بينما ترزح غالبية اللبنانيين تحت أعباء أخطر أزمة إقتصادية ومالية واجتماعية دفعت بأكثر من نصفهم الى هاوية الفقر والعوز، يجهد المسؤولون في البحث عن فرض مزيد من الضرائب والرسوم لتوفير إيرادات مالية لتمويل فساد طبقة سياسية تتحكم بالبلاد منذ نحو ثلاثة عقود. في المقابل، ثمة اجماع على أن فرض مزيد من الضرائب، لاسيما رفع الدولار الجمركي، سيؤدي الى مزيد من الإنكماش الإقتصادي والبطالة، في حين أن ثمة مصادر أخرى كالأملاك البحرية التي تقدر قيمتها الفعلية بـ 20 مليار دولار أميركي يمكن أن توفر إيرادات مالية كافية لتمويل كلفة الرواتب وتشغيل الدولة من دون إرهاق المواطنين بالرسوم والضرائب.
في كل بيانات الحكومة فقرة تنص على جباية وتحصيل بدلات أشغال الأملاك العمومية البحرية، ولكن لغاية الآن بقيت حبرا على ورق فيما الأملاك العامة البحرية مستباحة من دون حسيب أو رقيب والمرخص منها تجاوز الترخيص وهو لا يدفع سوى مبالغ زهيدة كبدلات الإشغال.
يصل مجموع إشغالات الأملاك العامة البرية الى نحو 5 ملايين و500 ألف متر مربع نصفها قانوني ونصفها الآخر غير قانوني. وحدد القرار الرقم S/144 الصادر في العام 1925 الأملاك البحرية وحدودها وكيفية إشغالها، وهو صادر عن المفوض السامي الفرنسي ومضى على إصداره نحو 97 عاما ولا يزال ساري المفعول حتى اليوم، ولحق به تعديل طفيف في تخمين أسعار أمتار المساحة المشغولة. فكل منطقة تمتد من العريضة سعرها 40 ألف ليرة لبنانية للمتر المربع الواحد، الى الناقورة وسعر المتر 200 ألف ليرة لبنانية، لتصل الى 9 ملايين في المرفأ (سوليدير).
وقد نص القرار على أن هذه الأملاك العامة البحرية لا تباع ولا تكتسب ملكيتها بمرور الزمن. ومن ضمن ما تشمله شاطىء البحر حتى أبعد مسافة يصل إليها الموج في الشتاء وشطآن الرمل والحصى، ويحق للدولة والبلديات منح إجازات الإشغال الموقت لمدة سنة واحدة قابلة للتجديد بالرضى الضمني، على أن تعيّن في الإجازات الرسوم وبدلات الإشغال.
عام 1992 صدر مرسوم آخر يحدد بدلات جديدة للتراخيص الممنوحة لإشغال أملاك عمومية بحرية ويقسم الشاطىء اللبناني الى ثلاثين موقعا، لكل منها تخمين مختلف، وتم تعديل هذا المرسوم مرة أخرى عام 2018 ورُفعت الأسعار بالليرة في كل منطقة، ولكن بقيت قيمتها صغيرة مقارنة مع قيمتها ومردودها الفعلي. مع الإشارة الى صدور قانون ضمن سلسلة الرتب والرواتب عام 2017 لتسوية أوضاع المخالفين يفرض ضريبة على الذين يشغلون الأملاك العامة من دون ترخيص تُحتسب بحسب المخالفة وتاريخها مع مفعول رجعي، فقليلون منهم من قاموا بتسوية والتزموا هذا القانون وآخرون مازالوا مخالفين ولم يحاسبهم أحد.تقسم إشغالات الأملاك العمومية البحرية الى 6 فئات:
1. إشغالات تمت بموجب مراسيم حكومية قبل الحرب في العام 1975 وهي إشغالات قانونية تسدد ما يترتب عليها للدولة وتبلغ مساحتها نحو 876 ألف متر مربع.
2. إشغالات تمت بتراخيص في الفترة ما بين 1990-2012 وهي تسدد ما يترتب عليها وتبلغ مساحتها 1،952،827 مترا مربعا.
3. إشغالات تمت بموجب مراسيم حكومية، لكنها خالفت وتجاوزت المساحات المرخص لها. وهي تسدد بدلات الإشغال وفقا للمساحات المرخص لها وتبلغ مساحة هذه الإشغالات نحو 43 ألف متر مربع.
