أقل ما يقال بنسخة مشروع قانون «الكابيتال كونترول» المعروضة اليوم للنقاش في الجلسة النيابية المشتركة للجان، إنها ناقصة وغير متكاملة، حتى مع التعديلات التي أدخلت عليها. وإذا وضعنا جانباً الشكوك بإصرار البعض على تفريغ القوانين من مضمونها، فإن استكمال دراسة المشروع من قبل النواب يجب أن يُسفر عن سدّ الثغرات الموجودة. وإلا، فإن «طوفان» الاستنسابية، والتفسيرات المختلفة للمواد الموجودة في مشروع القانون ستُغرق مركب الاقتصاد. ولن تقتصر الأضرار كما يظنّ البعض على الخسائر الهامشية والمؤقتة التي ستلحق ببعض المواطنين والقطاعات.
القراءة بين سطور المطروح تحت مسمّى: «ملخص نقاشات الخبراء والمتخصصين حول مشروع القانون الوارد بالمرسوم رقم 9014: وضع ضوابط إستثنائية ومؤقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية»، تظهر أن «القانون ما زال يسوده الكثير من الضبابية والإلتباس»، برأي رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين (ALDIC) المحامي كريم ضاهر. و»هو الأمر الذي سيخلق الكثير من المشاكل التطبيقية في ما بعد». وعلى الرغم من أن المواد الأربع عشرة التي يتضمّنها القانون، تحتاج إلى تعديلات إما جوهرية وإما شكلية، فإن أكثر ما يهمّ المواطنين العاديين من هذا القانون هي نقاط ثلاث، تتلخص بـ:
– المبالغ التي يتيح القانون سحبها من الودائع.
– انعكاس القانون على التحويلات الخارجية ومقدار تأثيره على القطاعات الإنتاجية.
– عدالة «اللجنة» الموكلة متابعة القانون والحرص على تطبيقه، ومقدار الشفافية والنزاهة الذي تتمتّع به.
لا يخدم المودعين
تظهر المسودة المراد مناقشتها أن القانون فصل بين الودائع الجديدة التي تعود لما بعد 17 تشرين الأول 2019، وتلك القديمة التي تعود إلى ما قبل هذا التاريخ. و»كأن به يعترف بأن الفئة الثانية غير قابلة للاسترداد»، برأي ضاهر. و»هذا ما يطعن بحق الملكية الفردية وبمبدأ المساواة المكرسين بموجب مقدمة الدستور، والمادتين السابعة والخامسة عشرة منه. كما يخلق نظرياً عملة جديدة، ويخفّض على الأرجح قيمة الأموال «القديمة»، ويرتّب ضرراً جسيماً ومرفوضاً على المودعين. ولهذا التحديد عدّة دلالات ونتائج منها: إضفاء الشرعية القانونية للمصارف للاستمرار في حجز أموال الناس، والاقتطاع منها على هوى مصالحها. وإبراء ذمّتها بالنسبة لجمع القضايا والمراجعات المرفوعة ضدها.
إذاً، ستعاد الأموال القديمة وفقاً لأسعار صرف غير حقيقية، أما بالنسبة إلى الكمية المسموح سحبها فقد قال القانون: «… تسمح هذه القيود للفرد بأن يسحب شهرياً من حسابه المصرفي مبلغاً لا يزيد عن 1000 دولار أميركي، إما بالعملة الأجنبية أو بالعملة الوطنية أو بالعملتين». وفي «لا يزيد» تكمن «النصبة» الكبيرة. فهذه العبارة تمثل بحسب ضاهر «أكبر عملية احتيال على المودعين، تتيح للمصارف الاستنسابية في إعادة الودائع. حيث قد تربط مبالغ السحوبات المسموح بها شهرياً، بشطور حسب قيمة الوديعة، كما تفعل حالياً. كأن تقول مثلاً إن من يحق له بالمبلغ كاملاً هم المودعون الذين تتجاوز حساباتهم المليون دولار، فيما لا يحقّ للمودعين الذين تقلّ حساباتهم عن 100 ألف دولار بأكثر من 100 دولار شهرياً، (طبعاً على سعر صرف غير حقيقي)».
