منذ عام تقريباً، خلصت دراسة صادرة عن الجامعة الأميركية في لبنان حول تكاليف المعيشة، إلى أن الأسرة اللبنانية تحتاج ما لا يقل عن 5 أضعاف الحد الأدنى للأجور لتأمين الغذاء. ووفق الدراسة، كانت تقدر التكلفة الشهرية بنحو ثلاثة ملايين و500 ألف ليرة. اليوم، وحسب الأسعار المعمول بها في الأسواق، فإن الأسرة تحتاج لتأمين الغذاء فقط ما يقارب من 15 مليون ليرة على أقل تقدير، أي أنه خلال عام واحد زادت التكاليف بمعدل 5 أضعاف (التقرير أنجز قبل ارتفاع سعر الدولار إلى نحو 46 ألف ليرة).
دراسة ميدانية
ما هو المبلغ المطلوب لعائلة مكونة من أربعة أشخاص للعيش في لبنان؟ الإجابة على هذا السؤال قد تكون صادمة، فبعد جولة قامت بها “المدن” في الأسواق اللبنانية، ومن خلال مراقبة مؤشر المعيشة، فإن المئات من العائلات اللبنانية غير قادرة عملياً على تأمين المستلزمات الأساسية والضرورية للعيش. وتبين بعد دراسة المؤشرات، إلى أن تكاليف العيش تتطلب من الأسرة أن تكون إما من أصحاب الملايين لتحظى بمستوى معيشي متوسط، أو من أصحاب المليارات للعيش في بحبوحة مادية. عدا ذلك، قد يكون من الصعب أو المستحيل على العائلة توفير أدنى مستلزمات العيش، في ظل معدل رواتب لا يتعدى 5 ملايين ليرة، والتي لا تكفي حتى لتسديد إيجار بيت في العاصمة.
أدى الانهيار المالي إلى توسع دائرة الفقر في لبنان، ليشمل العديد من الفئات الوظيفية. إذ حسب بيانات صادرة عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، فهناك ما لايقل عن 1.5 مليون لبناني يعيشون تحت خط الفقر، أي أقل من 2.15 دولاراً يومياً (نحو 90 ألف ليرة)، حسب سعر الصرف، فيما خسرت الليرة أكثر من 95 في المائة من قيمتها أمام الدولار الذي تجاوز عتبة 44 ألف ليرة، ما انعكس بطبيعة الحال على كل جوانب الحياة. انطلاقاً من هذا الواقع، ومع اتجاه الاقتصاد نحو “الدولرة”، فإن تكاليف المعيشة لأسرة في لبنان مكونة من أب، أم وطفلين، قد تتجاوز 32 مليون ليرة في العاصمة، فيما تنخفض التكاليف في القرى، بمعدل 30% تقريباً، نظراً لانخفاض متوسط إيجارات المنازل، وانخفاض سعر تكلفة السلة الغذائية.
الأرقام الصادمة
البداية من تكاليف السكن: في العاصمة بيروت أو حتى في الضواحي، فإن إيجار البيت بات بالدولار، ولا يمكن الحصول على مسكن بسعر أقل من 100 دولار، وتتباين الأسعار من منطقة إلى أخرى، بالحد الأدنى تبدأ الإيجارات من 100 دولار أي ما يقارب أربعة ملايين ليرة، وترتفع إلى ما يقارب 250 و300 دولار أي نحو 12 مليون ليرة، كمتوسط عام. وقد تناهز الأسعار في مناطق عديدة، حاجز 500 أو حتى 800 دولار . وبالتالي فإن متوسط إيجار البيت يصل إلى نحو 200 دولار نحو 8 ملايين ليرة.
مصاريف تتعلق بالسكن: الحصول على مسكن لا يتعلق فقط بالشقة السكنية، إذ أن الأخيرة تحتاج مصاريف شهرية، تتعلق بخدمات المبنى، أو أجرة حارس المبنى لا تقل عن 600 ألف ليرة، فيما فاتورة الماء الشهرية تتراوح مابين 100 و200 ألف ليرة، أي نحو 800 ألف ليرة شهرياً لمصاريف المبنى فقط.
فواتير الكهرباء، الهاتف، والإنترنت: تحتاج العائلة لتسديد ما متوسطه، مليونين و800 ألف ليرة فاتورة مولد (السعر الحالي يتراوح مابين 50 و60 دولاراً) بالإضافة إلى فاتورة الكهرباء الرسمية بحدود 50 إلى 100 ألف ليرة (مع الإشارة إلى أن السعر سيرتفع في بداية 2023، وتصبح الفاتورة بالدولار وقد تصل إلى ما يقارب مليوني ليرة تقريباً) وفاتورة الهاتف الخليوي للأب والأم تلامس 700 ألف ليرة، بالإضافة إلى الإنترنت بسعر يبدأ من 250 ألف ليرة، ما يعني أن هذه النفقات تصل إلى نحو ثلاثة ملايين و800 ألف ليرة، ومع التعرفة الجديدة للكهرباء تصل إلى 5 ملايين و750 ألف ليرة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن تكاليف التدفئة، لم تدخل في إطار الفواتير الشهرية التي يتكبدها رب الأسرة، وفي حال إدخال هذا البند، فقد ترتفع قيمة الفواتير ثلاثة أضعاف تقريباً.
النقليات: تحتاج العائلة ما لايقل عن أربع صفائح بنزين شهرياً، بمعدل وسطي صفيحة واحدة أسبوعياً للانتقال من البيت إلى العمل، بمعدل وسطي ثلاثة ملايين ليرة و120 ألف نظراً لأن سعرة صفيحة البنزين وصل إلى 780 ألف ليرة.
المدارس: تحتاج العائلة إلى ما يقارب من 10 ملايين لكل طفل، بالإضافة إلى ما تفرضه بعض المدارس من رسوم بالدولار الأميركي، وبالمجمل، فإن وجود طفلين في المدارس يكبد العائلة سنوياً 20 مليون ليرة، ما يعادل مليوناً و600 ألف ليرة تقريباً.
المأكل والمشرب: مع رفع الدولار الجمركي من 1500 ليرة إلى 15000 ليرة لبنانية، بدأت أسعار المواد الغذائية ترتفع، حتى وإن لم تكن جميعها مستوردة، وبالمحصلة، حتى تتمكن عائلة من تأمين سلة غذائية متوسطة، وإضافة عناصر مثل حليب الأطفال والفاكهة والخضار، فإن التكاليف الشهرية بين الحد الأدنى نحو 8 ملايين ليرة والحد المتوسط نحو 15 مليون ليرة.
وبالتالي إن أرادت عائلة العيش في لبنان، بشكل متوسط، من دون احتساب تكاليف الطبابة، أو شراء الملابس، والترفيه، تحتاج ما لايقل عن 32 مليون ليرة شهرياً.
هذه الأسعار من المرجح أن ترتفع في الربع الأول من العام 2023، ذلك إن احتسبنا رفع فاتورة الكهرباء واحتسابها بالدولار بدل من التعرفة الحالية، ناهيك عن ارتفاع أسعار العديد من السلع الغذائية والاستهلاكية إلى أضعاف ما هي عليه اليوم، بعد رفع سعر الدولار الجمركي، وغياب أي رقابة حقيقية على الأسعار، وبالتالي، في ظل هذا السيناريو، فقد تشهد السلة الغذائية والاستهلاكية ارتفاعاً بنحو 1000 في المئة.