من محاولة فك الغاز كلام رئيس التيار الوطني جبران باسيل، وتحليل طبيعة الفوضى الدستورية التي بشر بها، في حال اصر البعض على تسليم حكومة تصريف الاعمال «مقاليد» سلطة رئيس الجمهورية في حال الفراغ، محذرا من محاولات البعض فرض رئيس على المسيحيين، وصولا الى كلام سيد بكركي الذي لا يختلف كثيرا في رفضه لهكذا فرض، ثمة شيئا ما يجري في الكواليس يبدو اعقد وابعد من مسألة انتخاب رئيس جديد.
مصادر سياسية مواكبة فترة قيام اتفاق الطائف، رأت في تهديد باسيل في حال تنفيذه، اعلانا لوفاة النظام السياسي الحالي الذي قام على مبادئ وثيقة الوفاق الوطني، سواء بقي الرئيس عون في القصر الجمهوري ام عمد الى تشكيل حكومة جديدة برئاسة مسيحي كما جرى تسريب المعلومات، وهو ما يعني عمليا الذهاب الى فوضى، تمهيدا لقيام صيغة تقاسم جديدة للحكم والسلطة، وفقا لتوازنات سيفرضها الامر الواقع القائم.
واشارت المصادر الى ان الواقع المسيحي الحالي في ظل «الاحباط الشعبي» والظروف الصعبة، فضلا عن انقسام هذا الشارع والمخاوف من تحول الاختلاف السياسي الى صدام دموي نسبة للتجارب السابقة، سيجعل من المسيحيين غير جالسين الى الطاولة، وسيحوّل الصراع عندها الى سني – شيعي لاعادة توزيع الحصص، بعدما سبق للمسيحيين ان خسروا ما خسروه في الطائف.
وتتابع المصادر بان الظروف الراهنة لا تسمح بهكذا امر، فلا الثنائي الشيعي مستعد للدخول في مواجهة، ولا القاعدة السنية جاهزة بعد النكسات التي اصيبت بها «الحريرية السياسية»، لذلك كانت مواقف السفير السعودي في بيروت خلال الساعات الماضية، والتي جاءت كرد واضح على كلام باسيل، محذرا من المس بالطائف.
بطبيعة الحال، هو موقف حزب الله ايضا، الذي سبق ان اشار اليه امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله اكثر من مرة، من ان لا مؤتمر تأسيسي ولا تغيير للنظام، انما تطبيق لاتفاق الطائف الذي لا يزال صالحا، وفقا للمصادر. فهل اخطأ باسيل في التوقيت ام هو مجرد تهديد «لتعلية السقف ورفع المهر»؟
تسارع المصادر الى التأكيد ان رئيس التيار الوطني الحر ابلغ جهة غربية بمواقفه التي سيطلقها، والذي على ما يبدو تفاعل في دوائر القرار الخارجي فكان ردان: الاول، عبر تسريب الايليزيه عن عزم اوروبا فرض عقوبات على شخصيات لبنانية، عقب عودة السفيرة في بيروت من باريس، وعرضها لوجهة نظرها التشاؤمية، وثانيا البيان الرسمي الصادر عن الخارجية الاميركية، وهو الاول من نوعه، والذي حمل في طياته تحذيرا للقيادات والمسؤولين اللبنانيين بضرورة اتمام الاستحقاقات الانتخابية في موعدها، ما يذكر بما سبق الانتخابات النيابية من تحذيرات دولية.
مشهد قد تشكل جزءا من صورته، الحركة التي سيشهدها دار الفتوى، بدفع عربي بالواسطة، حيث ستكون «الكلمة – المفتاح» في البيان الذي سيصدر عن اللقاء النيابي هي «الدستور»، وضرورة الانطلاق منه لانتخاب رئيس للجمهورية سريعا ولتسريع التشكيل، بعيدا من اي فذلكات او اجتهادات، الغرضُ منها عرقلة الاستحقاقات، حيث علم ان البيان قد صيغ وبات جاهزا للعرض والمناقشة مع النواب الحاضرين.
وبحسب اوساط متابعة، فان دار الفتوى ابلغت بكركي عبر قنواتها، بان مساعيها لا تهدف ابدا الى فرض رئيس على المسيحيين، بل الى اتمام الاستحقاق في موعده كمدخل لحماية الدستور واتفاق الطائف، لتجنيب البلاد كل محاولات فرض فراغ غايته فرض نظام جديد والاطاحة بالدستور القائم.
ورأت الاوساط ان مبادرة الدار شكلا ومضمونا، تحظى برعاية سعودية – مصرية، وهو ما تظهره تغريدة السفير البخاري وتصريح السفير علوي، اللذان ركزا على الدستور والطائف، حيث يبدو واضحا العزم على تسليم القيادة السياسة للسنّة راهنا الى دار الفتوى، بما هو ابعد من الاستحقاقاتِ السياسية المحلية، ليصل الى حدود تشكيل جبهة وطنية للدفاع عن «الطائف» وحمايته.
الديار