فيما تغني السيدة فيروز “رجع ايلول”، سيغني اللبنانيون “خلص ايلول” من دون حروب ومواجهات، كما يروج كثيرون عبر المنابر.
حتى الكلام عن الخط 23 او الخط 29 وعن حقل قانا وحقل كاريش والخزانات الجوفية المتداخلة وغيرها من المواضيع المثيرة للجدل، صارت من الماضي، ويمكن ان يمسح عنها الغبار عند الحاجة السياسية لاعادة اثارة العصبيات لضرورات تتصل بتعقيدات ترافق التفاوض على ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل.
التفاوض قائم، والحلول ليست بعيدة، فاسرائيل قبل لبنان، تحتاج الى الانتهاء من هذا الملف الشائك، واذا كان التأجيل يمكن ان يطفو مع زيارة الوسيط الاميركي اموس هوكشتاين، الذي يصل اليوم الى بيروت من تل ابيب بعد باريس، فان الاسباب لا تتصل بلبنان، بل بالداخل الاسرائيلي المربك في مرحلة تسبق الانتخابات. وليس صحيحا القول ان اميركا واسرائيل لا تريدان اعطاء اي رصيد ايجابي للرئيس ميشال عون في نهاية عهده، لان حسابات الدول ومصالحها الحيوية، لا ترتبط بعون او بغيره من الافراد، ولا حتى بالبلدان الصغيرة التي لا تملك اوراق قوة للتفاوض وتحصيل الحقوق. قد يكون مفيدا للرئيس عون القول بانه انجز الترسيم في عهده، بعدما كان اعلن سابقا انطلاق التنقيب عن النفط والغاز، لكن الواقع ان عهده الملىء بالانكسارات، لا يعوضه حدث ولو بحجم الترسيم، ولا يمكنه ايضا ان يصرف هذا الرصيد. اما الامر الاخر، فهو ان اتمام الترسيم، يريح الرئيس الجديد، ايا يكن، من همّ العملية، اذ فيها تطبيع غير مباشر، كما تحمل كماً من التهم بالتنازل عن حقوق للبنان تصل الى او تتجاوز الخط 29، في حين ان الواقع يشير الى قبول بالحد الادنى من الحقوق. ثم ان تأخير الترسيم سيجعل كل مرشح رئاسي يوزع الوعود، وايضا العهود، بتحقيق هذا الانجاز، سعيا منه الى كسب الرضى الاميركي على عتبة انتخابات رئاسية.
بالامس، نقلت مصادر عن رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي انه يأمل في إتمام عملية الترسيم قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون. ولا صحّة لما يُشاع بأنّ السرايا الحكومية لا تريد التوصّل الى الاتفاق النفطيّ المنتظر، والانتهاء من ملفّ ترسيم الحدود البحرية في الجنوب مع إسرائيل. ويعتبر الرئيس ميقاتي ان الانتهاء من الترسيم مسألة مهمة بالنسبة إلى الاقتصاد اللبناني على طريقة ” افتح يا سمسم”، نظرًا الى الارتدادات الإيجابية التي يعكسها إيجابًا هذا الحقل على لبنان، ولاسيّما في الظروف التي يعانيها الشعب اللبناني.
واذ يبدي الرئيس ميقاتي اهتمامه بالترسيم، لكونه سيسجل له ايضا، فان المفارقة في الامر قوله ان “هذا الملفّ في السياسة عند رئيس الجمهورية وفي الاستراتيجية عند حزب الله”، ما يعني تحول الحكومة الى متفرج، او شاهد زور، ويعني ايضا ان المفاوض الحقيقي ربما صار نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب، لما يشكله من تقاطع ما بين عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، الواجهة الامامية لـ”حزب الله” في عملية التفاوض، ولعلاقته مع هوكشتاين ومن يمثل.
ونقل عن ميقاتي قوله ايضا انه “في حال دخول البلد في فراغ في الرئاسة الأولى يمكن لحكومة تصريف الأعمال إتمام هذا الملفّ، وأنّ التوقيع يكون في الناقورة بحسب تشديد برّي على هذا النقطة. ولا يتطلّب هذا الأمر أيّ توقيع من رئيس الجمهورية ولا من حكومة تصريف الأعمال”.
اذن، المفاوضات، ولو تأخرت قليلا، تمضي في الاتجاه الصحيح، وستنتظر الانتخابات الاسرائيلية.
النهار