هل ثمّة مسار جدّي أو إيجابي فعلاً في ملف ترسيم الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية وتالياً بدء لبنان بعمليات الاستكشاف والتنقيب؟ ماذا حمل الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى لبنان من طروحات؟ وهل زيارته حاسمة أو نهائية، وماذا عن نتائج مباحثاته مع شركة توتال الفرنسية؟ الى هذه الأسئلة ثمة تساؤلات عمّا طلبه من المسؤولين اللبنانيين للإجابة عنه في أقرب فرصة، لاستكمال المفاوضات ووضع الإطار العام للاتفاق الذي يُفترض إنهاء تفاصيله بالعودة إلى جلسات التفاوض غير المباشرة، في الناقورة.
في هذا الإطار، أعرب خبير اقتصاديات النفط والغاز فادي جواد عن اعتقاده بأن ثمة ألغاماً زُرعت فجأة في طروحات هوكشتاين القادم من تل أبيب عبر طرح تنازل لبنان عن النقطة B1 لأسباب أمنية خاصة بإسرائيل. فهذه النقطة المشرفة على الأراضي الإسرائيلية تكشف مرفأ حيفا بالعين، وهو موضوع أمني بالنسبة لإسرائيل لا يمكن التراجع عنه، بالإضافة الى طلب تراجع لبنان 500 متر عن نقطة رأس الناقورة، عدا عن طرح موضوع العوامات المائية الإسرائيلية. كل هذه الطروحات وضعها جواد في إطار التمييع ومحاولة التأجيل بناءً على رغبة الحكومة الإسرائيلية لغايات داخلية سياسية.
“طرح هذه النقاط فجأة اليوم بعد عامين من جلسات التفاوض، ما هو إلا عرقلة مقصودة من الجانب الإسرائيلي وبمباركة الوسيط الأميركي وتالياً وضع العصي في الدواليب وإيجاد معطيات وحجج جديدة بوجه الطرف اللبناني شفهياً لخلق فجوة في الإطار الزمني للوصول الى اتفاق وسدّ الطريق أمام أيّ تهديد عسكري لمنصّاتها بحجّة استمرار المفاوضات مع لبنان”، وفق جواد الذي يرى أن زيارة هوكشتاين الأخيرة لبيروت، هي “من أخطر الزيارات التي قام بها طوال مدّة تسلّمه للملفّ برأي جواد لما تحمله من طروحات”، مذكراً في هذا الإطار “بالفخ الإسرائيلي الذي وضعه الإسرائيليون للمصريين في مفاوضات طابا، التي أدّت بسبب تنازل بسيط في عدد من الأمتار في البر الى خسارة مصر نحو 40,000 كلم مربع في البحر أي نحو 4 أضعاف مساحة لبنان، وتالياً وارتكازاً على ما حصل يجب إعادة الوفد التقني والفنّي فوراً للعمل للوقوف بوجه “الهرطقة” الإسرائيلية في طرح إحداثيات جديدة”، داعياً الى العودة الى حدود اتفاقية بولييه-نيوكمب التي وُقعت عام 1923 وحدّدت النقاط في رأس الناقورة، والانطلاق منها في التفاوض، بما يمكّن لبنان من الحصول على أكثر من 5000 كلم على نحو يضم “كاريش” و”تيتان” و”تمار” إلى منطقته الاقتصادية الخالصة، مؤكداً “قدرة لبنان على العودة الى الخرائط العثمانية والإنكليزية والفرنسية وقلب الطاولة بإحداثيات تنقل الترسيم الى مكان آخر لا ترغب فيه إسرائيل”.
ومع إعلان شركة إنرجيان أول من أمس في بيان صدر عبر بورصة لندن المدرجة فيها أن الشحنة الأولى من الغاز سوف تصدّر من حقل كاريش في 30 أيلول الجاري، اعتبر جواد هذا الإعلان “دليلاً موثقاً على أن سفينة الإنتاج والتخزين “إنرجيان باور” تقوم حالياً بالسحب والتخزين على متنها أو الى شاطئ در الإسرائيلي حيث توجد المنشأة النفطية الإسرائيلية”، موضحاً أن “من غير المعقول أن تحدّد تاريخ التصدير من دون إجراءات مسبقة للتخزين والمعالجة تحت ظل بيان صادر عبر بورصة عالمية، إذ من المعروف في أسواق المال العالمية أنّه يُمنع على أي شركة إصدار بيانات تؤثر سلباً أو إيجاباً على أسعار أسهمها بمعلومات كاذبة أو مضللة تؤثر على توجّه المستثمرين والمتداولين في حصول خسارة أو ربح بما يعتبر مخالفة جسيمة وتالياً يعرّضها للايقاف عن التداول”.
