على طاولة مجلس الوزراء في السرايا جملة من الملفات التي لم تأخذ طريقها الى التنفيذ بعد مع تصاعد الاتهامات بين الافرقاء في الحكومة وخارجها على وقع سيل من الخلافات التي ستطفو اكثر على السطح مع دخول البلاد في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في ملعب رفع “الفيتوات” وارتكاب “الفاولات” السياسية المتبادلة بين الكتل من هنا وهناك.
ومع انقطاع التيار الكهربائي وارتفاع ساعات التقنين ووصولها الى الصفر في بعض المناطق، كثر الحديث في الاسابيع الاخيرة عن هبة الفيول الايراني التي اعلنت طهران استعدادها لتقديمها الى لبنان. ولم تلقَ هذه الخطوة ترحيبا لدى جهات عدة بسبب ربطها بالحسابات السياسية عند بعض الافرقاء من الايرانيين ورفض فتح صفحة للتعاون في هذا الحقل مع طهران، وسط ترحيب آخرين بقبول هذه الهبة وعلى رأسهم “حزب الله”، لكن من دون رفع الصوت او ممارسة ضغوط على الحكومة للاسراع في استغلال العرض الايراني والاستفادة من كميات الفيول المطروحة، لانه في حال الحصول عليها ستساعد في تأمين التيار ولو لساعات قليلة على غرار ما يستفاد منه من الفيول العراقي.
ويتلقى الرئيس نجيب ميقاتي جملة من السهام والانتقادات التي حمّلته مسؤولية عدم الحماسة في قبول هذه الهبة المنتظرة واتهامه بأنه يخضع لضغوط اميركية تمارسها السفيرة دوروثي شيا على الحكومة لعدم السير بقبول هذه الهبة والعمل على عرقلتها. وتفيد المصادر ان هذا الكلام غير دقيق ولو كان هذا الموضوع مادة سياسية على طبق حبال الشد الاميركية – الايرانية في بيروت، فضلا عن الغوص في مسألة مطابقة المواصفات او عدمها من الناحية التقنية، وهي ليست بعيدة عن ضرورة توافر “المواصفات” السياسية المطلوبة مع طهران.
وتقول المصادر المواكبة لـ”النهار” ان ميقاتي لم يبدِ رفضه لهذه الهبة ما دامت لن تكلف لبنان اي مبلغ مالي ولن تؤثر عليها مسألة العقوبات الاميركية المفروضة على ايران والتي “ستتحرر” منها بالطبع عند توقيع الاتفاق النووي بحيث سيكون لهذا الامر في حال حصوله انعكاسات ايجابية في لبنان والاقليم وفي اكثر من ملف وازمة عالقة.
وفي التفاصيل ان ميقاتي لم يعترض على الحصول على هذه الهبة. وهذا ما قاله لدى استقباله السفير الايراني مجتبى أماني، لكنه ربط تنفيذ الهبة بأمور تقنية، ابرزها اذا كانت هذه الكميات من الفيول تصلح للاستعمال في معامل الطاقة في لبنان. ولم تشأ السرايا الدخول في اي جدال او في ردود إعلامية هي في غنى عنها.
وفي المعلومات ان كمية الفيول الايراني التي يمكن ارسالها الى لبنان تحتوي على 3،5 % من الكبريت، الامر الذي يسبب تلوثا في محيط المناطق التي توجد فيها هذه المعامل، بينما نسبة الكبريت التي يمكن العمل بها كما هو حاصل وخصوصا في المعامل الحديثة هي 1,5 وانه في حال قبول الهبة وتشغيل المعامل بالفيول الايراني مباشرة من دون اي معالجة له ستخرج عندها اصوات سياسية ونيابية ولو من الزاوية البيئية وعدم الاكثار من التلوث والمطالبة عندها برفض هذه الهبة ودخول جمعيات الحفاظ على البيئة على الخط.
ولم تكتف الجهات المعنية هنا بهذه المعضلة بل جرى التواصل مع المسؤولين الايرانيين حول ما اذا كان في امكانهم خفض نسبة الكبريت في الكميات التي سيمنحونها للبنان الى 1،50 ولم يأت الرد في هذا الصدد بعد.
وفي المعلومات ايضا ان المعنيين في وزارة الطاقة اتصلوا بشركة سويسرية أبدت استعدادها للعمل على خفض نسبة الكبريت في الكميات النفطية التي اعلنت ايران استعدادها لتقديمها لتصبح صالحة للاستعمال من دون حصول اي تلوث.
وتوضح مصادر في وزارة الطاقة ان المعامل القديمة يمكنها ان تعمل على الفيول الايراني عند الاتيان به، لكن من الاسلم ان يكون مطابقا للشروط والمواصفات المطلوبة.
ويمكن استبدال هذا الفيول مع دولة اخرى او عبر شركات على غرار التعامل مع الفيول العراقي، او اضافة مواد كيميائية الى كميات الهبة التي تخفض نسبة الكبريت والوصول الى الدرجة المقبولة.
وفي المعلومات ان الرئيس ميقاتي لا يعارض توجه وفد تقني من وزارة الطاقة الى طهران والاطلاع عن كثب على مواصفات الفيول. ويرحب بكل ما يساعد في زيادة ساعات التيار الكهربائي ما دامت هذه الهبة لا ترتب على لبنان اي مشكلات واي اعباء مالية. وعند رفع العقوبات عن طهران لا توجد اي عقبة في التعاون معها وكل الدول الصديقة بغية تأمين الكهرباء للمواطنين الذين لا يستحقون كل هذه المعاناة اليومية.
من جهته، لا يريد الجانب الايراني التعليق على هذا الموضوع او الخوض في اي ضجة إعلامية، وهو لا يزال على الموقف الذي أعلنه السفير أماني وغيره من الديبلوماسيين في بلاده بأن ما تطلبه طهران هو حضور وفد من وزارة الطاقة والوقوف بالفعل عند المواصفات الفنية التي تتطلبها معامل الكهرباء في لبنان ومعاينة الفيول على الارض، وان ايران الدولة النفطية المعروفة في العالم في هذا القطاع من السهل عليها ان تؤمن المواصفات المطلوبة لهذه المعامل مع استمرارها في ابداء حرصها على علاقاتها مع لبنان ومساعدة شعبه في قطاع الطاقة والمساهمة في تأمين الكهرباء لساعات أطول.
وفي خضم هذه المشكلات يبقى لبنان غارقا في بحر المواصفات غير المتوافرة حتى الآن، من النفطية الى الرئاسية.
النهار