لم يُعقد أمس اجتماع للمجلس المركزي في مصرف لبنان على وقع استمرار إضراب القطاع المصرفي وتمديد الإضراب بانتظار أن تبصر النور الخطة الامنية التي تعمل عليها وزارة الداخلية لحماية فروع المصارف.
الاجتماع الاخير للمجلس المركزي الذي عُقد الاسبوع الفائت خُصّص جزء كبير منه لبحث ملف أساسي يتعلق بمستحقات مستوردي الاغذية والشركات المستوردة للأدوية بعدما حمل المدير العام لوزارة الاقتصاد والتجارة الدكتور محمد أبو حيدر موقف نقابة مستوردي الاغذية والشركات المستوردة للأدوية من قرار حاكم مصرف لبنان وضع آلية جديدة لتسديد هذه المستحقات تقوم على إقتطاع جزء كبير منها وتسديد ما بقي بالدولار النقدي على عدة أشهر.
وفي التفاصيل، علمت “النهار” أن سلامة كان قد طلب من أبو حيدر، لكونه عضواً في المجلس المركزي لمصرف لبنان، بحث الآلية التي سيعتمدها لتسديد المستحقات مع النقابات والجهات المعنية، حيث يلحظ قرار مصرف لبنان شطب 60% من مستحقات هذه الشركات على مصرف لبنان وهي أموال تعود الى فواتير قدّمتها الشركات الى المركزي للاستفادة من آلية الدعم بين عامي 2020 و2021، ليسدد مصرف لبنان فقط 40% من قيمة الفواتير المتراكمة بالدولار “الفريش” على فترة تمتد بين 6 أشهر و12 شهراً، وهو ما ترفضه قطعاً نقابة مستوردي الاغذية والشركات المستوردة للأدوية حيث تعتبر هذه الخطوة بمثابة رصاصة تطيح رساميل الشركات وتحمل تبعات كارثية بالنسبة للتعامل مع الموردين في الخارج الذين لم يحصل جزء كبير منهم على مستحقاته حتى الساعة.
وقد علمت “النهار” أن المستحقات التي يشملها اقتراح سلامة تعود الى فواتير تقدّم بها مستوردو المواد الغذائية والاستهلاكية ومستوردو المواشي ضمن ملفات الاستفادة من الدعم في مرحلة كان فيها سعر صرف دولار السوق السوداء عند 12 ألف ليرة، وتصل قيمة الفواتير العائدة الى المواد الغذائية والمواشي التي ستخضع لـ”هيركات” الى ما يقارب 65 مليون دولار. أما بالنسبة للفواتير التي تعود الى مستوردي الادوية، فالفواتير التي سيلحقها “الهيركات” تصل قيمتها الى 100 مليون دولار تقريباً. الفواتير المستهدفة بإجراء مصرف لبنان تعود لأدوية استوردتها الشركات في النصف الاول من عام 2021 وتم بيعها خلال هذه الفترة ولم يغطّ مصرف لبنان دعمها حينها، وفي شهر آب من عام 2021، قررت وزارة الصحة رفع الدعم عن هذه الادوية وأرسلت لائحة بالادوية وأسمائها الى مصرف لبنان يبلغه بالتوقف عن دعم هذه الادوية ما دفع بمصرف لبنان لتوقيف صرف أي أموال لتغطية الفواتير العائدة لهذه الادوية حتى يومنا هذا، رغم أن الشركات التي استوردتها باعتها خلال تلك الفترة بالسعر المدعوم دون أن تُحصّل فواتيرها من مصرف لبنان.
في هذا السياق، يشير نقيب مستوردي الادوية في لبنان كريم جبارة الى أنهم كنقابة تبلغوا بتفاصيل الخطة التي ينوي مصرف لبنان اتخاذها وهي خطوة يمكن وصفها بالمتسرعة وتحمل تداعيات كبيرة وسلبية على القطاع والشركات المستوردة. فلا يمكن القبول باقتطاع عشوائي لهذه المستحقات، مع قرار مصرف لبنان تطبيق قرار رفض دعم أدوية رُفع عنها الدعم بمفعول رجعي أي بعدما باعت الشركات هذه الادوية على أنها مدعومة في الاسواق، ويضيف جعارة أن بعض الشركات العالمية الكبرى الموردة للأدوية الى لبنان التي لم تُسدد الشركات اللبنانية بعد مستحقاتها، قد تتخذ إجراءات مضادة حتى اتخاذ قرار بوقف توريد العديد من الادوية الى لبنان نتيجة اقتطاع جزء من أموالها، فيما لا قدرة بحسب جعارة للشركات على تسديد ثمن هذه الادوية التي تم استيرادها وبيعها بالسعر المدعوم قبل قرار رفع الدعم عنها، في الوقت الذي تصل فيه المستحقات الاجمالية لشركات الادوية التي لم يسددها مصرف لبنان حتى الساعة الى ما يقارب 400 مليون دولار.
