بعد انتظار دام لأكثر من 8 أشهر، أُقرّ قانون الموازنة العامة لعام 2022. وبعيدا عن القراءة النقدية لمجمل الموازنة وشوائبها الكثيرة، فإنّ أبرز ما تضمّنته زيادة رواتب موظفي القطاع العام المدنيين والعسكريين والمتقاعدين والمتعاقدين وجميع الأجراء في الدولة بمقدار ثلاثة أضعاف، على أن لا تقل الزيادة عن 5 ملايين ليرة لبنانية ولا تزيد عن 12 مليون ليرة.
زيادات لم تأت على قدر التوقعات، لا من ناحية قيمتها الماديّة لاحتسابها وفق سعر 4500 ليرة للدولار و 15 ألف ليرة تسعيرة الدولار الجمركي، أو لناحية مدّتها المحدودة لتدخل كما سابقاتها من زيادات في خانة الحلول المؤقتة والترقيعية.
الأسمر: الحدّ الأدنى للأجور يجب أن يبلغ ما بين 15 و20مليونا
شرح رئيس الإتحاد العمالي العام بشارة الأسمر لـ”الديار” بأنّ الزيادات التي طرأت على رواتب موظفي القطاع العام تتضمن إعطاء راتبين فوق أساس الراتب الحالي من دون الملحقات لمدّة 3 أشهر، ويشمل موظفي القطاع العام والمؤسسات العامة والضمان الإجتماعي والبلديات، معتبرا أنّ هذا الأمر لا يفي الموظف حقه لأنّ الغلاء فاحش، كما أنّ هذه الأمور كانت تدرس وفق دولار 26 -27 ألف ليرة فيما يلامس الدولار اليوم 40 ألف ليرة، لافتا أنّ الحدّ الأدنى للأجور يجب أن يبلغ ما بين 15 و20 مليون ليرة في القطاعين العام والخاص، بناء على دراسات علمية مستمرة يجريها الإتحاد العمالي العام تزامنا مع تطور سعر صرف الدولار.
وحول ما أعطي في قانون الموازنة، لفت الأسمر الى أنّه نتيجة تواصل الإتحاد العمالي المستمر مع المعنيين، والذي أدّى سابقا إلى إعطاء شهر أساس راتب مقابل كلّ شهر، والحضور التحفيزي البالغ ما بين 150 – 350 ألف ليرة، لمدة شهرين(آب وأيلول)، واليوم استكملنا الأشهر الثلاثة الباقية، وأصبح يتقاضى موظف القطاع العام والمصالح المستقلة والمؤسسات العامة والبلديات والمستشفيات الحكومية 3 أشهر في شهر واحد، معتبرا في المقابل أنّ هذه الزيادات تبقى دون المطلوب، متبنّيا مبدأ “خذ وطالب”، وضرورة تعديل بدل النقل ليصبح 125 ألف ليرة، وكذلك تعرفات الطبابة والإستشفاء في تعاونية موظفي الدولة، وضرورة الإستمرار بالضغط حتى تدخل المساعدات الإجتماعية في صلب الراتب والتعويضات، كاشفا عن وعود تلقّاها بدرس تطوير الأجور، وتعديلات على سلسلة الرتب والرواتب.
وعن واقع الحدّ الأدنى للأجور في القطاع الخاص، رأى الأسمر أنّه يجب أن يكون بحدود 20 مليون ليرة، علما أنّ الأجر يتطور في هذا القطاع، بحيث يدخل غلاء المعيشة مباشرة في صلب الراتب كمبلغ 1325000 ليرة، وزيادة 600 ألف ليرة التي تأخذ طريقها نحو التنفيذ، متطرّقا لمفاوضات مع الهيئات الإقتصادية ووزير العمل من أجل إستصدار زيادة غلاء معيشة أخرى في هذا القطاع، شارحا أنّ الفرق بين القطاعين، هو أنّ زيادات القطاع العام تعتبر مساعدات إجتماعية حتى لا تدخل بتعويضات نهاية الخدمة والمعاشات التقاعدية، فيما تدخل في القطاع الخاص في صلب الراتب، فترتفع التعويضات بناء على هذه الزيادات.