القطاعات الإنتاجية تنفذ بريشها
على عكس المودعين الأفراد، «نفذت» حسابات الأعمال بـ»ريشها»، من «خرم» هذا القانون. فبالإضافة إلى الحرية المطلقة في التصرّف بالأموال الجديدة الموضوعة بالحسابات سحباً أو تحويلاً في الداخل والخارج، فقد أعطيت هذه الحسابات ميزة دعم مبهمة. حيث يقوم المصدر بإعادة الجزء المتعلق بمبلغ التحويل الاستثنائي والممول بالعملة الأجنبية مضافاً اليه مبلغاً في المئة من قيمة التحويل الإستثنائي إلى المصرف المعنيّ في لبنان. وهذا ما يمثل بحسب ضاهر «ميزة عن بقية المودعين ونوعاً من أنواع الدعم. إذا إن عائدات هذه الأموال ستجمّد إلى حين من ثم تتحوّل إلى أموال طازجة». أما عن المجادلة بضرورة مثل هذا الإجراء لدعم القطاع المنتج فيقول ضاهر: صحيح أن مثل هذا الإجراء يحفّز التصدير ويسمح باستعمال الأموال المحجوزة لشراء المواد الأولية وخلافه، إلا أنّه في المقابل يشجّع على إنشاء شركات قد تكون وهمية لتحويل الأموال إلى الخارج واستعادتها بالدولار بعد 5 سنوات. أو استيراد سلعٍ بهذه الأموال ومن ثم إعادة تصديرها. أو حتى تحويل الأموال من حسابات مشكوك بـ»نظافتها»، بمعنى أن تكون الأموال متأتية من عمليات فساد أو تبييض أموال وخلافه. وهذه الشكوك تتعزز أكثر في ظل ضعف الرقابة ووجود «اللجنة» المشكوك بشفافيتها والثقة بها.
اللجنة
هذه اللجنة ستشكّل بحسب نص المادة الثالثة من مشروع القانون من وزير المالية وحاكم مصرف لبنان وخبيرين اقتصاديين وقاضٍ من الدرجة 18 وما فوق يختارهم رئيس مجلس الوزراء، ويمكن أن تستعين بمن تراه مناسباً من أهل الإختصاص. «فكيف يمكن إيلاء المكونات نفسها التي أوصلتنا إلى الخراب مسؤولية لجنة قراراتها لا تقبل الطعن أو المراجعة القضائية؟»، يسأل ضاهر. ليجيب: «إنه بهدف تأمين حياديّتها وفعاليّتها والثقة بها، يجب أن تكون اللجنة من أخصائيين في الاقتصاد والنقد وممثلين عن القطاعات الإقتصادية، وأن تضم رجال قانون و/أو قضاة متقاعدين أم في الخدمة. وليس من ضرورة لوجود رئيس مجلس الوزراء، أو وزراء، بل الاكتفاء بالمديرين العامين وكبار الموظفين. أما لجهة الصلاحيات فإن منح «اللجنة» سلطة استنسابية واسعة أمر غير مريح على ضوء التجارب الماضية والأصول الواجبة. ولعلّه من المجدي برأيه «التفكير في إناطة المهمة العملانية لجهة درس الملفات واقتراح الحلول والتوصيات إلى اللجنة الإستشارية الملحوظة في المادة 35 وما يليها من قانون النقد والتسليف وهي تضم أعضاء يختارون بالنظر إلى خبراتهم في الحقول المصرفية والتجارية والصناعية والزراعية، وعضواً يتم اختياره من بين أساتذة الإقتصاد الجامعيين».
إمتحان جديد يواجه نواب الأمة، فإمّا ينجحون في إقرار قانون عصري متكامل بعيد عن الإستنسابية يخدم الإقتصاد، وإمّا يضيفون إلى سلّة القوانين القائمة قانوناً إشكالياً جديداً يضرّ أكثر ممّا يفيد.
المصدر : نداء الوطن