الخميس: 09/03/2023
“كتب عماد الشدياق في “أساس ميديا” – مصرف لبنان خارج السوق”… هذه هي الخلاصة السحرية التي قضت بـ”هبوط الدولار”. لكن ما هو حجم الهبوط الفعلي؟
وتابع الشدياق…
يظنّ البعض أنّ الدولار هبط من قرابة 93 ألفاً إلى عتبة 80 ألفاً في غضون أيام، أي بنحو 13 ألفاً نتيجة بيان مصرف لبنان الذي قضى ببيع الدولارات عبر “صيرفة” للأفراد والشركات. لكن المدقّق في حركة السوق يكتشف أنّ الحقيقة هي بخلاف ذلك تماماً.
في 27 شباط، أي قبل صدور بيان مصرف لبنان بيومين، كان سعر السوق نحو 81,500 ليرة، وهي العبتة التي كان يراوح عندها منذ أيام.
في حينه كانت الاجتماعات بين “المركزي” والحكومة مفتوحة، وكانت المعلومات المسرّبة تفيد بأنّ “المركزي” يستعدّ للتدخّل في السوق من أجل لجم سعر الصرف بطلب من الحكومة.
في 28 شباط، ارتفع سعر الصرف فجأة إلى 88 ألفاً، أي بنحو 6,500 ليرة وبيوم واحد.
في 1 آذار، أي تاريخ صدور البيان مساءً، واصل الصعود دفعة واحدة وصولاً إلى 91 ألف ليرة، بينما سجّل على بعض التطبيقات رقم 93 ألف ليرة لساعات قليلة، ثمّ بعد صدور البيان عند الساعة الثامنة ونصف مساءً، بدأ مسلسل “الانهيار” لـ”الصعود الوهمي”: هبط الدولار من رقم 93 ألفاً الذي سجّلته تلك التطبيقات، إلى 79,500 ليرة.
ظاهريّاً خُيّل للناس أن الدولار “انهار” بمعدّل 13,500 ليرة عن طريق “الإيحاء المفتعل”. لكنّ الحقيقة أنّ الهبوط لم يكن إلّا بنحو 1,000 ليرة فقط، لأنّ الصعود بدأ أصلاً من عتبة 81,500 ليرة فقط، وهنا تحديداً كانت عملية “الغشّ”.
بمعنى آخر، تدخّل “المركزي” في السوق شارياً للدولارات بشكل “شره”، ولا يُعرف إن كان “المركزي” بحاجة إلى تلك الدولارات فعلاً أو فعل ذلك عن قصد. أدّى هذا الطلب الكبير إلى ارتفاعه بشكل “مدبّر” 13 ألفاً، حتى يُظهر المركزي للناس وللحكومة على السواء أنّه استطاع أن يلجم سعر الدولار بهذا الحجم الكبير، لكنّ جلّ ما فعله “المركزي” أنّه أعاد سعر الصرف، فعليّاً، إلى حيث كان، بعدما أوقف تدخّله في السوق شارياً للدولارات.
خير دليل على هذا الكلام هو المراوحة التي تشهدها عمليات دفع الدولارات للأفراد والشركات عبر “صيرفة” بعد انقضاء 7 أيام على صدور البيان، الذي يذكر أنّ عملية الدفع تحتاج إلى 3 أيام عمل.
كشفت معلومات “مصرفية” لـ”أساس” أنّ جميع المواطنين الذين أودعوا ليراتهم اللبنانية في المصارف لم يحصلوا على الدولارات في المقابل حتى صباح يوم الأربعاء (أمس) على الرغم من مرور أسبوع كامل على صدور البيان. بعض المصارف تنبّهت إلى هذا الاحتمال فاشترطت على الراغبين بالاستفادة من “صيرفة” توقيع ما يشبه “رفع مسؤولية” في حال لم يلتزم المصرف المركزي بمضمون بيانه.
أمّا إذا التزم مصرف لبنان بمضمون بيانه وبدأ بدفع الدولارات، فقد لا يُعوَّل كثيراً على هذه العمليات من أجل خفض سعر الصرف أكثر منذ ذلك، أي إلى ما دون 80 أو 79 ألفاً. سيستمرّ الدولار بالمراوحة عند هذه العتبة باعتبار أنّ الدولارات التي ستحصل عليها الناس ستعود من حيث أتت: ستعود إلى الخزائن الخشبية والحديدية والأدراج التي خرجت منها في البيوت، ولن تستفيد منها حركة السوق، باعتبار أنّها كانت خارج التداول على شكل دولارات، وقد صرّفها أصحابها إلى الليرة وسيعودون إلى تخزينها مجدّداً بالدولار وفي المكان نفسه.
مصارد صيرفية مطّلعة على حركة السوق في التطبيقات وعلى شبابيك الصرافين، قالت لـ”أساس” إنّ المركزي “لم يتدخل في السوق شارياً للدولارات منذ صدور بيانه في أول شهر آذار”، وأنّه “مستمر بهذه السياسة حتى اللحظة”، لكن لا يُعرف إلى متى سيستطيع مصرف لبنان الصمود بلا ضخّ “أوكسجين” الدولارات في عروقه.
قرار العودة إلى شراء الدولارات من السوق غير واضح حتى اللحظة، لكن حتماً لن ينتظر صدوره طويلاً نتيجة حاجة المركزي إلى تلك الدولارات لتلبية التزامات الدولة. بقاء مصرف لبنان خارج السوق ربّما لن يدوم أكثر من منتصف هذا الشهر، وعندها سيعود مسلسل “الارتفاع الكبير” حتماً. تدخّله مجدّداً سيعيدنا “سريعاً” إلى حيث توقّف المركزي، أي إلى عتبة 90 ألفاً وربّما أكثر.
أمّا الثمن فعبئه مُلقى على عاتق المواطنين الذين يدفعونه مع كل ارتفاع وهبوط ثمّ ارتفاع من خلال أسعار السلع التي تشهد الارتفاعات المتواصلة منذ 3 سنوات… فكيف اليوم بعدما تحوّل تسعيرها فوق هذا كلّه إلى الدولار؟