بحسب صحيفة “الأخبار”، فإنه لم تُقدّم الكلمة التي ألقاها مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في اللقاء الموسع للنواب السنة الـ24 في دار الفتوى، أي جديد. والأمر نفسه ينطبق على لقاء النواب في دارة السفير السعودي. في عائشة بكار تماماً كما في اليرزة لم يتطرق المجتمعون إلى مسألة محددة، لتكون صور اللقاءين هي الأهم. خلاصة الاجتماعين تقديم النواب السنة كورقة ضغط سعودية إلى الغرب وإنهاء الحريرية السياسية بتعيين دريان وريثاً شرعياً
ومهما يكن من أمر، فإن السعوديّة التي دفنت الحريرية السياسيّة تبحث عن بديل عنها. هي لم «تعتنق» التعددية السنيّة بل تبحث عن بديلٍ واحد يحل مكان الحريري ويقوم بدوره؛
وتُحاول السعودية تثبيت قدمي دريان كمرجعيّة سياسيّة. والدليل على ذلك هو مسودّة البيان الذي كان من المفترض أن يوزّع على الإعلام: «عقد اللقاء برئاسة مفتي الجمهورية»، مما استدعى رداً من بعض النواب الموجودين ولا سيّما النائب جهاد الصمد الذي أكد أنه لا يقبل بهذه الصيغة فتم تغييرها.
هذه المرجعيّة تريدها السعوديّة طيّعة بين يديها، خصوصاً أن المتابعين يؤكّدون أن شخصيّة دريان ليست مؤهلة للقيام بهذا الدور، بالإضافة إلى أنّ البطريركية المارونية تختلف كلياً عن دار الإفتاء التي لا تمتلك فعلياً مؤسسات سياسية ولم تلعب يوماً دوراً وطنياً ضخماً مثلما فعل البطاركة الموارنة على مر التاريخ السياسي.
فعلياً، لا تريد السعودية قيادة سياسية حقيقيّة، بل «تقريش» اللقاء خارجياً ومحاولة وضعه في سياق اللقاءات السعودية مع الأميركيين والفرنسيين والتي كان آخرها اللقاء الثلاثي في نيويورك. تعتقد السعودية أن اجتماع النواب السنّة وعلاقتها مع سمير جعجع يجعلان منها على الأرض شريكاً للأميركيين والفرنسيين في إنتاج التسويات وحتى اختيار الرئيس الجديد، أو أقلّه أنها تملك «عدّة الشغل» لإمكانيّة تعطيل أي تسوية.
بالنسبة إلى اللقاء الحواري الذي دار بين النواب السنّة والسفير بخاري الذي استضافهم إلى مائدته في حضور المفتي دريان، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية أنه شكّل فرصة للنواب لتبيان هواجسهم وقلقهم حيال الأزمات الكارثية التي لا تزال تحاصر بلدهم، كما يقول نائب «اللقاء الديمقراطي» بلال عبد الله، مع تركيزهم على الثوابت الوطنية الكبرى وضرورة تضافر الجهود على كل المستويات لإخراج اللبنانيين من التأزُّم وطمأنتهم على مستقبلهم، إضافة إلى تحصين اتفاق الطائف الذي يتعرّض إلى تجاوزات يراد منها الانقلاب عليه، تارة بتغيير الدستور الذي أنتجه الطائف وتارة باستبدال نظام جديد به.
وكشفت المصادر النيابية أن بخاري استمع إلى هواجس النواب ومخاوفهم وتوقّف أمام عتب البعض على السعودية، ما اضطره للدخول في شرح مفصّل ومستفيض للعلاقات اللبنانية – السعودية، أكد فيه أن السعودية لم تتخلّ يوماً عن دعمها للبنان ووقوفها إلى جانبه في أحلك الظروف التي مر ويمر بها، شرط ألا يتخلى لبنان عن نفسه، و«نحن في السعودية لن نبخل عن تقديم المساعدات للشعب اللبناني، وبات عليه القيام بالإصلاحات المطلوبة لتجاوز أزماته لأن عليه أن يساعد نفسه أولاً لنقدّم له المساعدات، وهذا ما يطالب به المجتمع الدولي ويلحّ عليه».
وفي هذا السياق، نقلت مصادر نيابية عن السفير بخاري قوله إن السعودية كانت أوفدت بعثة من أهل الاختصاص إلى لبنان تحضيراً لاجتماع اللجنة اللبنانية – السعودية المشتركة في الرياض وعلى جدول أعمالها التوقيع على 22 اتفاقية لا يراد منها إنقاذ لبنان فحسب، وإنما وضعه على سكة الدول المتطوّرة، وكان ذلك عام 2016، لكن المماطلة والتسويف حالا دون التحضير كما يجب لهذه الاتفاقيات للتوقيع عليها بين البلدين لتصبح نافذة.
