يتمكّن المشروع من استقطاب أكبر عدد ممكن من مختلف الشرائح. لكن يبقى سعر صرف الدولار هو التحدّي الأكبر لدى زعيتر.
اللبناني خلاّق ومصدِّر للمطاعم
نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والباتيسري في لبنان، خالد نزهة، يرى في حديثه لـ”النهار” أنّ اللبناني خلّاق ومبدِع، وهو الذي يصدّر المطاعم بمختلف مطابخها إلى خارج لبنان.
ويضيف إن “قطاع المطاعم قطاع كبير جداً، واستطاع تحمّل إقفال أكثر من 65 في المئة من المؤسّسات، منذ الأزمة الاقتصادية التي تزامنت مع انتشار كورونا وانفجار المرفأ”.
ويعزو نزهة سبب افتتاح مطاعم جديدة الآن إلى أنّ هناك مؤسّسات تجدّد نفسها حالياً، ومؤسّسات أخرى تستثمر في مؤسسات قد أقفلت، مستفيدةً من جميع المعدات والتجهيزات الموجودة فيها لتوفّر التكلفة. وبالتالي، الاستثمارات ليست استثمارات ضخمة، والأمر ينسحب على المطاعم والحانات والملاهي والسناكات والباتيسريات.
ما هي العوامل التي ترتكز عليها هذه المؤسّسات لتفتح مشاريع جديدة في هذه الظروف؟
إنه “موسم الصيف الفائت الذي أدخل ما يفوق المليار دولار إلى لبنان، من خلال سياحة المغتربين الذين شكّلوا الأوكسيجين والزخم لاستمرارية هذه المؤسّسات إلى جانب السياح الأجانب، ما حفّز الكثيرين وجعلهم يتفاءلون بفتح مطاعم الآن”، وفق نزهة.
ويضيف إلى هذه الأسباب القدرة الشرائية الكبيرة لدى شريحة تساوي أقلّ من 10 في المئة من المجتمع اللبناني، وهي جاهزة للإنفاق بغير حساب. ولا ينسى نزهة الإشارة إلى دور التحويلات التي تتقاضاها شريحة كبيرة من اللبنانيين من الخارج، ويتمكّنون بذلك من ارتياد المطاعم. كلّها عوامل تضمن استمرارية المطاعم الجديدة والقديمة.
ويختم نزهة بالتحذير من التكلفة التشغيلية لا سيما أسعار الماء والكهرباء، لافتاً إلى أنّ عامل التسعير بالدولار شكّل عاملاً مسهِّلاً ولو جزئياً، لفتح المطاعم، مع التقلّبات اليوميّة لسعر صرف الدولار.