هزّت “روبلة” عقود شراء النفط الروسي عرش الدولار. فبعدما فرض الرئيس فلاديمير بوتين في آذار الماضي على الدول غير الصديقة شراء الغاز بالعملة الروسية، “تطوّعت” الصين لتسديد ثمن شحناتها بالروبل واليوان بدلاً من الدولار. العملية التي وصفت من الرئيس التنفيذي لشركة “غازبروم” أليكسي ميلر بأنها “نقلة” تحقق فائدة متبادلة لكل من شركة الغاز الروسية وشركة البترول الوطنية الصينية، أثارت أسئلة عن إمكانية خسارة أميركا رافعة تأثيرها الاستراتيجية المتمثلة بالدولار. فالأخير لطالما كان عملة التداول الأساسية في الأسواق العالمية، وكبريات المبادلات التجارية.
الاتفاق الذي بدا في الظاهر على أنه حدث جديد، “هو في الواقع قديم، جرى إعلانه بصيغة رسمية يوم أمس”، بحسب الباحث الاقتصادي المتخصص في شؤون النفط والطاقة عامر الشوبكي. و”هو يعود إلى بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، وما تبعها من فرض الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية عقوبات إقتصادية على موسكو”. وبحسب الشوبكي فإن “تعامل الدولتين منذ شباط الفائت بالروبل واليوان، يؤثر حكماً على الدولار بوصفه عملة مهيمنة في العالم، ويضعف تأثير الولايات المتحدة عموماً، وعقوباتها خصوصاً، إذا ما تبعت هذه الخطوة دول أخرى عدا الصين”.
الاتفاق بين روسيا والصين على التبادل بالعملات المحلية ما زال مقتصراً لغاية الآن على مبيعات الطاقة، ولم يتعدّها بعد إلى بقية المبادلات التجارية. وفي حال توسّعه قد يشكل خطراً حقيقياً على الدولار. ذلك أن حجم التجارة البينية بين روسيا والصين نما إلى 200 مليار دولار مؤخراً، ومن المتوقع أن يتجاوز 400 مليار في السنوات الخمس المقبلة. وبحسب الشوبكي فإن “إعلان روسيا عن التبادل باليوان والروبل بينها وبين الصين يعتبر رداً رسمياً على السقوف السعرية المؤلمة للاقتصاد الروسي التي ينوي الغرب تطبيقها، وأيضاً على بدء تنفيذ العقوبات الاوروبية على النفط الروسي ابتداءً من كانون الأول المقبل. وعليه أرادت روسيا الإعلان أن يكون خطوة استباقية لإظهار قدرتها على تحويل جزء كبير من مبيعاتها النفطية الى الصين، واستبدال الواردات الأوروبية بتصدير الغاز عبر خط أنابيب قوة سيبيريا واحد إلى الشرق الصيني. وهذه الصادرات ستشهد ارتفاعاً كبيراً مع بدء تنفيذ مخطط “خط سيبيريا 2” الذي يقطع منغوليا وصولاً إلى الصين. وما يزيد من أهمية هذا الخط أنه يصدر الغاز من المنابع التي كانت تورد الغاز إلى أوروبا. وبالتالي سيعوّض بشكل كبير تراجع الطلب الغربي. خصوصاً مع ما تعتزمه الدول الأوروبية من قطع إمداداتها كلياً من الغاز الروسي خلال السنوات المقبلة.
نداء الوطن