بدأت الحرب السياسية تشتعل، في ظل معلومات عن طي كل الملفات، وتحديداً الحكومية، إلى دلالات تأجيل أو إلغاء زيارة الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية آموس هوكشتاين إلى بيروت، ما يشير الى أن هناك ظروفاً وأجواء إقليمية ودولية غير اعتيادية، دفعت به إلى الامتناع عن زيارة بلدٍ يعاني أزمات بالغة الدقة والأهمية. ولهذه الغاية، فإن بعض الجهات السياسية الفاعلة تبدي قلقها من تسلسل الأحداث والتطورات من تأجيل هوكشتاين لزيارته إلى لبنان، تزامناً مع قرب إجراء الإنتخابات التشريعية لـ «الكنيست الإسرائيلي»، وما يجري من مناورات من غور الأردن إلى الجولان، إضافة إلى تطورات العراق الأخيرة والضبابية المحيطة بالمفاوضات النووية في فيينا. فكل هذه العناوين، وربطاً بما يحصل في الداخل من تصعيد سياسي هو الأعنف منذ فترة طويلة، توحي بأن البلد مقبل على مرحلة جديدة في هذا الوقت الضائع ما بين التطورات الإقليمية والتهديدات «الإسرائيلية»، واقتراب الإستحقاق الرئاسي واستحالة تشكيل حكومة جديدة، إضافة إلى الإصطفافات والتحالفات السياسية، وإن كانت بداعي ما يستلزمه هذا الإستحقاق الرئاسي من مواجهات بدأت معالمها تظهر بوضوح.
وفي هذا الإطار، تسلّط الأضواء على رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي سيكون أحد أبرز نجوم المرحلة المقبلة بكل تجلّياتها السياسية والرئاسية، وفي ظل تصفية حساباته مع العهد و»التيار الوطني الحر»، وتناغمه مع الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي، ورئيس الحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط. فوفق المتابعين لما يجري اليوم، فإن الساحة الداخلية متّجهة إلى فراغ رئاسي إلى حين حصول إشكالات قد تكون كبيرة، وعندئذ تأتي التسوية لفضّ الإشتباك بين المكوّنات السياسية، والذي قد يكون حدثاً أمنياً، وبعدها تأتي الصيغة المشابهة لتسوية «الدوحة» لجمع الأطراف اللبنانية والتوافق على مرشّح رئاسي.
ويقول المتابعون ان سيناريو «الدوحة» قد يتكرّر، ولكن بجهود أكبر ورعاية دولية وإقليمية أشمل على اعتبار أن لبنان بلد مفلس، وأوضاعه المزرية بحاجة إلى تدخل دولي فاعل لإنقاذه وتجنّب الدخول في فوضى بفعل الأوضاع الإجتماعية الصعبة، في ضوء حديث الجهات السياسية في مجالسها إلى أكثر من طرح يجري التداول به، وهناك من يدعو إلى تشكيل حكومة إنتقالية تحضّر لانتخاب رئيس للجمهورية، والبعض يدعو إلى انتخاب قائد الجيش كرئيس للبلاد، مع إعلان حالة طوارئ إقتصادية واجتماعية ومالية، وصولاً إلى الصيغة التي قد تكون الأقرب إلى الحلّ والتوافق، والتي تقضي بعقد مؤتمر وطني برعاية دولية وعربية، وبعدها يتم انتخاب رئيس للجمهورية، وتشكل حكومة طوارئ إقتصادية إجتماعية، على أن يليها مؤتمر لدعم لبنان إقتصادياً ومالياً، على غرار مؤتمر «سيدر»، وفي المقابل يتم صرف أموال هذا المؤتمر التي رُصدت للبنان والمقدرة بـ 11 مليار دولار
وفي المحصلة، تعتبر هذه الجهات، أن هذه الطروحات والسيناريوهات هي رهن الظروف المؤاتية لحل الأزمة اللبنانية، في حال كان هناك ما يدفع العواصم العربية والغربية المعنية بشؤون وشجون البلد الى الإقدام على هذه الخطوات، لانه وحتى الساعة ليس ثمة ما يؤشّر إلى أن التسوية قريبة، نظراً للنزاعات القائمة في المنطقة وعلى المستوى الدولي، إلى إستحقاقات بعض الدول الإنتخابية، مما يبقي لبنان في هذا التوقيت رهينة لأي معطى إقليمي ودولي قد يحصل، ومن شأنه أن يؤدي إلى زعزعة الإستقرار وفلتان زمام الأمور من أيدي المعنيين، وحيث البلد أصلاً يمرّ بظروف هي الأخطر في تاريخه، مع تفكّك دولته ومؤسّساته بأشكال دراماتيكية.
المصدر : الديار