خطوة سلامة تطال مستحقات لشركات مستوردة للأغذية ويعود تاريخ فواتيرها الى عام 2020 حيث يعتبر نقيب مستوري المواد الغذائية هاني بحصلي أن الآلية التي اعتُمدت يومها لاستفادة المستوردين من هذا الدعم يمكن وصفها بالـ”مضبوطة” رافضاً تعميم فكرة أن كل التجار والمستوردين سرقوا أموال الدعم. فالآلية التي اعتمدت يومها تقوم على تقديم التجار طلبات الى وزارة الاقتصاد ترفع بعدها الى مصرف لبنان للموافقة ليقوم بعدها المركزي بتحويل الاموال الى الموردين في الخارج بعد عملية تدقيق مفصلة.
بحسب بحصلي، تراكمت فواتير تقدَّر قيمتها بين 150 مليوندولار الى 200 مليون بالنسبة للمواد الغذائية وتشمل الشركات المستوردة الاغذية (35 مليون دولار) وتجار المواشي وتجار الحبوب وغيرهم. استمرت المفاوضات لأشهر طويلة بين مصرف لبنان ووزير الاقتصاد السابق راوول نعمة ونقابة مستوردي الاغذية في عام 2021، ويومها أقر حاكم مصرف لبنان بعدم قدرة البنك المركزي على تسديد الفواتير المستحقة بالدولار النقدي. وبحسب بحصلي، كان اتفاق على تسوية رضي بها الجميع تقوم على تسديد مصرف لبنان 40% من المستحقات دفعة واحدة على أن يُقسّط الجزء الباقي على 12 دفعة بنسبة 5% لكل دفعة من القيمة الباقية على سعر صرف السوق بالليرة اللبنانية ليعود سلامة ويصر على اعتماد سعر منصة صيرفة، على أن تُسدّد المستحقات المقسطة بموجب شيكات لا نقداً، وبالتالي يومها وعد سلامة بحسب بحصلي بتسديد المبالغ كاملة ضمن آلية مقسطة. التسوية التي تم التوصل إليها يومها اشترط مصرف لبنان لتطبيقها أن يقدم كل تاجر تقريراً محاسبياً مدققاً من قبل مدققي حسابات توافق عليهم وزارة الاقتصاد، لتستفيد في ما بعد بعض الشركات من هذه الآلية حيث كان بدء مصرف لبنان التسديد ضمن الآلية الجديدة للمستوردين.
مطلع عام 2022 ومع إصدار مصرف لبنان التعميم 161 توقف المركزي عن تسديد أي من المستحقات لمستوردي الاغذية ورغم كل المساعي لم تصل المشاورات الى نتائج إيجابية بحسب بحصلي ليعود المستوردون ويطالبوا المركزي منذ أسابيع بإعادة تحريك ملف المستحقات لإيجاد حل منصف حيث تعتبر مصادر مصرف لبنان أن العديد من التجار استفادوا بطريق غير قانونية من الدعم وحتى إن المصارف تصف بعض التجار بـ”ناهبي” الدعم. في الايام الماضية، تبلغ المستوردون أن مصرف لبنان سيسدّد مستحقات ملفات الدعم السابقة التي لم تُسدَّد على منصة صيرفة، على 6 دفعة بالليرة اللبنانية على سعر صرف 12 ألف ليرة للدولار، ويعود نقيب مستوردي الاغذية ليعترض على هذا القرار. وفي الايام الماضية إجتمع المستوردون مع نائب حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري لبحث هذا القرار ونقل موقف التجار والمستوردين الى المجلس المركزي في مصرف لبنان، ورغم ذلك أصر حاكم مصرف لبنان على خطوة الهيركات على المستحقات بنسبة 60% وتسديد 40% من المستحقات بالدولار النقدي على 6 دفعات.
النهار