بينما فتح عدد من المدارس الخاصة أبوابه لبدء السنة الدراسية الجديدة على رغم استمرار الجدل حول دولرة الأقساط، بقيت المدارس الرسمية مقفلة في ظل الإضراب الذي ينفذه اساتذة التعليم الأساسي والثانوي والمتعاقدين طلباً لتصحيح الاجور ودفع المساعدات الاجتماعية ورفع مساهمة بدلات النقل للتمكن من الوصول إلى المدرسة. وفي الوقت نفسه يواصل وزير التربية في حكومة تصريف الاعمال القاضي عباس الحلبي اتصالاته مع الجهات المانحة لتعزيز المنح المالية للمعلمين، وأيضاً تأمين هبات للجامعة اللبنانية ودفع المتأخرات المتراكمة عن العام الماضي، إضافة إلى لقاءات حكومية للإفراج عن المساعدات.
أرجأ الحلبي اعلان موعد فتح المدارس الرسمي للبدء بتسجيل التلامذة أقله حتى منتصف شهر أيلول الجاري، وهو يسعى وفق ما أوضح لـ”النهار” على تأمين الحد الادنى من المساعدات والمنح للاساتذة عبر الجهات المانحة وأيضاً من خلال المراسيم الحكومية عبر وزارة المال لكي يتمكن من الانطلاق بسنة دراسة سليمة لا يكون فيها التعطيل العنوان الأبرز وما يؤدي إليه من فاقد تعليمي، وهو لذلك يُصر على التعليم الحضوري، على الرغم من الصعوبات والأزمات التي يعاني منها التعليم الرسمي. ولذلك كان موقفه واضحاً في اجتماع المانحين من أن لبنان في حاجة ملحة للدعم من اجل إنقاذ السنة الدراسية، مشدداً على انه “في غياب الحوافز من الجهات المانحة لن يحضر الأساتذة إلى المدارس وبالتالي لا لزوم لكل البرامج الدولية، وإذا لم يتعلم التلامذة اللبنانيون في دوام قبل الظهر فلن يتعلم غير اللبنانيين في، لافتاً إلى أننا لن نقترض لكي نعلم غير اللبنانيين”.
وبينما يراهن الحلبي على الدعم وتسييل المنح والمساعدات، يتفهم واقع الأساتذة، لكنه يريد وفق قوله انقاذ الدراسة والتعليم الرسمي، فتأمين المساعدات لمواجهة الوضع المعيشي للمعلمين ليس على عاتق التربية وحدها إنما هي مسؤولية الجميع. لكن اللقاءات مع رابطات الأساسي والثانوي ومكوّنات التعليم الرسمي لم تخرج حتى الآن بنتائج إيجابية تعيد المعلمين إلى الصفوف وهو أمر قد يؤدي إلى تسرب كبير من المدارس الرسمية، علماً أنه أيضاً في التعليم الخاص لا تبدو الأمور مستقرة، مع عدم قدرة الاهالي على دفع الأقساط بالدولار، وبالتالي سيحدث تسرب كبير من القطاعين ويؤدي إلى كارثة إنسانية تطيح بالتعليم.
رفض الأساتذة العودة الى المدرسة الرسمية للبدء بتسجيل التلامذة كمرحلة أولى، والإبقاء على الإضراب إلى أن تتحقق المطالب. ولهذا الامر معنىً واعتبارات يتعلقان بصمود المدرسة الرسمية، إذ أن تسجيل التلامذة يبقي عملية التواصل قائمة مع نحو 320 ألف تلميذ وتلميذة في الرسمي ولا يؤدي إلى التسرب أقله في المدى المنظور. لكن الرابطات تعتبر أن الأمر غير وارد، فالأساتذة غير قادرين على الوصول إلى مدارسهم، وهناك مساعدات وحوافز لا تزال عالقة في وزارة المال ولدى المانحين منذ العام الماضي. ويرى مصدر في رابطات التعليم أن المقاطعة والضغط خياران وحيدان لتصحيح الرواتب وتأمين الطبابة والاستشفاء، وإن كان التعطيل الشامل له آثار سلبية وكارثية على التلامذة والمدرسة. الموقف أيضاً أعلنه كل من رابطة الثانوي على لسان رئيستها ملوك محرز، والأساسي عبر رئيسها حسين جواد، “فالأوضاع الراهنة لا تشي بتطورات تسمح بانطلاق السنة الدراسية، طالما لم تقر المساعدات ولم تقدم الدولة على تصحيح الرواتب”. ويشير المصدر إلى أن اللقاء الموسع الذي جرى مع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في حضور الحلبي قبل أسبوعين لم يفض إلى نتائج إيجابية، معتبراً أن كل ما اطلق خلال الاجتماع هم مجرد وعود. مع العلم أن الرابطات طالبت بمضاعفة الرواتب ثلاث مرات مع تعهد الحكومة بتأمين المحروقات للاساتذة، لكن ميقاتي تعهد بدفع نسب إذا توافرت الاموال لدى الخزينة. وعلى ذلك لا يبدو أن السنة الدراسية ستنطلق في الرسمي مع استمرار المقاطعة وغياب التسويات، فيما يبقى الرهان على تحرك وزير التربية نحو الجهات المانحة للحصول على مساعدات تغطي نسبة أساسية من مطالب الأساتذة.
