قطع الانهيار المتسارع لقيمة الليرة اللبنانية، ثلاثة أرباع المسافة لبلوغ عتبة المئة ألف ليرة مقابل الدولار الأميركي، بعدما بلغت 75 ألف ليرة، لتعود وتتراجع بعد ظهر أمس إلى 71 ليرة. ويعود الانهيار الاستثنائي، الذي ينعكس سلباً على الأزمة الاقتصادية والمعيشية، إلى عدم اليقين السياسي والداخلي، واحتدام الكباش بين المصارف وجزء من السلطة القضائية على خلفية طلبات متلاحقة لكشف السرية المصرفية، وبمفعول رجعي، عن حسابات تخصّ حملة أسهم ملكية ومستثمرين ومديرين كبار في بنوك محددة.
ويطبق لبنان منذ الخمسينات نظام السرية المصرفية على الحسابات البنكية، وتم تعديله في العام الماضي استجابة لأحد شروط صندوق النقد الدولي، ويرفض المصرفيون “الاستنسابية في تطبيق القانون”، ويرونه “بقصد الاستهداف”، وهو ما دفعهم لإغلاق فروع المصارف منذ مطلع الأسبوع الماضي.
ويترافق الارتفاع القياسي لسعر الدولار الذي وصل إلى عتبة الـ75 ألف ليرة لبنانية (قبل أن يتراجع بعد الظهر إلى مستوى 71 ألفاً)، مع استمرار الإضراب العام الذي تنفذه المصارف للأسبوع الثاني على التوالي، رداً على توسع الدعاوى القضائية، وخصوصاً المرفوعة من قبل النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون ضد عدد من المصارف بناء على شكاوى تتلقاها من جمعيات حقوقية وأهلية. ويتزامن ذلك مع تحديد القاضية نفسها اليوم، مهلة أخيرة لعدد من المصارف، لرفع السرية المصرفية عن رؤساء وأعضاء مجالس إدارتها ومفوضي المراقبة ومدقّقي حساباتها، تحت طائلة ملاحقتهم بجرم “تبييض الأموال”.
وأكد مسؤول مصرفي لـ”الشرق الأوسط”، استمرار الإضراب المعلن، مع الإبقاء على ضخ السيولة النقدية للأفراد عبر أجهزة الصرف الآلي، وتنفيذ معاملات الاعتمادات المستندية والتحويلات الخاصة بالمستوردات التجارية، مما يمنح مهلة إضافية ومقرونة بالاستجابة لطلب الحكومة ورئيسها بعدم التصعيد ريثما تتضح نتائج الاتصالات الرسمية، وبمشاركة موعودة من قبل المرجعيات القضائية المعنية، بهدف احتواء الصراع القضائي – المصرفي وتداعياته على المؤسسات والأسواق.
وفي حين تتجه الأنظار إلى تحركات “مصرف لبنان” ومجلسه المركزي الذي ينعقد دورياً منتصف كل أسبوع، لوحظ أن الإرباك في السوق يرتفع أيضاً على خلفية انكفاء السلطة النقدية عن اتخاذ أي تدابير جديدة في الأسواق، والاكتفاء بالتذكير يومياً بمواصلة المبادلات عبر منصة “صيرفة” بسعر 43.6 ألف ليرة للدولار، علماً بأن حجم العمليات تقلص بشكل حاد في أيام العمل الماضية، ليهبط من متوسط 50 مليون دولار إلى نحو 10 ملايين دولار يومياً، بسبب حصر الصرف برواتب القطاع العام.
ويوفر “المركزي” عبر “صيرفة” دولارات لموظفي القطاع العام وفئات أخرى ضمن سقوف محددة بسعر 43600 ليرة للدولار الواحد، رغم أن سعر الصرف في السوق السوداء بلغ الـ75 ألفاً.