وتطرّق بخاري إلى موقف السعودية من الوضع الداخلي في لبنان، ونقلت عنه المصادر النيابية قوله إن لدى السعودية في تعاطيها مع الدول استراتيجية واحدة لا تحيد عنها، وتقوم على عدم التدخّل في الشؤون الداخلية لأي بلد، و«هذا ما ينطبق بالدرجة الأولى على سياستنا حيال لبنان، وأن كل ما يهمّنا استقراره وأمنه وسيادته، ونحن لا نتدخل في التفاصيل ونأمل في أن يُنتخب رئيس جمهورية جديد في موعده الدستوري».
واعتبر أن انتخاب الرئيس شأن داخلي، وأن هناك ضرورة، بحسب المصادر النيابية، لاحترام الاستحقاقات الدستورية، وأن يكون الرئيس الجديد جامعاً للبنانيين، وأن يتمتع بالمواصفات التي تتيح التعاون لإنقاذ بلده. وقال إن «لبنان من البلدان الشقيقة العزيزة علينا ونحن نعمل على تأمين مظلة عربية ودولية لتوفير الحماية له، ولتكون بمثابة شبكة أمان سياسية تعبّد له الطريق للخروج من أزماته».
دار الفتوى: لإقفال الثغرة السياسية التي تركها غياب “المستقبل”؟
قالت مصادر المعارضة لـ”الجمهورية”، انّ لقاء دار الفتوى “إذا كان خطوة في اتجاه محاولة توحيد الصف السنّي والموقف من الانتخابات الرئاسية تمهيدًا لانتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية، فإنّ الهدف من تأليف حكومة جديدة قد يكون ترحيل هذا الانتخاب إلى ظروف سياسية لاحقة تعزِّز أوراق الفريق الذي لا يرى انّ حظوظه مؤمّنة اليوم”.
وأضافت هذه المصادر، انّه “بمعزل عن الاستحقاق الرئاسي الذي شكّل أحد دوافع الدعوة إلى لقاء دار الفتوى، فإنّ أهمية هذا اللقاء تكمن في الآتي:
أولًا، الخطوة الأولى لإعادة لمّ شمل الصف السنّي بعد اعتكاف الرئيس سعد الحريري وإخراج تيار «المستقبل» نفسه من الندوة النيابية. هذا الاعتكاف الذي ولّد إحباطًا وأدّى إلى إضعاف الموقف الوطني السنّي، وبالتالي تأتي هذه الدعوة بغية إقفال الثغرة السياسية التي تركها غياب «المستقبل».
ثانيًا، نجح المفتي دريان في إعادة الوزن إلى الموقف الوطني السنّي انطلاقًا من مبدأ انّه «في الوحدة قوة»، وذكّر بخطوته بشكل أو بآخر بالبطريرك مار نصرالله بطرس صفير، الذي جمع المسيحيين المعارضين في زمن الإحباط المسيحي وسعيًا لوحدة تُنهي هذا الإحباط وتقود إلى تحقيق الأهداف المنشودة.
ثالثًا، لن يكون هذا اللقاء يتيماً أو عابراً، إنما هو خطوة تأسيسية للمستقبل، ولا عودة إلى ما قبل لقاء دار الفتوى الذي تحوّل معطى جديداً في الحياة السياسية، إذ قد يبادر المفتي إلى عقد اي لقاء ثانٍ عندما يجد انّ المصلحة الوطنية تستدعي ذلك، وبالتالي ما بعد هذا اللقاء سيكون غير ما قبله.
رابعًا، أسقط لقاء دار الفتوى رهان البعض على أخذ النواب السنّة «بالمفرّق»، كذلك أسقط الرهان على استمرار الوهن في الموقف السنّي، ويسجّل للدار نجاحها خلال أشهر قليلة بعد الانتخابات النيابية في إعادة توحيد الصف السنّي.
خامسًا، لا يمكن إغفال طبعًا الدور السعودي المساعد في انعقاد لقاء دار الفتوى، وكان السفير السعودي قد افتتح لقاءاته الأسبوع الماضي من دارة رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، واستكملها مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وتوّجها بلقاء النواب السنّة في دارته إثر انتهاء لقاء دار الفتوى.
سادسًا، يتكامل البيان الصادر عن اللقاء مع الثوابت التي تتحدث عنها المكونات المعارضة، ومع البيان الصادر عن واشنطن وباريس والرياض، وذلك لجهة التشديد على «اتفاق الطائف» وضرورة تطبيق مندرجاته تحقيقًا للمساواة بين اللبنانيين، ما يؤشر إلى دفع سعودي على نار هادئة في اتجاه إعادة لبنان إلى الحاضنة العربية.
سابعًا، دخل المكون السنّي بقوة إلى الانتخابات الرئاسية، ولا شك في انّ هذا المعطى سيدفع فريق الموالاة تحديدًا إلى إعادة النظر في حساباته.
Leb Today