رغم كل الدراسات والمؤشرات والتقديرات المالية والاقتصادية الداخلية والدولية التي تشدد على أنّ مفتاح الحل للأزمة اللبنانية يبدأ من الإصلاح وإطلاق محركات النمو وتحفيز الاستثمارات الخارجية وتدفق الأموال من الخارج، باعتبار ذلك “ألف باء” الخطوات المطلوبة والكفيلة بإعادة الثقة وتخفيف الضغط على العملة الوطنية وحماية الانتاج والقدرة الشرائية للمواطن اللبناني، لا تزال السلطة مستغرقة في سياساتها “الترقيعية” للتهرب من طريق الإصلاحات البنيوية باتجاه دهاليز “جهنمية” تمعن أكثر فأكثر في تعميق التضخم وتوسيع رقعة البطالة والعوز بين المواطنين.
فحكومة “معاً للإنقاذ” أطلقت أمس عملياً “رصاصة الرحمة” على رأس الاقتصاد الوطني الذي يعتمد بجانبه الأكبر على الاستيراد، من خلال اعتمادها سعر منصّة “صيرفة” للدولار الجمركي المستوفى عن البضائع المستوردة، ضمن إطار مشروع الموازنة العامة الذي سيعمد مجلس الوزراء إلى إقراره في جلسة قصر بعبدا الخميس المقبل، الأمر الذي رأت فيه مصادر اقتصادية “قراراً كارثياً ستكون له تداعيات بالغة السلبية على قدرة المواطن الشرائية نظراً لكونه سيؤدي إلى إحداث ارتفاع هائل في مستوى الأسعار، بينما الأجور والمداخيل الخاصة بالفقراء وذوي الدخل المحدود والمتوسط لا تزال عند مستوياتها السابقة التي كانت معتمدة على أساس سعر 1500 ليرة للدولار”، مشيرةً في ضوء ذلك إلى أنّ اعتماد سعر “صيرفة” للدولار الجمركي من شأنه أن يشكل “عاملاً كبيراً لتحفيز عمليات الاستيراد عبر معابر التهريب وبالتالي تعزيز سطوة الاقتصاد الموازي في السوق اللبنانية”.
وإذ نوهت بأنّ “تفاقم الاقتصاد الموازي سيأتي بالتأكيد على حساب الانتاج وما تبقى من مؤسسات ما زالت قادرة على تأمين فرص العمل للبنانيين وإعالة أسرهم”، حذرت المصادر من أنّ ذلك “سيصب حكماً في مصلحة كارتيلات التهريب والقوى السياسية الراعية لها وسيمكّن المهرّبين من إحكام قبضتهم على حركة السوق”، مشيرةً في الوقت عينه إلى أنّ “الاقتصاد الموازي سيقلص تلقائياً الصحن الضريبي وسيقود إلى تراجع واردات الدولة بخلاف ما يتم الترويج له في معرض تبرير الحاجة لرفع تسعيرة الدولار الجمركي”.
وخلصت المصادر إلى الإعراب عن خشيتها من “نتائج دراماتيكية على البلد بشكل سوف يؤدي إلى تعميق الركود ورفع التضخم إلى مستويات لا حدود ولا سقوف لها”، متسائلةً: “سعر الدولار الجمركي على أساس تسعيرة “صيرفة” الراهنة يبلغ 21 ألف ليرة، لكن ماذا لو ارتفعت تسعيرة هذه المنصة إلى حدود 30 ألفاً أو حتى 40 ألفاً؟”.
على صعيد منفصل، برز أمس تقرير نشرته منظمة “هيومن رايتس ووتش” وفضحت فيه “العيوب” التي تعتري تحقيقات السلطات اللبنانية في جرائم القتل السياسية، مفندةً سلسلة من الإجرءات المخالفة للقانون في هذه التحقيقات ومسلطةً الضوء على “مدى فشل التمويل السخي والتدريب من المانحين لقوى الأمن والقضاء في لبنان في سبيل ضمان سيادة القانون”.
وفي هذا المجال، ركز التقرير على أربع جرائم قتل “ذات حساسية سياسية”، أشارت المنظمة الدولية إلى أنّ ما دفعها للتحقق منها هي “المزاعم بأنها ارتكبت على يد مجموعات لها صلات سياسية أو ذات نفوذ سياسي”، وأوردت أسماء ضحايا هذه الجرائم المرتكبة وهم: “لقمان سليم الذي كان ينتقد جماعة “حزب الله” المدعومة من إيران لفترة طويلة، وجو بجاني، وهو موظف اتصالات ومصور عسكري هاوٍ، والعقيد منير بو رجيلي، وهو ضابط جمارك متقاعد، وأنطوان داغر، رئيس قسم الأخلاقيات وإدارة مخاطر الاحتيال في بنك “بيبلوس” والرئيس السابق لوحدة الامتثال في البنك ذاته”، وشدد التقرير على أنّ عدم حل جرائم القتل هذه “يُذكّر بالضعف الخطير لسيادة القانون في لبنان في مواجهة النخب والجماعات المسلحة غير الخاضعة للمساءلة”.
المصدر : نداء الوطن