راسل الرئيس نجيب ميقاتي وزير المال يوسف خليل لاتخاذ الإجراءات اللازمة لاعتماد دولار جمركي عند 20 ألف ليرة، من أجل “تأمين إيرادات إضافية لتغطية النفقات الضرورية التي ترتفع بشكل كبير نتيجة التراجع الهائل في القيمة الشرائية للّيرة اللبنانية”.
وفيما تعريف السلع الضرورية وغير الضرورية يختلف باختلاف الظروف، ثمّة أسئلة كثيرة تطرح: هل أمّنتم مثلاً نقلاً عاماً لاعتبار السيّارة سلعة غير أساسية؟ هل أعطيتم المواطنين أموالهم في المصارف على سعر 30 ألف لتفرضوا الدولار الجمركي على سعر 20 ألف ليرة؟ فإذا كان الجواب “لا”، فكيف إذن تُفرض ضرائب هائلة في ظلّ اقتصاد مشلول وغياب خطة اقتصادية متكاملة؟
يهدف هذا الإجراء إلى زيادة إيرادات الدولة، “لكنّ هذه المداخيل ستتراجع بطبيعة الحال، مع دخول البلاد في مرحلة كساد وتضخّم وتراجع في القدرة الشرائية بالتزامن مع رواج التهريب، فجميع الإجراءات المتّخَذة معاكِسة تماماً للواقع”، هذا ما يؤكّده عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي، عدنان رمال، في تصريح، إذ ليس هناك أدنى توازن بين طرق تأمين واردات الدولة من دون ضرب مداخيلها وعدم ضرب قدرة المواطن الشرائية وعيشه الكريم. فرواتب القطاع الخاص زادت ضعفين أو ثلاثة، ورواتب القطاع العام زادت ضعفاً أو ضعفين، وسعر الصرف زاد 22 ضعفاً، والتضخّم على السّلع المعمِّرة زاد نحو 2000 في المئة، وخسرت العملة 96 في المئة، بينما سعر الدولار الجمركيّ سيزيد 13 ضعفاً.
ولائحة السلع المعفاة من الضرائب تشكّل، بحسب رمال، من 10 إلى 15 في المئة من السلع التي يستهلكها المواطن، بينما النسبة المتبقّية من السلع من ألبسة وأحذية وحقائب وإلكترونيات وكتب وسيارات وما إلى ذلك، هي غير معفاة. وحتى السلع المعفية من الدولار الجمركي هي خاضعة لرسوم أخرى مثل تكلفة الشحن ورسوم المرفأ والخدمات الإدارية على المرفأ وتكلفة النقل، والضريبة على القيمة المضافة التي ستلحق بسعر الدولار الجمركي. بالتالي، كلّ سلعة معفيّة من الدولار الجمركي، سيزيد سعرها أقلّه من 10-20 في المئة. أمّا السلع غير المعفيّة، فستشهد زيادة تصل إلى 50 – 60 في المئة على أسعارها.
“تطبيق هذا القرار سيخفّض الاستيراد طبعاً، وسيضرب القطاع التجاري”، وفق رمال؛ فبمجرّد إقراره على سعر 20 ألف ليرة، سيرتفع سعر الصرف تلقائياً، ممّا سيرفع من أسعار السّلع. وفيما الكتلة النقدية ستتضخّم، “يجب أن يكون إقراره مع عدم حجز الليرة في المصارف”.
وفي ما يتعلّق بالسلع المحليّة الصنع، يقول رمال: “صحيح أنّ هناك إعفاءات ضريبية على الموادّ الأوليّة الداخلة في الصناعة، لكن نسبة الموادّ المستورَدة المعفيّة لهذه الصناعة محدودة، بدليل أنّ جميع السّلع المصنوعة في لبنان ارتفع سعرها بشكل كبير”.
وبرأيه، “لن تصل الدولة إلى الهدف المرجو نتيجة الركود وعدم قدرة المواطن على الاستهلاك، وسيُفتح الباب أمام الاقتصاد غير الشرعي عبر التهريب، وهو قرار خطير جداً ومجحِف، فبالحدّ الأدنى، 80 في المئة من السلع ستصبح أسعارها مهولة”.
