بعدما كانت التوقعات تؤكّد وصول سعر الدولار في السوق السوداء إلى عتبة الـ 50 الفاً مع حلول نهاية العام او حتى تخطّي هذا الرقم، تدخّل حاكم مصرف لبنان مجدداً في السوق، رافعاً سعر صيرفة من جهة إلى 38 الفاً وشارياً لليرة وبائعاً لها وفق السعر نفسه، فكانت النتيجة تراجع دراماتيكي للدولار من 47800 ليرة إلى حدود 43 ليرة في غضون دقائق.
شكّل قرار المركزي صدمة أمس للمضاربين والمهرّبين والمتلاعبين في السوق، بعدما كانت كل التقديرات تتحدث عن احتمال تخطّي الدولار عتبة الـ50 الفاً في السوق السوداء مع نهاية العام. صحيح انّ تدخّل المركزي في السوق ليس بجديد، انما توقيته مفاجئ كالعادة، وهدفه إبطاء مسار الانهيار ولو لفترة وجيزة، ولو على حساب ما تبقّى من اموال المودعين، وتقليص هامش الربح الذي خلقه الفارق الكبير بين سعر الدولار في السوق السوداء وسعره عبر صيرفة، والذي وصل إلى حدود 17 الفاً. وعليه، إلى أي مدى يمكن للمركزي ان يستمر في هذه العملية؟ وكم ستكون كلفتها؟ ما الحدّ الأدنى الذي سيسجّله الدولار في السوق السوداء، وكم سيستمر هذا الانخفاض لأيام ام لأسابيع؟ خصوصاً انّ احتياطي المركزي إلى تراجع، ما يعني انّه ما عاد قادراً على التدخّل في السوق لفترات طويلة. أضف إلى ذلك، انّ هذا القرار مع ما خلقه من اضطرابات في السوق، سيرتد سلباً على رواتب المواطنين الذين يقبضون وفق منصة صيرفة، لاسيما موظفي الدولة، في مقابل ارتفاع قيمة الفواتير والرسوم التي تعتمد تسعيرة صيرفة، منها خصوصاً فاتورتا الكهرباء والخليوي.
وجاء في البيان الذي اصدره أمس حاكم مصرف لبنان رياض سلامة: “إرتفع سعر صرف الدولار الأميركي خلال فترة الأعياد، والتي امتدت لثلاثة ايام 2000 ل ل في السوق الموازية، ناتجة من عمليات مضاربة وتهريب الدولار خارج الحدود. هذا الارتفاع سبّب تضخماً في الأسواق، مما أضرّ بالمواطن اللبناني كون الأسعار في لبنان ترتبط بسعر صرف الدولار.
بناءً على ذلك، وعلى أساس المواد 75 و83 من قانون النقد والتسليف، تقرّر ما يلي:
- أولاً: رفع سعر sayrafa ليصل إلى 38000 ليرة.
- ثانيًا: يشتري مصرف لبنان كل الليرات اللبنانية ويبيع الدولار على سعر Sayrafa 38000 ليرة، ويمكن للأفراد والمؤسسات ودون حدود بالأرقام، ان يتقدّموا من كل المصارف اللبنانية لتمرير هذه العمليات، وذلك حتى إشعار آخر”.
ولاحقاً، أصدر الحاكم سلامة، بياناً ثانياً أكّد فيه “البيان الصادر سابقاً، والذي سعّر من خلاله Sayrafa على 38000 ل.ل وقال فيه: انّ مصرف لبنان سيقوم ببيع الدولارات على هذا السعر مقابل الليرات اللبنانية للأفراد والمؤسسات، من دون سقف لقيمة العمليات. كما يؤكّد أن ليس من شروط متعلقة بتنفيذ هذه العمليات، والتي ستُنفّذ تلقائياً حينما تتقدّم المصارف اللبنانية من مصرف لبنان بالليرات اللبنانية وسيسلمها فوراً وبالمقابل الدولارات”.
أضاف :”كما انّ هذا القرار ساري المفعول من اليوم بالذات وحتى إشعار آخر. سيمدّد مصرف لبنان ساعات العمل في ما يتعلق بالعمليات المذكورة حتى الساعة الخامسة مساء من كل يوم عمل، وذلك حتى 31 كانون الثاني 2023″.
وتعليقاً على هذا القرار، قالت مصادر مصرفية مطلعة لـ”الجمهورية”، انّها ليست المرة الاولى التي يتدخّل فيها المركزي مهدئاً للسوق. فالقرار مشابه للقرارات التي سبق للمركزي ان اتخذها كلما سجّل الدولار ارتفاعاً ملحوظاً في السوق السوداء، والتي ادّت عملياً إلى تجميد ارتفاعه الى حدّ معيّن.
واعتبرت المصادر، انّ هذا الإجراء يصبّ كباقي الإجراءات في اطار التدابير المؤقتة التي لا شك تنطوي على مخاطر، لعلّ ابرزها ارتفاع سعر صيرفة من 32 الفاً إلى 38 الفاً دفعة واحدة، وبالتالي فإنّ الكثير من الخدمات والرسوم التي يرتبط سعرها بالمنصة ستشهد ارتفاعاً ملحوظاً خلال الفترة المقبلة، مثل فاتورة الهاتف والخليوي والكهرباء… أضف إلى ذلك، انّ غالبية المواطنين يتقاضون رواتبهم وفق دولار المنصة، وبالتالي انّ آمالهم خابت بأن يتحسن وضع رواتبهم نتيجة الفارق الكبير بين سعر المنصة وسعر السوق السوداء، لأنّ قيمة رواتبهم تقلّصت نتيجة ارتفاع دولار صيرفة. أما بالنسبة إلى التجار الذين اشتروا بضائعهم وفق دولار 46 الفاً او 47 الفاً، فلن يسارعوا إلى خفض اسعارهم، وبالتالي انّ هذا التراجع المستجد في سعر الدولار لن ينعكس تراجعاً فورياً في اسعار السلع، ما يعني انّ المستهلك سيواصل دفع ثمن السلعة وفق سعر الدولار الأعلى، ما سيؤدي الى اضطرابات في الدورة الاقتصادية ككل.
ورداً على سؤال، أكّدت المصادر، انّه حتى لو اقترب سعر الدولار في السوق السوداء من سعر منصة صيرفة، فالمركزي غير قادر على السيطرة على السوق الحرة، لأنّه لا يملك المال الكافي لتلبية الطلب الكبير على العملة الاجنبية، كما لا يمكن التكهن بالمدة التي ستستمر فيها مفاعيل هذا القرار، خصوصاً انّها ليست المرة الاولى التي يتخذ فيها سلامة قراراً بالتدخّل في السوق ولا يتمكن من الصمود فيه طويلاً. ورأت المصادر، انّ استمرارية مفاعيل هذا القرار تتعلق بالمدة التي ينوي فيها المركزي ضخ الدولارات. فإذا كانت الفترة طويلة، وهناك نية لضخ دولارات اضافية، سيستقر الدولار لفترة، اما في حال لم تكن هناك امكانية لضخ الدولارات لفترة طويلة والمحافظة على استقرار السوق، فلا شك انّ الدولار سيعاود ارتفاعه.