اختراق إيجابي مفاجئ شكل انفراجا للبنانيين في الساعات الماضية وتمثل في هبوط مباغت قياسي في سعر الدولار في السوق السوداء سرعان ما انعكس خفضا في أسعار المحروقات والخبز مع “وعد” بتخفيضات متعاقبة في الأسعار الاستهلاكية كافة اذا “صمد” هذا التطور وأمكنت حمايته لمدة معقولة. والواقع ان المعطيات الدقيقة التي تقف وراء هذا “النبأ المفرح” النادر في يوميات اللبنانيين لا يتصل اطلاقا باي تطورات سياسية، بل كان نتيجة اطلاق تنفيذ تعميم جديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة بالتوافق مع رئيس الوزراء نجيب ميقاتي ووزير المال يوسف خليل، وكان بمثابة احتواء عاجل لاجتياح تصاعدي في سعر الدولار خلال الأيام الأخيرة بلغت تداعياته حدودا بالغة الخطورة. وعلى الدلالات الإيجابية لهذا التطور المالي الصرف، فان المعطيات التي تحوط وقائعه تشير إلى ان الطابع الطرفي والآني للانفراج النسبي الذي حصل يبقى طاغيا على مجمل ظروفه اذ معلوم ان لا أرضية سياسية ثابتة يمكن الرهان عليها لاستدامة أي إجراءات انفراجية الا في اطار تخفيف كرب الناس وتوفير فرصة تنفس لهم لن تكون مدة مفعولها طويلة وثابتة مادام الصراع السياسي مفتوحا، وبات حاكم مصرف لبنان بالذات احد المحاور الأساسية لاستهداف سياسي من قوى نافذة ومتحكمة في السلطة. ثم ان كلفة هذا الانفراج ليست قليلة متى تبين ان احتياط مصرف لبنان هبط إلى حدود 12 مليار دولار وان عملية تنفيذ التعميم الأخير تتواكب مع إنفاق كميات كبيرة من احتياط الدولارات لدى المصرف المركزي. بذلك فان “الوصفة” الحقيقية والجدية تظل دون افق وهي تتصل بوقف تعطيل مجلس الوزراء والإفراج عن واقع الحكومة الفعالة بكل صلاحياتها وتركها تطلق باب المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. ولكن المعطيات المطلوبة لتحصين الانفراج شيء والواقع السياسي شيء أخر اذ ان ما يجري على جبهة استغلال قسم من أهالي شهداء انفجار مرفأ بيروت والعبث بوحدة هذه الفئة المفجوعة بانفجار 4 آب لإطاحة المحقق العدلي في الملف طارق البيطار، بعدما فشلت حملات قبعه حتى مع تعطيل مجلس الوزراء، لا تبعث على أي تفاؤل بتحصين سياسي يقي الناس عودة هاجس الانهيارات.
في أي حال شهد يوم أمس تراجعا خاطفا في سعر صرف الدولار في السوق السوداء حتى وصل تداوله إلى مستوى دون 26 ألف ليرة بعد ان كان تخطى حاجز الـ 33 الف ليرة في الايام الماضية قبل بدء مفعول توسيع التعميم 161 الذي أًصدره مصرف لبنان. وبدا واضحا ان هذا الهبوط المفاجئ جاء نتيجة الاجتماع الذي عقد قبل أيام بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ووزير المال يوسف الخليل، وطلب خلاله ميقاتي من سلامة التدخل بكل الوسائل الممكنة لوقف ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء فتم الاتفاق مع سلامة على توسيع نطاق التعميم 161 المتعلّق باجراءات استثنائية للسحوبات النقدية فأصبح يجاز للمصارف، زيادة عن الكوتا التي يحق لها شهرياً سحبها بالليرة اللبنانية وتأخذها بالدولار الأميركي على منصة صيرفة، أن تشتري الدولار الورقي من مصرف لبنان مقابل الليرات اللبنانية التي بحوزتها أو لدى عملائها على سعر منصة صيرفة من دون سقف محدد. وعمد المركزي امس على ” شفط” الكمية الاكبر من الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية من السوق عبر السماح لكل من لديه ليرات ببيعها في المصارف مقابل دولارات وبسعر صيرفة، ما ساهم حتما بخفض الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية في الاسواق ويقارب حجمها 43.5 الف مليار. ولكن، اللافت ان عددا من المصارف لم يستطع تلبية كل طلبات شراء الدولارت فتوقف عن عملية البيع مننتصف النهار. وأبلغت المصارف المودعين بأنها ستستأنف تأمين الدولارات يوم الاثنين المقبل، كما تؤكد المعلومات نية مصرف لبنان تمديد العمل بالتعميم 161 إلى ما بعد نهاية شهر كانون الثاني الحالي.
وأكّد سلامة مساء أمس أنه “يسعى إلى تعزيز الليرة اللبنانية مقابل الدولار بعد أن تراجعت إلى مستوى قياسي منخفض هذا الأسبوع، مما أثار إحتجاجات جديدة بشأن إرتفاع الأسعار وإنهيار إقتصاد البلاد”. وفي حديثٍ لـ”رويترز”، قال: “بعد أن أصدر مصرف لبنان التعميم 161 وألغى سقفاً يتعلق بمشتريات البنوك بالدولار باستخدام منصة الصيرفة الرسمية، كان الهدف من هذا التعميم تقليص حجم الأوراق النقدية بالليرة اللبنانية المتداولة”، مؤكداً أن “عملية تقليص الأوراق النقدية بالليرة ستكون بين البنك المركزي والبنوك التجارية” . وأضاف: “هذه المبادرة تهدف إلى كبح تقلبات سوق الصرف، وتهدف إلى تعزيز قيمة الليرة أمام الدولار”.
وعلى اثر هذا التطور صدر بعد ظهر امس جدول جديد لتركيب أسعار المشتقات النفطية، بعدما كان صدر جدول صباحي، مسجلا تخفيضات جديدة ملموسة في أسعار المحروقات، وهي مرة نادرة يصدر فيها جدولان لتسعيرة المحروقات في اليوم نفسه، كما ان وزارة الاقتصاد أصدرت قرارا بخفض سعر الخبز.
Ch23