يودّ لبنان إنهاء ملف ترسيم الحدود الجنوبية البحرية مع العدو الإسرائيلي خلال شهر أيلول الذي بات على الأبواب، لكي يضمن بدء أعمال التنقيب والإستخراج في بلوكاته النفطية، وبدء الإستفادة من عائدات حقوله الواعدة خلال السنوات المقبلة، ولكي يتفرّغ جديّاً لاستحقاق انتخاب الرئيس الجديد للبلاد.
وإذ مضى ثلاثة أشهر ونصف على إجراء الإنتخابات النيابية الأخيرة التي حصلت في 15 أيّار المقبل، لا تزال حكومة تصريف الأعمال في مكانها، ولم يتمكّن الرئيس المكلَّف نجيب ميقاتي حتى الآن من تشكيل حكومة جديدة نظراً لعدم التوافق بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على التفاصيل المتعلّقة بها. فهل ستبقى حكومة ميقاتي الحالية التي نالت ثقة المجلس النيابي الماضي، وليس الحالي، حتى نهاية عهد الرئيس عون أي الى 31 تشرين الأول المقبل، أم سيجري تشكيل حكومة جديدة قبل انتهاء العهد الحالي؟!
مصادر سياسية مطّلعة ذكرت بأنّها المرة الأولى التي يصل فيها لبنان الى الإستحقاق الرئاسي في ظلّ حكومة تصريف أعمال لم تمثل أمام مجلس النوّاب الجديد لتحظى بثقته. وهذا الوضع يجعل الحكومة الحالية بعد انتهاء عهد الرئيس عون «غير شرعية»، كونها أصبحت مستقيلة مع انتخاب البرلمان الجديد ولم تحصل على شرعيتها منه، من خلال نيل الثقة.
ولهذا تضغط بعض دول الخارج على الداخل من أجل تشكيل حكومة جديدة سريعاً، على ما أضافت المصادر، على أن تتقدّم ببيانها الوزاري المقتضب الى المجلس الجديد، لكي تنال على أساسه ثقة المجلس. أمّا في حال حجب الثقة عنها، وهو أمر غير مستبعد، وخصوصاً أنّ عدد النوّاب الذين سمّوا ميقاتي للتكليف لم يتجاوز ال 54 نائباً، وقد يعطي العدد نفسه، وغير الكافي الثقة للحكومة الجديدة، فسيحتّم ذلك دعوة رئيس الجمهورية الى استشارات نيابية ملزمة لتسمية رئيس مكلّف جديد، على أن يشكِّل الحكومة خلال أيام معدودة، لأنّ الوقت لم يعد يسمح بأي تأخير.
غير أنّ الوصول الى هذا الوضع، من شأنه إخراج ميقاتي من اللعبة السياسية في المرحلة المقبلة، من دون إيجاد بديل سُنّي يرضي بعض الداخل والخارج. من هنا يسعى ميقاتي، على ما شدّدت المصادر نفسها، الى التوافق مع رئيس الجمهورية على التشكيلة الجديدة، على أن يتأكّد من نيلها ثقة المجلس. فهذا شرط أساسي للتشكيل، أي التنازل من جهة عن عدد وزراء حكومته الجديدة التي ستواكب الإنتخابات الرئاسية، وعلى غرار مواكبتها للإنتخابات النيابية الأخيرة، وإعطاء الرئيس عون ما يريده من جهة ثانية، كونه لا يريد ترك البلاد للفراغ بل بيد حكومة فاعلة، قادرة على الإنتاج، في حال لم يتمّ التوصّل الى انتخاب الرئيس الخلف له.
وتحدّثت المصادر السياسية عن وجود إشارات إيجابية لتشكيل الحكومة الجديدة في الأيام القليلة المقبلة، لما لهذه الخطوة من تداعيات جيّدة على الوضع العام ككلّ، لا سيما إذا حصلت التسوية المنتظرة بين أميركا وإيران، ما من شأنه أن ينعكس سريعاً على استحقاقات الداخل، فمع بقاء حكومة تصريف الأعمال غير الحاصلة على ثقة البرلمان الجديد، ومع خلو منصب الرئاسة بعد انتهاء عهد الرئيس عون، يصبح المجلس النيابي الوحيد الشرعي والقانوني من بين الرئاسات الثلاث، غير أن لا صلاحيات تنفيذية له، بل تشريعية فقط، ما يحتّم على المسؤولين التصرّف بحكمة تجنّباً لترك البلاد للفراغ.
وبرأي المصادر، إنّ ميقاتي سيحرّك مسألة تشكيل الحكومة، كونها الخطوة المطلوبة في الوقت الراهن، قبل الذهاب الى جلسات انتخاب الرئيس الجديد للبلاد التي ذكر رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي أنّه لن يدعو اليها قبل أن تنضج الأمور، لأنّ وجوده على رأس حكومة «شرعية» أفضل له وللبلاد. وهذا يعني أنّ الكتل النيابية تقوم منذ الآن بتحالفاتها لانتخاب شخصية معيّنة يتمّ التوافق عليها لإيصالها الى قصر بعبدا، وإن كانت صورة هذه التحالفات لم تتضح بشكل نهائي بعد. ولكن، على ما يبدو، سيكون أمامها بعض الوقت لاختيار مرشحها المناسب لتبوؤ هذا المنصب.
وتقول المصادر عينها انّه بعد انتخاب الرئيس الجديد للبلاد ستصبح الحكومة الجديدة في حال تشكّلت مستقيلة، في الوقت الذي ستحتاج فيه البلاد عندئذ الى حكومة قوية قادرة على إنقاذ البلاد من أزماته الإقتصادية والمالية والمعيشية المتراكمة وفير المسبوقة، كما على إعادة تركيب السلطة تجنّباً للشغور، ولإبقاء بعض المهل المجمّدة للوضع الداخلي مفتوحة الى أجلً غير مسمّى.
وأشارت المصادر الى ضرورة الإسراع في تحريك الجمود الحاصل، على ما نصحت بعض دول الخارج، لأنّ الوضع الداخلي لم يعد يحتمل إضاعة المزيد من الوقت، أو بقاء لبنان في المرحلة المقبلة من دون رئيس، وتحكمه حكومة مستقيلة تصرّف الأعمال بالمعنى الضيّق، لأنّ من شأن هذا الوضع بدلاً من الحلحلة والتحسين والتطوير، التقليص من مهامها ومن دائرة صلاحياتها، فضلاً عن زيادة الطين بلّة.
المصدر : الديار