وعمّا إذا كان هذا القرار سيشجّع التاجر على تخزين السّلع من الآن حتى إقراره، يؤكّد رمال أنّه في حالة الركود الحالية، يسعى التاجر إلى تصريف بضاعته لا إلى تخزينها، وليس لديه ترف تقنين البيع”.
ما هي السلع المعفيّة من الدولار الجمركي؟
هناك 500 إلى 600 سلعة ستُعفى من الدولار الجمركي، ومنها بشكل أساسي المواد الأساسية من سكر وأرز وحبوب، ومعظم الزيوت النباتية. لكن لائحة السّلع غير المعفيّة تطول، وتتضمّن قسماً من أدوات التنظيف والعناية بالجسم والسلع الاستهلاكية الأخرى (جمركها بين 5 و30 في المئة)، الموادّ الدهنيّة كالمرغرين والزبدة، السكاكر والشوكولاتة (جمركها 20 في المئة)، مشتقات الأجبان (جمركها 20 في المئة)، الملح (جمركه 15 في المئة)، معلّبات الخضراوات (جمركها 35 في المئة)، وغيرها.
وبحسب نقيب مستوردي الموادّ الغذائيّة، هاني البحصلي، وفي حديث لـ”النهار، معلّبات الخضراوات مثلاً هي أصناف يستهلكها الكثيرون بدلاً من اللحمة في ظلّ الأوضاع الراهنة، ولم تعد من الكماليات، لذلك، “نسعى إلى إعفائها وجميع السلع الغذائية من الدولار الجمركي”. أمّا وقد اتُّفق على زيادة الدولار الجمركي، “فلا بدّ من رفعه بالتدريج للتخفيف على الناس، إذ كيف يُمكن فرض جمرك على سعر 30 ألف ليرة، وتسديد أموال المودعين في المصارف على سعر 8000 ليرة؟”.
كذلك، فإنّ رفع الدولار الجمركي لن يُبقي الاستهلاك على ما هو “بل سيتراجع مع تراجع القدرة على الاستيراد، والقدرة على الاستهلاك، وبالتالي مداخيل الدولة المرجوة من هذا القرار ستقلّ، وما هو سوى وضع اليد على قعر جيب المواطن الفارغة”، وفق البحصلي. كذلك، فإنّ القرار هذا سيزيد التهريب وسيؤثّر على جودة هذه البضائع أيضاً، وسيضرب مداخيل الدولة.
هل تُموَّل أجور القطاع العام من الدولار الجمركي؟
هناك عقدة بين أمرين: أجور القطاع العام، والدولار الجمركي، وفق شرح الخبير الاقتصادي، البرفسور بيار الخوري. وفي حديثه لـ”النهار”، يوضح بأنّ القطاع العام مشلول وغير قادر على التقدّم بالرواتب الحالية. لكن لا يمكن في الوقت نفسه زيادة الأجور من دون تحريك الاقتصاد. واليوم يعوَّل على الدولار الجمركي لتمويل أجور القطاع العام.
الدولار الجمركي يجب أن يرتفع صحيح، لكن في ظلّ الاقتصاد المنكمش، رفع الدولار الجمركي يزيد الأعباء التضخميّة على الاقتصاد. لذلك، بحسب الخوري، “رفعه هو من جهة ضرورة ومن جهة كارثة”. وليس هناك أيّ حركة اقتصادية تبرّر أيّ إضافة إلى واردات الدولة، ولا حركة اقتصادية تبرّر ارتفاع حجم كتلة الأجور في القطاع العام بالرغم من الحاجة الاجتماعيّة إليها.
لذا، يرتبط الأمر بين عدم صحّة زيادة الأجور في القطاع العام من الناحية الماليّة العلميّة، والحاجة إلى زيادتها من الناحية الاجتماعيّة. وأيّ ارتفاع للأجور من دون إجراء إنقاذيّ، سيؤدّي إلى التضخّم، وإقرار الدولار الجمركيّ على 20 ألف ليرة هو “إجراء غير سليم، إذ يرفع الضريبة في ظلّ اقتصاد مشلول، ممّا سيُضعِف الإنتاج”.
وأخيراً، من المستحيل، بحسب الخوري، رفع الأجور، وأن يبقى الدولار على سعر صرف 30 ألف ليرة”، فحجم الكتلة النقديّة الذي سيُضخّ في السوق لتمويل الأجور، سينفق من قِبل الموظفين فوراً، وسيرفع من سعر الصرف.
النهار