تجري إتصالات حثيثة وبعيدة عن الأضواء بين مرجعيات رئاسية وسياسية وحزبية لإيجاد مخرج سريع للوضع الحكومي المأزوم، وحيث كان، وفق المعلومات الموثوقة من مصادر نيابية، لرئيس المجلس النيابي نبيه بري دور بارز في هذا السياق خلال لقائه أمس الأول بالرئيس المكلّف نجيب ميقاتي في عين التينة، إذ دعاه إلى الإسراع في إيجاد حلّ بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون حول الشأن الحكومي، لأن دوائر القصر بدأت تربط العملية الحكومية بالإستحقاق الرئاسي، بمعنى تعطيل الإنتخابات وعدم خروج رئيس الجمهورية من قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته إلاّ في حال تشكيل حكومة جديدة، لأنه حسم خياره بأنه لن يسلّم القصر لحكومة مستقيلة، على الرغم من إقرار بري وسائر المشرّعين والدستوريين بأنه يحقّ للحكومة المستقيلة أن تتولّى إدارة البلاد، وهذا منصوص عليه في الدستور.
وبالتالي، تشير المعلومات إلى أن الرئيس بري يدرك صعوبة تشكيل حكومة جديدة، وقد قدم الرئيس ميقاتي تشكيلةً وزارية للرئيس عون، وهي موجودة، وقادر أن يعدّل فيها إذا أراد ذلك، لكنه تمنى على الرئيس المكلّف أن يقوم بإجراء تعديل وزاري بداية من خلال ما يُطرح لتغيير وزيري المهجرين والإقتصاد عصام شرف الدين وأمين سلام، وفي حال لم يقبل رئيس الجمهورية بهذا العرض، عندئذٍ يمكن إضافة ثلاثة وزراء، وبذلك يكون قد حَشَر عون ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، الذي يقود المعركة ضد الرئيس المكلّف وبات الصراع بينهما غير قابل للمهادنة، ولا سيما بعد حديثه الصحافي الأخير، والذي قطع من خلاله كل الخطوط أو خطوط التفاوض مع ميقاتي.
من هنا، تكشف المعلومات النيابية نفسها، أن الرئيس بري المتوجّس من خطوات عون، وما يمكن أن يفجّره من قنابل سياسية في الأسابيع المقبلة، ولا سيما أنه يعرفه خير معرفة منذ الثمانينات، وبناءً عليه تصبح الإنتخابات الرئاسية محفوفة بالمخاطر، مع العلم أن رئيس المجلس الذي سبق له، ومنذ أكثر من شهر، أن أكد بما معناه لدى بداية المهلة الدستورية في الأول من أيلول، سيدعو إلى أول جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، قد تريّث عن هذه الخطوة لجملة اعتبارات داخلية وخارجية، إن من خلال الوضع الحكومي القائم حالياً، والذي تحوّل إلى صراع بين بعبدا والسراي، أو لخصوصيته وعلاقاته ضمن «الثنائي الشيعي» ما يدعوه إلى التمهّل وعدم الإقدام على أي إجراء إستباقي قد يؤدي إلى توسيع رقعة الشرخ السياسي، وتفاقم الأمور وتعقيد مسار الإنتخابات الرئاسية، إضافة إلى أن رئيس الجمهورية سيستغلّ هذه المسألة من خلال استنهاض أنصاره على خلفية أن رئاستي المجلس والحكومة يسعيان إلى إخراجه من بعبدا في بداية مهلته الدستورية، وذلك، يحمل أكثر من تفسير لحكم البلد من قبلهم، وذلك تحدٍّ لموقع رئاسة الجمهورية وما يمثّل، أي استغلال هذا الإجراء، وإن كان قانونياً ودستورياً بامتياز.
وأخيراً، فإن هذه العناوين من شأنها أن تبقي الساحة الداخلية مفتوحةً على أي مخرج، أكان حكومياً أو رئاسياً، ولكن المتابعين والمواكبين لمسار ما يحصل يؤكدون صعوبة تشكيل حكومة جديدة، والأرجح في حال قبل رئيس الجمهورية بعرض الرئيس المكلّف القاضي بإجراء تعديل وزاري، عندها قد يُسدَل الستار عن الوضع الحكومي بشكل إيجابي، وربما يفتح ذلك الطريق أمام حصول الإنتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري المحدّد.
الديار