4. إشغالات تمت خلال فترة الحرب وحتى خلال السنوات التي تلت إنتهاء الحرب من دون ترخيص، وهي إشغالات لملك عام ملاصق لأملاك خاصة. وهذه الإشغالات قد تكون قابلة للتسوية وتبلغ مساحتها نحو 1,5 مليون متر مربع.
5. إشغالات تمت خلال فترة الحرب من دون أي ترخيص والشاغلون لا يملكون ملكا خاصا ملاصقا للملك العام الذي يشغلونه، وبالتالي هناك صعوبة في تسوية هذا النوع من الإشغالات التي تبلغ مساحتها نحو 650 ألف متر مربع.
6. إشغالات قامت بها جهات حكومية أو بلدية من دون أي ترخيص، وهذا الأمر يمكن معالجته وتسويته.
كل هذه الأملاك البحرية المشغولة بشكل قانوني أو غير قانوني تدخل إيرادات للدولة بحسب الرسوم المحددة في القانون تقدَّر بنحو 30 مليار ليرة لبنانية ما كان يوازي 20 مليون دولار سنويا قبل انهيار قيمة الليرة. أما اليوم فهذه الإيرادات زهيدة جدا، ويفترض إعادة النظر بقيمة الرسوم، خصوصا أن القسم الأكبر من هذه الأملاك البحرية هي للمنتجعات التي تتقاضى من الزبائن رسوم الدخول بالدولار بسعر يراوح من 10 الى 35 دولارا للشخص الواحد. ويقول نقيب أصحاب المجمعات السياحية البحرية جان بيروتي لـ “النهار” إن وزير الاشغال العامة والنقل قرر إقفال كل المنتجعات والمسابح التي لم تلتزم التسوية وغير المرخصة، لافتا الى أنه يفترض أن كل المنتجعات والمسابح التي تفتح أبوابها هي مرخصة. ويضيف بيروتي أن “لدى الدولة نية هذه السنة لإعادة النظر في تخمين سعر المتر المربع ورفع قيمته ثلاثة أو أربعة أضعاف، ولكن في وضعنا الحالي، وفي ظل حكومة تصريف أعمال لا تستطيع الدولة اتخاذ أي قرار أو تعديل للمرسوم”. وإذ أكد أن وزارة الأشغال تعمل على تشجيع وزيادة المسابح الشعبية، شدد على أن “الوضع سليم وليس من مخالفات حاليا، وأن جميع الإشغالات العامة البحرية إلتزمت التسوية وسددت رسومها”. لكن معظم المنتجعات والمسابح تخالف بعدم ترك ممر للمواطن للدخول الى الشاطىء؟ يجيب بيروتي أن “معظم الشواطىء الرملية مفتوحة لعامة الشعب، ففي جبيل مثلا يستطيع أي شخص الدخول من الشاطىء الشعبي الى شواطىء جميع المنتجعات، ولكن جغرافياً هناك مناطق من الصعب فتح ممرات فيها خصوصا المناطق الصخرية مثل عين المريسة والمنارة في بيروت”، مؤكدا أن “الرخصة لأي منتجع أو مسبح تفرض عليه وتلزمه إنشاء ممر على الشاطىء مجانا لعامة الشعب”.
عائدات الإشغالات البحرية
لا تزيد الرسوم التي تجبيها الدولة سنويا عن الإشغالات المرخصة عن 4،3 مليارات ليرة سنويا، ولكن بعد تعديل مرسوم عام 2018 الذي أقر رفع هذه البدلات، أصبحت الإيرادات نحو 15،7 مليار ليرة سنويا، وهذا المبلغ لا يزال زهيدا خصوصا بعد انهيار سعر الليرة اللبنانية.
ووفق مصادر مطلعة فإن “هذه الاملاك سائبة ومعظمها تحت رعاية القوى السياسية والطائفية منذ بداية الحرب، وقد آن الاوان لاستعادتها لتكون للناس، أو تأجيرها وفقا للأسعار الرائجة ما يحقق دخلاً سنويا لا يقل عن 250 مليون دولار، في حين أنها لا تزيد حاليا عن 3 ملايين دولار”.
المصدر : النهار