في المقابل لا يبدو أن الأوضاع في #الجامعة اللبنانية أحسن حالاً، فالأزمة مستمرة مع الإضراب الذي ينفذه الاساتذة المتفرغون والمتعاقدون، والذي يتعرض لخروق في بعض الكليات. وبينما وقع وزير المال في حكومة تصريف الاعمال اعتماد الـ128 مليار ليرة من احتياطي الموازنة للجامعة لدفع المساعدات الاجتماعية، إلا أن الامور لا تسير باتجاه فك الإضراب رغم المحاولات العديدة التي تُبذل على صعيد رئاسة الجامعة لاطلاق السنة الجامعية وانهاء ما تبقى من استحقاقات متعلقة بالعام الماضي.
وبينما يسعى رئيس الجامعة بسام بدران بالعلاقة مع وزير التربية والتعليم العالي إلى تأمين مساعدات ومنح عبر الجهات المانحة، والحصول على تحويلات مالية من الحكومة تغطي المرحلة التي لم يحصل فيها الاساتذة على مساعدات كسائر موظفي القطاع العام، إضافة إلى رفع قيمة الموازنة، كان التطور الأبرز إصدار بدران تعميم حول استفادة أفراد الهيئة التعليمية من تعويض الانتاجية بنحو 350 ألف ليرة عن كل يوم حضور. وطلب من العمداء إبلاغ الهيئات التعليمية والعاملين ضرورة الحضور الفعلي إلى مراكز عملهم خلال شهري أيلول الجاري وتشرين الأول المقبل، لمدة ثلاثة أيام أسبوعياً على الأقل، تحت طائلة عدم الاستفادة من هذا التعويض. وبينما تُعتبر هذه الحوافز مدخلاً للعودة إلى الجامعة واستئناف التعليم، حيث أن عدداً من الكليات لم يُنجز امتحانات الدورة الثانية للفصول الجامعية عن العام الماضي، إلا أن رابطة المتفرغين لم تقرر بعد فك الإضراب، ولا يزال الإضراب المفتوح مستمراً رغم توقعات تشير إلى خرقه خصوصاً وأن العديد من الطلاب يريدون المغادرة لاستكمال الدراسة في الخارج، وعدد آخر يبحث عن إمكان انتقاله إلى جامعات خاصة.
قرار فك الإضراب يعود للهيئة العامة لاساتذة الجامعة، لكن أوضاع الطلاب لم تعد تحتمل وفي المقابل يريد الأساتذة تأمين الحد الادنى من قدرتهم على الوصول الى الكليات، فيما رئيس الجامعة يريد موازنة تلبي حاجات الكليات والمباني والصيانة والرواتب ليتمكن من اطلاق الدراسة الجامعية، علماً أن الـ50 مليون دولار من كلفة الـPCR من شركات الطيران لم تدفع للجامعة ولا تزال محجوزة وهو مبلغ يحل الكثير من مشاكلها.
ويرى مصدر في الرابطة أن المطلب الأساسي اليوم هو تأمين الحد الادنى من العيش الكريم للاساتذة ليتمكنوا من الوصول الى الجامعة، فيما الملفات الأخرى من التفرغ الى العمداء والمدربين والعقود مؤجلة الى حين تشكيل الحكومة، وبالتالي فك الإضراب لا يتم الا بعد الحصول على شيء ملموس وتحقيق الحد الادنى من المطالب للتمكن من الصمود. ويشير الى أن رابطة الاساتذة ورئيسها ملزمان بدعوة الهيئة العامة لاجتماع لتقرير مصير الإضراب.
ويتوقع المصدر في الرابطة أن يتم خرق الإضراب بعودة عدد كبير من الأساتذة المتعاقدين لإجراء الامتحانات والبدء بالدراسة. لكنه يحذر من أن المأزق مستمر والجامعة تعاني من اسوأ وضع في تاريخها.
النهار