إنهارت الليرة مجدّداً، دخلت في نفق مظلم وأدخلت البلد في نفق أكثر ظلاماً. ينتظر المواطن دولار الـ50 الف ليرة، يترقّب بصمت ما ينتظره من مصير مجهول، بات على قناعة تامّة أنّ دولاره يتحكّم بمصيره، يخشى الأسوأ، يراقب لعبة الدولار والليرة، باتت لعبة سمجة. يرمي الكلّ باللائمة على حاكم مصرف لبنان، الأخير يصدر «فرماناته» الجائرة بحقّ الشعب، يوجّه رسائله يميناً وشمالاً باتجاه السياسيين على حساب الشعب الصامت، لم يتوقّع الناس هذا السيناريو الاقتصادي المخيف يوماً.
شاء حاكم مصرف لبنان أن يتلاعب بمصير الناس على بعد أيام من نهاية العام، أراد أن يُحكم قبضته أكثر، ليقول: «الأمر لي»، فبسحر ساحر رفع سعر منصة صيرفة إلى 38 الف ليرة ضربة واحدة، ما يعني مزيداً من إرتفاع الأسعار. سلع كثيرة مرتبطة بسعر صيرفة، ومنها الاتصالات التي سترتفع حكماً كلفتها، والكل يسأل: هل هناك تواطؤ بين وزير الاتصالات ومصرف لبنان لرفع الأسعار هذه الأيام؟ بدأ أصحاب محال الاتصالات التسعير وفق سعر صيرفة الجديد، إرتفعت أسعار بطاقات التشريج.
لم تترك لعبة الدولار خيارات كثيرة للناس، يراهن الكلّ على صبرهم: ينخفض، يرتفع، ثم ينخفض، في لعبة يؤكد كُثر أنها قاتلة، حتى الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار بدأت صرختهم تعلو، ولكن بشكل خجول. لن تحرّك هذه الأرجوحة الناس، فالكل يستعدّ لوداع السنة، مطاعم النبطية بمعظمهما «مفوّلة»، في تأكيد أنّ البحث عن الفرح ولو بالدولار شغل الناس الشاغل، لن ينزل كُثر إلى مستوى انهيار العملة، «تعوّدوا» على فلتانها، لا يضبطها الّا قرار سياسي، وهو غير متوفر حالياً. يؤكد علي محيي الدين صاحب مطعم Eat vite في النبطية أنّ المطعم «مفوّل» ليلة رأس السنة رغم كلّ الظروف وأنّه خفّض الاسعار قليلاً لجذب الزبائن.
زحمة سير خانقة على طرقات النبطية، تتحرّك السيارات ببطء تماماً كتحرّك الزعماء باتّجاه الحل، يمضي سائقوها نحو وجهتهم بتأفّف، فالزحمة لا ترحم، تزيد مصروف البنزين، وقد شهد مزيداً من الارتفاع، ومع ذلك تواصل السيارات سيرها.
يعوّل التجّار اليوم على تفعيل الحركة السياحية الشتوية علّها تحرّك السوق قليلاً. كثر يتبضعون ويشترون ملابس جديدة، يراهنون على حلّ ترقيعي، باتوا على قناعة أنّه وقتي، وأنّ العام المقبل سيكون كارثياً على كافة الصعد.
أسوأ ما في لعبة الدولار أنّها ضربت القطاع الدوائي، أصابت الفقير في الصميم، معظم الأدوية خرجت عن قدرة الناس، وحليب الأطفال الرضع مفقود، وحتماً سيشهد مزيداً من الارتفاع، فكلّه متعلّق في الدولار.
لم ترحم الدولة شعبها، لم تترك له متنفّساً، تركته رهينة للتجّار والدولار والفجّار، يمضي الناس نحو النرجيلة وقد باتت متنفّسهم الوحيد، وعلى قول أحدهم «من كتر همومك نفّخ غليونك»، ولكن ماذا لو انقطع المعسّل والفحم؟ حينها فقط تشتعل الثورة وينفجر الوضع، وربما لهذا يحرص حاكم مصرف لبنان على إبقاء المعسّل متوفراً … ابتسم فأنت في بلد العجائب لبنان.