الأزمة المالية التي عصفت بلبنان منذ 3 سنوات غير مسبوقة، وهي واحدة من أشد ثلاث أزمات قسوة على المستوى الدولي منذ أكثر من 150 عاما، وفق تقرير البنك الدولي.
وأخطر حلقات هذا الانهيار كان ملف الكهرباء الذي استهلك نصف الدين العام وأنهك مالية الدولة، ومع ذلك فالتيار منقطع عن المدن والبلدات اللبنانية بشكل كامل، بينما يرزح غالبية المواطنين تحت ضغط هائل من جراء عدم قدرتهم على دفع فواتير المولدات الخاصة التي تفوق قيمتها كامل ما يتقاضونه من رواتب.
رئيس مجلس النواب نبيه بري قال في الذكرى 44 لغياب مؤسس حركة أمل الإمام موسى الصدر ان الكهرباء هي التي سببت الأزمة المالية للدولة، والمسؤولون عن إدارة القطاع منذ 13 عاما «ويقصد فريق رئيس الجمهورية ميشال عون» يقولون ما «خلونا» نعمل، برغم أنهم رفضوا تعيين الهيئة الناظمة للقطاع التي فرض تشكيلها القانون 462/2000، وهذه الهيئة تتمتع بصلاحيات واسعة في إدارة شؤون الكهرباء، ويعود لها تحديد تسعيرة الكهرباء، بما يتناسب مع تكلفة الإنتاج، بينما تقتصر صلاحية وزير الطاقة على الإشراف السياسي على القطاع من دون التدخل في التفاصيل الإدارية والمالية، وهو ما يرفضه الفريق الذي يتولى وزارة الطاقة.
وتأليف هذه الهيئة شرط أساسي من شروط الهيئات الدولية التي ستمول تعافي القطاع، لاسيما البنك الدولي الذي وافق على دفع تكاليف تغذية محطات الإنتاج بالغاز المصري، وعلى تسديد قيمة 250 ميغاواط سيتم استجرارها من الأردن. وقال بري: لا يوجد بلد بالعالم تنقطع فيه الكهرباء بشكل كامل مثل لبنان.
وبرغم صعوبة الأوضاع المعيشية وتدني دخل غالبية اللبنانيين، يبقى انقطاع الكهرباء هو الجرح الأكثر ايلاما، وهو ما قد يؤدي الى انفجار اجتماعي، لأن المواطنين عاجزون عن تسديد قيمة فاتورة المولدات الخاصة التي تجبى بالدولار الأميركي ارتباطا بسعر مادة المازوت، وتكاليف اشتراك 5 أمبير وصل في بعض أحياء بيروت الى 250 دولار شهريا، وهو ما يفوق راتب موظف من الفئة الأولى، وبالتأكيد فإن 5 أمبير لا تكفي سوى لإنارة المنزل وتشغيل براد وتلفاز بالحد الأقصى.
الكارثة الأشد ايلاما هي غياب الكهرباء عن المؤسسات العامة الحكومية، ومرافق الدولة الخدماتية الأساسية مثل المطار والمرفأ ومحطات ضخ المياه والصرف الصحي ومراكز الهاتف، وعلى القطاعات الإنتاجية الحيوية في الصناعة والسياحة والزراعة والتجارة، وعلى المدارس والجامعات والمستشفيات، خصوصا أن أيا من هذه القطاعات لا تستطيع تغطية تكاليف المولدات الخاصة، او أن المولدات لا تكفي لتشغيل بعضها مهما كبر حجمها، لأن قسما من هذه المؤسسات تحتاج لطاقة كهربائية عالية، وتوقف هذه القطاعات – كما معامل الاسمنت مثلا – يهدد لقمة عيش آلاف العائلات، ويقضي على ما تبقى من حراك اقتصادي في البلاد.
ولجأت العديد من المؤسسات الإنتاجية الصغيرة والمنازل السكنية الى تركيب الواح شمسية لتوليد الكهرباء، وقد وصل انتاج مجموع هذه المحطات الصغيرة الى ما يزيد على 500 ميغاواط، أي ما يقارب 15% من حاجة لبنان، لكن المشاكل المتأتية عن هذه المحطات بدت كبيرة جدا، وقد أدت الى خلافات واسعة بين سكان الأبنية، لأن أسطحة هذه الأبنية لا تتسع لتركيب ألواح لكل منازل القاطنين فيها، ولأن المخاطر الناتجة عن هذه المحطات تهدد السلامة العامة، بسبب النوعية المتردية لمعظم التجهيزات التي يتم تركيبها بأسعار زهيدة، وهي لا تتمتع بمواصفات ائتمانية كافية.
وكشف خبراء ماليون عن أن التهافت على شراء الدولار الأميركي من الصرافين لدفع فواتير تجهيزات محطات توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، يساهم في زيادة الطلب على الدولار، وبالتالي الى ارتفاع سعره مقابل الليرة اللبنانية.
ويتبادر السؤال: هل الإخفاق في قطاع الطاقة كان مجرد فشل اداري؟ أم أن تدمير القطاع كان جزءا أساسيا من مسلسل التعطل الذي أدى الى شل النظام السياسي والمالي والاقتصادي للبنان؟
الأنباء