دخل وزير الطاقة والمياه وليد فياض موسوعة “غينيس” في عدد المرات التي بشّر فيها بعودة التيار الكهربائي وإن جزئيا الى لبنان. فالوزير الآتي من القطاع الخاص والعمل الأكاديمي لم يكن يعرف ان النجاح في المسؤولية العامة ليس رهن ما يحمله المرء من سيرة ذاتية وشهادات ونيات حسنة، بل بمدى معرفته بأوحال السياسة وأزقتها المتسخة بمصالح الدول التي تضع الاولوية لأهدافها بمعزل عن شقاء الشعوب وحقها في العيش الكريم.
ليس هذا انتقاصا من شخص الوزير فياض وقدراته، فهو بعفويته وتواضعه وصدق نياته وصراحته، التي انعكست سلبا عليه أحيانا، أثبت جدارة في التخطيط وفكفكة العقد أمام استجرار الكهرباء من الاردن ومصر والفيول من الجزائر والعراق، ولكن غالباً ما كانت حسابات “حقل” السياسة الاقليمية والدولية غير مطابقة، لسوء طالع الوزير، مع “بيدر” تمنياته وطموحه لتحقيق خرق في ملف الكهرباء المستعصي، واعادة النور ولو مدة عشر ساعات يوميا الى منازل اللبنانيين ومؤسساتهم وتخفيف جزء كبير من فاتورة المولدات عن كاهلهم.
قد يكون النكد السياسي المتبادل بين العهد ورئاستي الحكومة ومجلس النواب السبب في عدم وصول ملف الكهرباء الى خواتيمه السعيدة، لكن الحقيقة الجلية التي لا تقبل جدلا ولا شكوكا هي ان الدولة بتقاعسها عن تعيين الهيئة الناظمة ورفع سعر التعرفة – إلا أخيرا-، وعدم تفعيل الجباية وغيرها من الاصلاحات البديهية، اسباب ساهمت بعرقلة عودة الكهرباء. ولكن، بمعزل عن كل الاسباب وتحميل المسؤولية لهذا الطرف أو ذاك، يريد المواطن اللبناني “أكل العنب لا قتل الناطور”، لذا يعوّل حاليا على تحرك الرئيس نجيب ميقاتي تجاه الرئيس نبيه بري بغية الوصول الى حل مع حاكمية مصرف لبنان لتمويل شراء الفيول لرفع التغذية بضع ساعات. فالحاكم رياض سلامة يخشى أن تحترق الاموال التي يفترض أن يؤمنها للمؤسسة، كسالف السلفات التي اهدرتها معامل كهرباء لبنان دونما جدوى، فاشترط اقتصار الدفعة الاولى من التمويل على 75 مليون دولار، لتأمين ما بين 6 الى 7 ساعات تغذية يوميا، كتجربة أولية يحدد من بعدها قرار الدفعات الاخرى بناء على “جدية” مؤسسة الكهرباء في رد ما استقرضته من “المركزي”، توازيا مع ضمانات قانونية واضحة، وهذا ما يتم العمل عليه بجدية من الرئيسين بري وميقاتي، علما أن الحاكم كان وافق مبدئيا على فتح اعتمادات بقيمة 300 مليون دولار لشراء الفيول (100 مليون دولار شهريا)، الى حين التأكد من السير بالتسعيرة الجديدة وفعالية الجباية وقدرة مؤسسة الكهرباء على اعادة المبلغ الى مصرف لبنان.
ولكن المعلومات تتحدث أيضا عن أنه إذا ظل حاكم مصرف لبنان مصراً على موقفه الداعي إلى تأمين الغطاء التشريعي لأي مبلغ قد يخرج من “المركزي” بالدولار، لغرض استيراد الفيول، فإنه يمكن تمرير عقد استقراض في الجلسة التشريعية اليوم وغدا عبر مشروع قانون معجل مكرر، في حين اكدت معلومات اخرى لـ”النهار” أن التمويل من مصرف لبنان سيتم عبر وزارة المال وعبر”تشريع الضرورة” في مجلس النواب.
والى حين تأمين الآلية القانونية المناسبة للحصول على الاموال من مصرف لبنان، يبدو وزير الطاقة قلقا حيال ما يمكن أن تؤول اليه الامور في حال لم يتكاتف اللبنانيون للوصول الى كهرباء مستدامة. ويقول في اتصال مع “النهار” من شرم الشيخ: “اللبنانيون أمام فرصة ذهبية لتأمين الكهرباء يمكن ان تكون مستدامة، إذا سارت الامور على نحو سليم، وتحمّل الجميع مسؤوليته عبر تأمين الجباية بشكل ناجح لسد كلفة الفيول”. هي “فرصة تاريخية” يقول فياض، “لاثبات جديتنا في اعادة “تشغيل” مرفق الكهرباء وترميمه بصورة مستدامة، بما يحقق بداية لحل مشكلة القطاع جذريا”. ولكن في المقابل يحذر وزير الطاقة من أن “هذه الفرصة معرضة للضياع في حال لم تتضافر الجهود السياسية والادارية والمالية والامنية وحتى القضائية، اضافة الى وعي المواطنين بأن لهم مصلحة جدية في استهلاك كهرباء منتجة في معامل الدولة بسعر أقل من نصف سعر الكهرباء المنتجة من كهرباء الحيّ”، معتبرا أن “اي تقصير من أيّ من هذه الاطراف قد يعرّض المشروع بكامله للفشل”.
