كتب ذو الفقار قبيسي في” اللواء”:
الدرس الاقتصادي الذي لا بد لموظفي الدولة تعلّمه هو أنهم عندما أصرّوا على مطالبهم وحصلوا على أجر شهري بحسب درجاتهم في الرتب والرواتب يتراوح بين ٦٣٢ دولارا و١٧٢٠ دولارا منذ رفع السلسلة في العام ٢٠١٧، فإن هذه الرواتب أصبحت الآن بسبب التضخم لم تعد تساوي أكثر من ٥٠ إلى ١٥٠ دولارا فقط. أي أقل بنسبة ما بين ٣ أضعاف إلى ٩ أضعاف الحد الأدنى للأجور الذي كان يوازي ٤٥٠ دولارا قبل أزمة العام ٢٠١٩، وبالتالي فإن المهم ليس قيمة الأجر وإنما ما يمكن الحصول به من هذه القيمة على السلع والخدمات وسواها وأن الإنزلاق هذه المرة مرارا وتكرارا إلى هاوية التضخم نفسه لن يؤدي سوى إلى النتائج نفسها. فالتضخم الذي اجتاح القوة الشرائية بنسبة 2,9% عام ٢٠١٩ اجتاحها بنسبة 84,9% عام ٢٠٢٠ وبنسبة ٢٢٠% لغاية أيلول ٢٠٢١. ومعدل الإرتفاع في الأسعار الذي بلغ نحو ١٠٧ نقاط في بداية ٢٠١٩ سجل نحو ٦١٤ نقطة لغاية نهاية أيلول ٢٠٢١. وبعد أن كانت نسبة ٥٠% من ميزانية الأسرة اللبنانية تغطي فاتورة الغذاء والمشروبات العادية والسكن والكهرباء والماء والغاز والتدفئة وسواها ونحو ٢٧% من الميزانية تغطي الصحة والنقل والتعليم، باتت الـ٥٠% من الميزانية بالكاد تكفي لتغطية فاتورة الغذاء وحدها. والحبل على الجرار. والعبرة لمن اعتبر بأن مسالة الأجور لا تحل بمجرد زيادات وهمية تعطى للعامل باليمين ويتلقفها التضخم باليسار، وإنما بداية بلجم التضخم بإجراءات نقدية ومالية وإبتكارات اقتصادية انتاجية، وبمكتسبات تشريعية من ضمن شبكة أمان اجتماعية هي احدى أولويات الدولة عبر خفض الأكلاف غير المنتجة واعتماد الضريبة التصاعدية لا سيما على أرباح الأسواق المالية والمضاربات بالأسهم والتحسينات في أسعار العقار والممتلكات والسلع الثمينة ومختلف المساهمات الراكدة أو النائمة التي تخلق العائدات دون جهد أو تعب من أصحابها وإنما من التحسينات الناتجة عن جهد وتعب الآخرين أو من نفقات الدولة في تطوير البنى التحتية وسواها من الاستثمارات التي تكبر حجم الاقتصاد وتخلق العائدات التي يمكن منها وبها تشريع مكتسبات دورية ثابتة للقوى العاملة تساندها زيادات مدروسة لا تفرّخ الغلاء ولا تولّد التضخم، بديلا عن ما يحصل اليوم من إجراءات «ترقيعية» عبر سلف مؤقتة على الراتب أو مساعدات موسمية طارئة أو بطاقات تمويل أو تموين محدودة الصلاحية بانتظار انتهاء الانتخابات النيابية، فيما معدلات الفقر تزداد باستمرار من ٢٨% من اللبنانيين عام ٢٠١٩ إلى أكثر من ٨٠% اليوم بينهم ٢٣% في مدخول فقر مدقع لا يتجاز الـ٢ دولار يوميا!