ما هي التوقعات الاقتصادية للعام 2023؟ سؤال لا يحيّر كثيراً المعنيين، انطلاقاً من جملة معطيات يمكن البناء عليها لاستشراف العام المقبل ببعض التشاؤم؟
أولاً: لا شك في أن للفراغ الرئاسي (اذا امتد طويلاً) أثراً سلبياً أيضاً من الناحية الاقتصادية، خصوصاً مع حكومة لتصريف الأعمال في أضيق الحدود، وبالتالي ادارة العاجل من الأمور من دون أي خطة ثابتة أو رؤية واضحة للخروج من الأزمة التي دخلت عامها الرابع، من دون أي حلول جذرية لأسبابها وتداعياتها.
ثانياً: قياساً على الفترة الماضية، وتحديداً منذ توقيع الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد في نيسان الماضي، يمكن الاستنتاج بأن العام 2023 لن يكون أفضل حالاً بشأن الاصلاحات المطلوبة، في ظل انقسامات سياسية حادة لا تشي بتوافقات جوهرية حول قضايا مثل زيادة إيرادات المالية العامة، وتوحيد اسعار الصرف، والكابيتال كونترول، وهيكلة المصارف، واصلاح الكهرباء، وغيرها من الملفات الشائكة التي تتعقد حلولها أكثر فأكثر .
ثالثاً: يبدو ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مستمر بتعاميمه واجراءاته التكتيكية غير الحاسمة لشراء بعض الوقت الاضافي للمنظومة الحاكمة، وليس مجبراً على اجراءات جذرية، لا سيما وأن ولايته تنتهي في تموز المقبل. فإعادة هيكلة المصارف ليست أولوية لديه خصوصاً وانها متصلة بكيفية توزيع الخسائر. توزيع حوله صراع مرير خاص بمن يتحمل الجزء الأكبر من التركة الثقيلة: الدولة أم المصارف، والمقصود هنا خسائر تبلغ حالياً 75 مليار دولار، وهي في ازدياد يومي.
رابعاً: كل المؤشرات تدل على استمرار ارتفاع معدلات التضخم في ظل تقهقر سعر صرف الليرة، اضافة الى كلفة اضافية آتية من اعتماد الدولار الجمركي وعدد من الرسوم والضرائب على سعر المنصة. وهناك التضخم المستورد بفعل ارتفاع الاسعار العالمية ، فلبنان يستورد 80% من حاجاته ويتأثر فوراً بالتضخم العالمي.
خامساً: في ظل الركود التضخمي، لا يخلق الاقتصاد فرص عمل جديدة. وبالتالي ستبقى معدلات البطالة حول 40%، مع امكان ارتفاع هذا المعدل اذا ساءت الأوضاع أكثر تدريجياً، بالتوازي مع فقدان الأمل بخروج سريع للبلاد من أزمتها الضاغطة ايضاً على القطاع الخاص والمبادرات الفردية.
سادساً: مع استمرار تعثر القطاع المصرفي، ستزداد حدة “اقتصاد الكاش”، باتجاه المزيد من الفوضى المالية الخارجة عن رادارت الافصاح، مع ما يعني ذلك من مخاطر خاصة بأعمال مافيوية وتهريب وتبييض أموال.
سابعاً: الشلل الجزئي هنا والكلي هناك، والذي يصيب الادارة العامة والتعليم الرسمي والجامعة اللبنانية والقضاء وقطاعات رسمية أخرى، يشكل عاملاً سلبياً إضافياً يضغط على الاقتصاد وعموم المجتمع.
ثامناً: مع اضحملال الطبقة الوسطى وتبخر مدخراتها، تتفاقم حدة التباين بين قلة قليلة تستحوذ على معظم الدخل المتاح، مقابل سواد أعظم قد تصل نسبته 80% من السكان يعيش اشكال الفقر بمستويات مختلفة: ربع السكان في فقر مدقع (تعيش الأسرة مع فرد واحد عامل بدولارين وما دون في اليوم) اضافة الى اكثر من 50% من السكان (14 دولاراً وما دون في اليوم) تضم شرائح بفقر متعدد الأبعاد من نقص في تلبية الحاجات الأساسية الى نقص في تغطية الصحة وخدمات التعليم والكهرباء.
تاسعاً: مع شبه انعدام الدعم الدولي والعربي الإضافي، بسبب التأخر في تنفيذ الاصلاحات وفق الاتفاق مع صندوق النقد، وتفاقم الأزمات من دون حلول، وبالتالي انعدام الثقة بغد أفضل نسبياً، سنشهد المزيد من الهجرة الشرعية منها وغير الشرعية، علماً أنّ من هاجروا منذ العام 2019 يزيد عددهم على 350 ألفاً.
عاشراً: قد لا نشهد اضطرابات أمنية، لكن مؤشرات الانفلات الاجتماعي تؤكد امكان ارتفاع نسب الجرائم على انواعها لا سيما المالية منها، إضافة الى السرقات وبقية الآفات التي “تزدهر” مع ارتفاع معدلات الفقر والحرمان.