على الرغم من الأهمية التي يكتسبها الشق السياسي من الازمة الراهنة، فان الأنظار تتجه هذا الأسبوع أولا الى ما يمكن اجتراحه من معالجات ولو ظرفية وموقتة لأزمة اضراب المصارف والصدام بينها وبين جهات قضائية.
وكتبت صحيفة “اللواء”: أفيد أنّ إجراءات ستُتّخذ من قبل وزارة المال ومصرف لبنان للجم ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء والعمل على خفضه الى ما دون 75 الف ليرة. وأشارت المعلومات الى أنّ مصرف لبنان ينتظر فكّ إضراب المصارف لكي يتمكّن من اتخاذ الإجراءات المنتظرة، علماً أنّ حاكم المصرف رياض سلامة دعا الى اجتماعٍ للمجلس المركزي بعد ظهر اليوم الاثنين، لمتابعة البحث في هذه الإجراءات التي كانت بُحثت مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.
وكتبت صحيفة ” الديار”: من المفترض أن يكون مطلع هذا الأسبوع مفصليا لحل الأزمة المصرفية، لأن خلاف ذلك يعني اننا مقبلون على انفجار في الشارع، في حال عدم تمكن الموظفين والمواطنين من تسيير أعمالهم وقبض رواتبهم نهاية الشهر الجاري. وتعي المصارف خطورة استكمال اضرابها، لذلك تراها تحاول التجاوب قدر الامكان مع المساعي التي يقودها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.
ورغم اعلان “جمعية المصارف” يوم أمس أنّ “الاخبار التي يتم تداولها عن قبول جمعية المصارف فكّ الإضراب يوم الغد (اليوم الاثنين)، هي أخبار مغلوطة ولا اساس لها من الصحة، وهي مستمرة في اضرابها حتى اعلانها خلاف ذلك”، رجح مصدر وزاري “فتح البنوك ابوابها قبل نهاية الشهر”، لافتا الى انه “ومع فتح المصارف أبوابها، تم الاتفاق على تدخل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة فورا للجم التحليق الحاصل في سعر الصرف وتأخير تخطيه عتبة الـ100 ألف قدر الامكان، لأن ذلك سيعني دخول مرحلة مالية جديدة أشد خطورة”.
تداعيات الدعاوى القضائية المرفوعة لا سيّما قضية تبييض الأموال التي تتابعها القاضية غادة عون”.مصادر مصرفية مطّلعة أكّدت لـ”نداء الوطن” أن تلك التطمينات بقيت “كلامية من دون أي أثر يذكر على أرض الواقع القضائي”، مشيرة الى “تعاون عدد من المصارف بتقديم معلومات عن المطلوب، لا سيّما كشف السريّة المصرفية عن حسابات وتحويلات رؤساء وأعضاء مجالس إدارات عدد من المصارف إضافة الى مدقّقي الحسابات فيها، ما أثار حفيظة بنوك أخرى رفضت التعاون بحجة فتوى قانونية تسمح لها بعدم كشف السرية بأثر رجعي”. وأوضح المصدر عينه الحملات التي شنت على عدد من المصارف “لا سيّما بنك لبنان والمهجر، باتهامات تواطؤ وتقديم معلومات سطحية على أمل تهوين المتابعات القضائية، مقابل الرفض المطلق لبنك عودة التعاون متذرّعاً بقراءة خاصة لقانون تعديل السريّة المصرفية”.في هذا الملفّ المنذر بتداعيات متفجرة، ربما سنشهد سلسلة مفاجآت لم تكن في الحسبان، الأولى ظهرت في بيان لجمعية المصارف الأسبوع الماضي تشير بوضوح الى “طلب معلومات بصورة رجعية عن شرائح كاملة من المجتمع ولا يقتصر الأمر على مصرفيين فقط، بل يشمل شرائح موظفين في القطاع العام”. المفاجأة الثانية أتت في كتاب قضائي موجّه الى بنك عودة وبنوك أخرى جاء على ذكر “التحقيق في القروض الممنوحة (من مصرف لبنان) لبعض المصارف في أواخر 2019 وبداية 2020، والمتعلقة بموضوع الهندسات المالية التي قام بها مصرف لبنان منذ العام 2016″. ما يعني حكماً أن التحقيقات لا تشمل فقط مبلغ 8 مليارات دولار منحها مصرف لبنان لعدد من البنوك بداية الأزمة وحوّلت إلى خارج لبنان، بل هناك ما يتعلّق بهندسات مصرفية كانت حصيلتها 12 مليار دولار أرباحاً و/أو تغطية خسائر منيت بها مصارف في فروعها الخارجية (تركيا ومصر…) آنذاك.