إنعاش الضمان بالزيادات
وفق الأسمر، أنّ الإتحاد العمالي العام يمثل نحو 40% من نسبة أعضاء مجلس إدارة صندوق الضمان الإجتماعي، و 450 ألف عامل مضمونين، ما يعني أنّ هذه الزيادات ستنعكس ايجابا على الإشتراكات، وترفع تعويضات الصندوق للأجير بنحو 3 مرات خاصة الإستشفاء. كما عرض موضوع قانون البطالة الذي أصبح في الهيئة العامة لمجلس النواب، وبموجبه يحصل المصروف من عمله، جزءا من الحدّ الأدنى للأجور لعدّة شهور بتمويل من الضمان، وهناك مشروع الإنتقال الإختياري من نظام تعويض نهاية الخدمة الى النظام التقاعدي، والذي سيمكن من يرغب عند بلوغه السن القانوني، بأن يأخذ راتبا تقاعديا بدلا من تعويض نهاية الخدمة.
ورغم ذلك، يجزم الأسمر أنّ الرواتب لا تكفي، إذ يجب زيادتها بشكل مضطرد تبعا للزيادات التي تطرأ على سعر صرف الدولار، وأن يعاد النظر بالتعويضات والمنح المدرسية لموظفي القطاعين العام والخاص وبتكاليف طب الأسنان والتعويضات العائلية، معتبرا أنّ حالة عدم الإستقرار السياسي والإقتصادي، وعدم وجود سعر صرف موحّد وثابت للدولار، من المعوقات الأساسية التي تمنع بداية الحلول المرحلية، لا النهائية.
عبد الله: السلّم المتحرك للأجور
رئيس “الإتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين” كاسترو عبدالله، قال لـ”الديار أنّ هذه الموازنة هي من إملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين، ولا يمكن أن تكون إنتاجية وإصلاحية، رغم حاجتنا المّاسة إلى وجود موازنة.
وتحدّث بموضوع الأجور عن مذكرات كثيرة قدّمها الإتحاد الوطني بهذا الشأن، مطالبا بشكل أساسي بالسلّم المتحرك للأجور، بعد أن يتم تصحيح الحدّ الأدنى للأجور من خلال الدراسات وإعادة التقييم، على أن يكون موحّدا بين القطاعين العام والخاص، داعيا إلى سلّة موحّدة لاحتساب الحد الأدنى والأجور من خلال سلسلة رتب ورواتب بالقطاعين تستند إلى استبيان واضح، وفي حال لم يقرّ ذلك في ظل الأزمة الحالية، ولم يتّم خلق توازن بين القوّة الشرائية وعملية التضخم المفتعلة، أي لم يتّم تصحيح الأجور وإقرار السلّم المتحرك ليكون دائما متوازيا ويحافظ على القوة الشرائية، فإنّنا سنبقى في نفس الأزمة، ملمّحا بأنّ المسؤولين يسيرون بسياسة أن يكون الحدّ الأدنى في لبنان ما دون 100 دولار كدول المحيط، مذكرا أنّ الحدّ الأدنى للأجور كان يبلغ 450 دولارا في لبنان سابقا، ولم يكن يكفي.
وبما يخص زيادات القطاع العام لفت عبد الله إلى أنّ الدولة “تشتري الوقت”، بحيث أقرّت الموازنة والأجور 3 أضعاف بشكل مؤقت ولا يصرح عنهم للضمان، ولا يدخلون بالتعويضات والتقاعد، وكلّ ذلك يهدف لتخطّي مرحلة الحكومة ورئاسة الجمهورية، وخفض الدين العام وإراحة المصارف التي نهبتنا وسرقتنا، داعيا إلى مواجهة هذه السياسات، وإلى حوار إجتماعي حقيقي لبحث موضوع الأجور بكل مكوّناتها، والبحث بسلّة غذائية وخدماتية متكاملة، وبناء على ذلك نتلمّس الحلول بموضوع الأجور.
خلاصة القول…اقرّت الموازنة، كأحد أبرز شروط صندوق النقد الدولي، وفي إقرارها إنجاز معنوي، لا يلغي الإنتقاد اللاذع لأرقامها من أهل النقد والإقتصاد، وما زيادة الرواتب للقطاع العام إلّا “ذر للرماد في العيون” ومنعا لإقفال المؤسسات العامة، وبالتالي تفكك هيكل الدولة وانهيارها، على أنّ هذه الخطوة لن تمنع تجدّد الإضرابات مع ارتفاع أسهم الدولار، وتقهقر القيمة الشرائية تدريجيا، لنبقى “مكاننا نراوح: إضرابات.. زيادات.. إضرابات وهكذا!