أما التنازل عن النقطة B1 أو أي نقطة برية أخرى، فسوف يهدّد وجود لبنان بجغرافيته الحالية ويفتح المجال لإسرائيل مستقبلاً بناءً على هذا التعديل أو التنازل باللجوء الى التحكيم الدولي لقضم المزيد من المساحات البحرية والبرية، لذا المطلوب برأي جواد “وقوف فريق علمي تقني فني بوجه هذه الطروحات وإخراجها من البازار السياسي والتسويات التي سوف تحصل على حساب ثروات لبنان”.
وبانسحاب الشركة الروسية نوفاتك من كونسورتيوم شركات التنقيب واستخراج النفط الذي يضمّها الى جانب “توتال” الفرنسية، و”آيني” الايطالية، أكد جواد أن الكونسورتيوم لن يستطيع مباشرة الحفر، إذ إن قانون التعاقد يشترط وجود 3 شركات، وتالياً سوف نذهب الى إعادة طرح استدراج دولية لإدخال شركة على مستوى الشركات الموجودة حالياً، داعياً في الوقت عينه الى قطع الطريق على إدخال إحدى الشركات اللبنانية التي أنشئت في سنغافورة برأس مال 1000 دولار منعاً لتكرار سيناريو فضيحة “سوناطراك” الجزائرية التي بدّلت في العقد لتصبح “سوناطراك” الجزر العذراء !
ورأى جواد انسحاب “نوفاتك” الروسية من الكونسورتيوم اللبناني لاستكشاف واستخراج النفط من البلوكين 4 و9 ما هو إلا “انسحاب تكتيكي لقطع الطريق على الأميركيين الذين كانوا ينوون وضع فيتو على الحفر في البلوكات اللبنانية لوجود شركة روسية ضمنها تحت ظل العقوبات. ومن مقلب آخر يقول جواد إن الانسحاب الروسي يمكن أن يكون أيضاً تكتيكياً من جهة تأخير أي استكشافات غازية في أي منطقة تكون مصدراً آخر لاوروبا تعتمد عليه بدل الغاز الروسي”.
ويعرب جواد عن قلقه من أن تسعى شركتا “توتال” و”إيني” لفضّ الكونسورتيوم من أجل تأخير لبنان ٣ سنوات إضافية وذلك ضمن مخطط تجفيف لبنان من المكاسب الاقتصادية لإكمال سيناريو الفوضى الاقتصادية التي بدأها دايفيد شينكر عبر مخططه الشهير من “تدمير” الليرة اللبنانية مروراً بالخراب الاقتصادي والمصرفي وصولاً الى انهيار المؤسسات الرسمية وختاماً بالأمن، وهذا ما وصلنا إليه اليوم وأحد مؤشراته تصريح اللواء عباس إبراهيم أمس الذي حذر من أن أخطاراً هائلة دخلنا فيها أمنياً! وبالتالي لن يسمح الأميركيون بأيّ مكسب اقتصادي يفسد ما عملوا عليه ونفّذوه في السنوات الـ4 الماضية !
وبالنسبة الى زيارة هوكشتاين لفرنسا واجتماعه مع “توتال” والتلميح الى تعويض الشركة لإسرائيل في حال إعطاء حقل قانا للبنان عبر تعرّج في البلوك رقم 8 اللبناني عبر البلوك 72 الإسرائيلي، حذر جواد من “خطورة تحويل حقل قانا الى حقل مشترك من خلال إعطاء إسرائيل حصّة من أرباح توتال من الحقل على نحو قد يتحول الى “عرف” مستقبلاً تعتمد فيه إسرائيل بالتفاوض مع أيّ شركة ستلزم البلوكين 8 و9 اللبنانيين. من هنا يجب إرسال وفد الى فرنسا للبحث مع “توتال” في هذا الاتفاق، ووضع شروط ملزمة بعدم وجود دولة ثانية أو نوع من “الخوات” على الحقول الحدودية، على أن يبقى تحديد كيفية إدارة الحقول المتداخلة والمشتركة بيد الدولة اللبنانية لا بيد الشركات النفطية العالمية، حتى لا نتحوّل الى أفريقيا أخرى بضياع الثروات”، داعياً الى عدم التلاعب بالشكل حتى لا يصبح حقل قانا والحقول المستقبلية لبنانية الاسم لكن ثرواتها مشتركة !
النهار