لامس دولار السوق السوداء أمس في لبنان سقف الـ44000 ليرة لبنانية مسجّلاً، بطبيعة الحال، رقماً قياسيّاً إضافيّاً في تدهور سعر الليرة اللبنانية، وواضعاً كل القطاعات اللبنانية والمؤسسات أمام سيناريوات بالغة الخطورة في ظلّ الانسداد السياسي الذي يحكم المشهد الداخلي.
ومع أنّ التطورات المتصلة بالأزمة المالية والاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية تكاد تكون مغيّبة عن أولويات أهل السلطة والسياسية عموماً، كان بديهيّاً أن تقفز الوقائع المالية الخطيرة إلى الواجهة لكونها مؤشّراً خطيراً لعودة لبنان الى مزالق الانهيار الأعمق والأشد خطورة. ولا يبدو أنّ ثمة مسالك حلّ للأزمة الرئاسية في الأفق المنظور، إذ تُجمع الأوساط السياسية على الأقل على أنّ مجريات الأمور لا تدل على إمكان تبديل قوى المحور الممانع المتحالف مع إيران تكتيك التعطيل التي تعتمده في إبقاء الفراغ الرئاسي وتمديده ربما لمدة غير قصيرة. ولم يكن ينقص البلد أزمات إضافية حتى جاءته أزمة حادث الاعتداء على وحدة إيرلندية عاملة ضمن قوّة “اليونيفيل” في الجنوب فأضافت همّاً جديداً من غير المضمون أبداً أن تنجح السلطة السياسية والأمنية والقضائية في الحد من تداعياته المؤذية للبنان.
ومع أنّ المناخ الضاغط والمأزوم هذا كان يوجب المضي في الإيجابية التي برزت بين الوزراء في الاجتماع التشاوري الذي عُقِد الجمعة برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، فإنّ هذه الإيجابية لم تصمد إلّا ساعات، إذ عادت السلبية سريعاً إلى هذه الضفة. وأفادت المعلومات أنّه خلال اجتماع اللجنة الرباعية التي تم تأليفها أول من أمس لتحديد الاولويات والقضايا الطارئة التي يُمكن للحكومة أن تجتمع لمناقشتها، فوجئ وزراء الداخلية بسام مولوي والثقافة محمد مرتضى والتربية عباس الحلبي، بموقف وزير العدل هنري خوري، المحسوب على “التيار الوطني الحر”، الذي وخلافاً لما تم الاتفاق عليه بالأمس، أصرّ على أنه لا يمكن لمجلس الوزراء الانعقاد بتاتاً، متمسّكاً بأنّ تسيير الأعمال يجري عبر المراسيم الجوالة وبتوقيع 24 وزيراً. ولم تتمكّن اللجنة التي التأمت على مدى ساعتين في السراي، من اتخاذ اي قرار وهي ستنقل حصيلة مداولاتها الى ميقاتي في الساعات المقبلة.
وفي المقلب الأميركي، بعثت لجنةُ العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي برسالة إلى وزيرِ الخارجية أنتوني بلينكن ووزيرة الخزانة جانيت يلين تدعو إلى مساءلة أولئك الذين يقوضون المؤسسات وسيادة القانون في لبنان، بما في ذلك فرضُ العقوبات. وحضّت اللجنةُ إدارةَ بايدن على إبداءِ الدعم القوي لسيادةِ لبنان وللمؤسسات وسيادة القانون بالتعاون مع الحلفاء الأوروبيين واتهم رئيسُ اللجنةِ والعضو بها حزبَ الله وآخرين على الساحة السياسية اللبنانية بالفشل في إعطاء الأولوية لاحتياجات الشعب اللبناني بدلا من مصالحهم الضيقة، وأكدت اللجنة، حاجة لبنان إلى حكومةٍ منتخبة قوية لا تخضع للتأثير الأجنبي وتعطي الأولوية لاحتياجات شعبها. لجنةُ العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي حثت الإدارةَ الأميركية على استخدام كل الوسائل بما فيها التهديدُ بالعقوبات لدفعِ المشرعين اللبنانيين لانتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة بأسرع ما يمكن.