وبعد فتح سقف السحوبات على منصة صيرفة أمام الجمهور بأيام قليلة، تراجع مصرف لبنان وحصر مسألة السحوبات بالأفراد دون المؤسسات والشركات والتجار. وعليه، تم خفض سقوف السحب إلى نحو 100 مليون ليرة للأفراد في غالبية المصارف، وليس جميعها. ما أحدث بلبلة وصلت حد وقوع إشكالات في المصارف مع العملاء، لا سيما منهم الذين أودعوا مبالغ مالية كبيرة وصلت حد المليار ليرة.
ومع تراجع مصرف لبنان عن قرار فتح عمليات السحب من صيرفة، وحصره بالأفراد، وخفض السقوف إلى 100 مليون ليرة، استكملت المصارف ما بدأه المصرف المركزي. ففرضت شروطاً وضوابط على عمليات السحب على أساس صيرفة. ما أحدث بلبلة واسعة في صفوف العملاء تفاقمت إلى حد المواجهة مع المصارف. وقد وصل الأمر بأحد العملاء إلى إطلاق النار على فرع بنك لبنان والمهجر في صيدا، رفضاً للشروط الجديدة التي فرضها المصرف بشأن الاستفادة من صيرفة.
وحسب المعلومات، فقد توقف بنك لبنان والمهجر عن قبول الطلبات للاستفادة من صيرفة، حاصراً الشروط بفئة من العملاء، وهم الذين يملكون في حساباتهم 50 ألف دولار مصرفي (لولار) أو 75 مليون ليرة بالحد الأدنى. أما باقي العملاء فلا يمكنهم إيداع أي مبالغ مالية والاستفادة من صيرفة.
أما بنك عودة على سبيل المثال، فقد أوقف تنفيذ قرار مصرف لبنان فيما خص صيرفة، وأعاد الآلية السابقة للتعاملات. أي أنه أبقى على سقوفه السابقة لصيرفة. مصارف أخرى توقفت كلّياً عن قبول طلبات الاستفادة من صيرفة، وحصرت التعاملات عبر الصرافات الآلية فقط، ووفق السقوف السابقة التي كانت تعتمدها منذ أشهر قبل صدور قرارات مصرف لبنان الأخيرة. وحدّد عدد من المصارف سقوف السحب من جديد بنحو 400 دولار فقط عبر الـAtms مع تعليق طلبات إيداع الأموال للاستفادة من صيرفة.
تفاوت بين المصارف
تتفاوت الشروط والضوابط بين المصارف لجهة الاستفادة من دولارات منصة صيرفة، إن لجهة السقوف أو الفئات المستهدفة أو حتى لجهة العمولات. فيتقاضى مصرف credit libanais على سبيل المثال عمولة بنسبة 3.5 في المئة على سحوبات صيرفة، في حين يعتمد بنك الموارد والـMeab عمولة 3 في المئة. أما بنك سوسييتيه جنرال SGBL فيفرض 5 في المئة عمولة، في مقابل 7 في المئة يفرضها بنك لبنان والخليج على سحوبات صيرفة. في وقت لا تزال هذه المصارف تستقبل طلبات عملائها للاستفادة من صيرفة وفق سقف 100 مليون ليرة.
خفض سقوف السحب على صيرفة، وإن كان صائباً لجهة التخفيف من هدر الدولارات وتحويلها إلى جيوب التجار والمضاربين، إلا أنه أحدث مشاكل مع الكثير من العملاء، وألحق الخسائر بهم بسبب عدم تمكّنهم من سحب مبالغ كبيرة كانوا قد أودعوها بالليرة اللبنانية لإعادة سحبها وفق دولار صيرفة بعد أيام. فمع خفض السقوف من مليار أو ملياري ليرة إلى 100 مليون وما دون، علقت المبالغ التي تفوق الـ100 مليون ليرة بالمصارف من دون أن يتمكن أصحابها من تحويلها إلى الدولار بسعر صيرفة.
ارتفاع الدولار
التمس مصرف لبنان عدم جدوى فتح سقوف صيرفة وضخ مئات الملايين من الدولارات، بعد أيام قليلة من قراره بفتح منصة صيرفة للجمهور. فلم تكن مسألة استفادة التجار والمضاربين والمهربين من دولارات صيرفة بالأمر المفاجئ، لاسيما أن السقوف التي سُمح ببلوغها في بداية الأمر لامست الملياري ليرة. أما عندما لم تنجح الجهود بخفض سعر صرف الدولار في السوق السوداء، عاد المركزي وتراجع عن قراره.
ففي خلال 4 أيام فقط (3 و4 و5 و9 كانون الثاني) ضخ مصرف لبنان عبر منصة صيرفة أكثر من مليار دولار (310 و290 و305 و100 مليون دولار على التوالي) من دون أن يتمكّن من خفض سعر صرف الدولار. وقد واصل سعر الدولار ارتفاعه في مقابل الليرة مقترباً من 47000 ليرة (46600 ليرة حتى تاريخ نشر هذا التقرير). وهو مستوى قياسي سبق أن بلغه الدولار قبل نهاية العام 2022 بأيام معدودة، واستدعى من مصرف لبنان حينها إصدار قرار فتح سقوف السحب على منصة صيرفة، قبل التراجع عنه لاحقاً.