القطريون على خط الاستثمار؟
توازياً، أشيع ان القطريين دخلوا بقوة على خط الكهرباء في لبنان، خصوصا انهم كانوا قد ابدوا استعدادا في السابق لـ”دعم بيروت بإمدادات الطاقة على المدى الطويل من أجل التغلب على الانقطاعات المستمرة في التيار الكهربائي”، وفق تصريح سابق لوزير الدولة القطري لشؤون الطاقة سعد الكعبي. لكن الوزير فياض أكد أن الامور لا تزال غير واضحة حتى الآن، وقال: “عندما انجزنا اتفاق الترسيم البحري مع اسرائيل، أبدى القطريون اهتمامهم بالاستثمار في قطاعي النفط والكهرباء. ولكن الكلام لا يزال بالعموميات، وخصوصا بالنسبة لقطاع الكهرباء، إذ إن الحديث تناول امكان الاستثمار عبر اتفاق من دولة الى دولة، أو عبر القطاع الخاص الذي سيمر حتما عبر المناقصات”، موضحا أن “الامر اقتصر على اعلان النيات من دون الدخول في التفاصيل الاخرى”.
وبالحديث عن الفيول الايراني، قال فياض: “أنجزت ما طُلب مني، وارسلنا وفدا فنيا بناء على توجيه وتمويل من الحكومة ومجلس الوزراء، وقد عاد الوفد بتأكيد أن الايرانيين ابدوا استعدادهم لتزويد لبنان هبة فيول بقيمة 300 مليون دولار بمواصفات مطابقة للفيول المستخدم في معامل الكهرباء… والملف أصبح في عهدة الرئيس ميقاتي”.
أما بالنسبة لعقد الفيول العراقي، فأكد فياض أن مجلس الوزراء العراقي أقر تمديد عقد الاتفاق، ولكن حتى الآن لم يحدد موعد للتوقيع.
في هذا الوقت، وفيما لا يتوقع أن تصل الشحنة الأخيرة من الفيول العراقي من العقد السابق قبل 28 الجاري على اعتبار أن الباخرة لا تزال في بلجيكا لتحميل الشحنة بعد خضوعها لعملية “سواب”، يبدو ان الجزائر وفق ما تؤكد المعلومات متعاونة الى أقصى حد، متجاوزة العقدة القانونية المتعلقة باتهام شركة سوناطراك الجزائرية بالتورط في قضية توريد الفيول المغشوش الى لبنان، وستعمد الى تخصيص لبنان بسعر أقل قليلا من سعر السوق اضافة الى تقسيط المستحقات. وأكد فياض لـ “النهار” أن الجزائر “تبدي ايجابية كبيرة، وحاليا نكمل المحادثات معهم لنرى ماذا في امكاننا تقديمه عبر الحكومة والقضاء من دون أن يكون الامر بمثابة تنازل من قبلنا بقدر ما هو تحقيق مصلحة اللبنانيين”.
وفيما الحديث عن إمكان تأمين 10 ساعات يوميا بعد توفير الاموال اللازمة لاستيراد الفيول، يؤكد مصدر مسؤول في معمل الزهراني أنه “قبل 6 أشهر لن ينعم اللبنانيون بأكثر من 4 ساعات في أحسن الاحوال”. ويلفت المصدر عينه الى ان مصرف لبنان وافق على 65 مليون دولار فقط سيخصص نحو 30 مليون دولار منها للصيانة، إذ إنه “لا نفع للفيول الموعود قبل ان نجري الصيانة للمعامل”، مضيفا: “إذا افترضنا أن الأموال توافرت للصيانة بدءا من اليوم، فإنه لن يكون في إمكاننا إجراء الصيانة قبل شهر أيلول المقبل نظراً الى فقدان البضائع لزوم الصيانة”.
ومعلوم أن نسبة الهدر من الكهرباء المنتجة كانت تبلغ نحو 40%، وذلك نتيجة الاستمداد غير الشرعي للطاقة اي التعليق والسرقة، ويتوقع أن ترتفع هذه النسبة الى نسب كبيرة في حال رفع التعرفة نظراً الى الظروف الاقتصادية والمالية التي تمر بها البلاد، هذا عدا عن الفوترة وجباية الفواتير المتأخرة بين سنة ونصف وسنتين. ولكن المصدر يؤكد أن هذه المسؤولية هي على عاتق شركات مقدمي الخدمات الذين عليهم أن يثبتوا قدرتهم على تنفيذ المهمة التي أوكلت اليهم.
عروض مناقصات الفيول الجمعة
والى حين وضع الامور في نصابها القانوني والميداني، تستعد وزارة الطاقة لشراء نحو 140 ألف طن من الفيول والغاز أويل لزوم تشغيل معامل كهرباء لبنان عبر 3 مناقصات كانت قد أعدت دفاتر شروطها، ويفترض أن تفتح العروض التي تقدم بها العارضون يوم الجمعة المقبل. المناقصة الاولى لشراء 46 ألف طن متري من مادة الفيول أويل A، والثانية لشراء 28 ألف طن متري من مادة الفيول أويل B، والثالثة لشراء 66 ألف طن متري من مادة الغاز أويل بقيمة تقديرية تراوح ما بين 100 و120 مليون دولار.