المفاجأة الثالثة متعلّقة أيضاً بما جاء في بيان جمعية المصارف عن طلب معلومات عمّن يتعاطى الشأن العام. وعلى هذا الصعيد يكشف مصدر مصرفي واسع الاطلاع لـ”نداء الوطن” أن التحقيقات عند توليفها بشبهات خاصة بالمال العام “لا يمكن أن تقف أمامها أي سريّة مصرفية ولا أي حصانة وفقاً للتعديلات الأخيرة على قانون السريّة المصرفية”، مؤكداً أن أحد المصارف لا يتوانى عن التحذير (أو التهويل؟) من أن في القوائم أسماء عونية، منها من هو في عالم الأعمال والصفقات إضافة الى معنيين بتحويلات خارج لبنان فضلاً عمن استفاد من الهندسات المالية لا سيّما أحد المصارف المحسوبة على التيار الوطني الحر”، وهنا الحديث قد يتناول سيدروس بنك ورئيسه رائد خوري على سبيل المثال لا الحصر. أما في جانب طلب المعلومات من (وعن) مصرفيين ومصارف تعاطوا مع كبار المسؤولين في قطاعات الدولة مثل مجلس الإنماء والإعمار ومجالس وصناديق وإدارات عامة أخرى ووزارات مثل وزارة الكهرباء، فإن المصادر تبدي خشيتها من ذهاب الأمور في اتجاهات غير محسوبة “ما دفع بمصرفيين الى اللجوء الى قياديين في “التيار الوطني الحر” لتحذيرهم ممّا قد يكون في صندوق باندورا العجائبي إذا فتح”. وعلى صعيد متصل، أكد مصدر واسع الاطلاع أنّ “قيادياً كبيراً (ويرجح أن يكون جبران باسيل) قال للرئيس السابق ميشال عون إن القاضية غادة عون لا تردّ على أحد”، فردّ عليه الأخير: “ايه، يعني شو فيي أعملك؟!”.وعن التداعيات الأخرى ، تتعيّن الإشارة الى خلافات بدأت تتفاقم في جمعية المصارف بتسريبات واتهامات متبادلة منها طال أمس بنك لبنان والمهجر وعلاقته مع قيادات عونية، فضلاً عن علاقة رئيس الجمعية أيضاً سليم صفير بعدد من كبار العونيين. كل ذلك يتفاعل على نحو حثيث في الكواليس على خلفية قضية باتت متفجرة مع أسئلة مشروعة عن “إمكان كشف السريّة عن أسماء عونية كبيرة وما إذا كانت القاضية غادة عون ستكمل بملفاتها الى النهاية رغم ذلك… أم لا؟”.بالعودة إلى إضراب المصارف وعودة الدولار إلى تجاوز عتبة الـ80 ألف ليرة مساء أمس بعد تأكيدها الاستمرار في الإقفال، تختم المصادر بالإشارة الى أن البنوك لا تريد ردّ الودائع لأصحابها بحجة أن الدولة هي التي بدّدت تلك الودائع، ولا تريد أن ترفع أي قضية ضدها، وتريد من الدولة قمع المودعين المحتجين بعنف أمام فروعها او بيوت أصحاب بعض المصارف… هذه اللاءات والإملاءات المصرفية مشفوعة، بحسب مصادر موثوقة بتهديد لم يعد سرّاً بعدما ورد جلياً في بيان جمعية المصارف الأسبوع الماضي وفيه حرفياً مطالبة الدولة “بإقرار قانون معجل مكرر يلغي بشكل كامل وبمفعول رجعي السرية المصرفية، ويسمح للمصارف بمنح المعلومات المصرفية عن القيمين عليها وعلى جميع حسابات زبائنها، وذلك منذ تاريخ فتحها، إلى من يشاء من السلطات القضائية وغيرها”. ما يعني بكلمات أخرى “كلنا يعني كلنا”!
وكان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اكد في مقابلة مع شاشة “القاهرة الإخبارية” امس أن كل الأزمات تم ترجمتها بارتفاع سعر صرف الدولار تجاه الليرة اللبنانية وأن الأزمة السياسية التي يعيشها لبنان في الفترة الحالية لم تساعد في إيجاد حلول سريعة للاقتصاد اللبناني. واعتبر ان المصرف المركزي ليس سبب الأزمة لكن تحويل الأنظار إليه جعله “كبش محرقة”، كما إن الدولة خلقت العجز الذي راكم الديون من خلال الموازنات.