جاء في صحيفة “نداء الوطن”:
تقدّم النواب فؤاد المخزومي، ميشال معوّض، سامي الجميّل، وضّاح الصادق، مارك ضو، أديب عبد المسيح وأشرف ريفي، بصفتهم الخاصة كمودعين، بواسطة وكلائهم القانونيين، بمراجعة إبطال امام مجلس الشورى لقرار مجلس الوزراء رقم 22 الصادر في 18 نيسان 2023، الذي طلب فيه من مصرف لبنان إتخاذ الإجراءات الضرورية والمناسبة لإلزام المصارف بسقف السحوبات المتاحة للمودعين ( سحباً أو تحويلاً) وفقاً للتعاميم ذات الصلة. كما تقدموا بمراجعة إبطال ثانية ووقف التنفيذ للتعميم الاساسي 165 الصادر عن مصرف لبنان. جاء في المراجعة الثانية التالي:
في الوقائع: ماذا جاء في التعميم؟
بتاريخ 19 نيسان 2023 أصدر حاكم مصرف لبنان القرار الاساسي 13548 موضوع التعميم الاساسي رقم 165، الذي قضى بفتح حسابات جديدة لدى مصرف لبنان بالليرة اللبنانية والدولار تكون مخصّصة حصراً لتسوية التحاويل الالكترونية ولتسوية مقاصة الشيكات والبطاقات بالأموال المسمّاة “الأموال النقدية”، والتي عرفها مصرف لبنان بأنّها الأموال التي تلقّتها وتتلقاها المصارف بعد تاريخ 17 تشرين الثاني 2019، إمّا عن طريق إيداعات نقدية، وإمّا عن طريق تحويلات من الخارج.
الحسابات الجديدة ستسري عليها قواعد مختلفة، إذ سيتمّ إصدار دفاتر شيكات خاصة تُستخدم حصراً للسحب منها مضافاً اليها كلمة “Fresh” باللون الأخضر لتمييزها عن الشيكات الأخرى التي ستظلّ تُستخدم لتصفية الودائع القديمة.
وسيقوم مصرف لبنان بإجراء عمليات مقاصة يومية للشيكات الجديدة بشكل منفصل، لتصبح هي عماد الحركة الاقتصادية المتجاوزة لتركة الماضي، وسيكون هناك طلب من شركة “سويفت” العالمية إضافة رمز تعريفي إضافي للأموال الجديدة (DLP) لتمييزها عن الودائع القديمة، وسيتمّ إصدار بطاقات جديدة للدفع والتعامل بها سيكون مختلفاً تماماً في نقاط البيع.
ويتعرض المصرف الذي لا يوفر المؤونة الكافية لاتمام عمليات التسوية والمقاصة لتطبيق أحكام القانون رقم 2/67 تاريخ 16/1/1967 اضافة الى الزامه بدفـع تعويض، بمثابة بند جزائي لا يقل عن مليار ليرة لبنانية.
في القانون: تمييز بين ودائع قديمة وجديدة
القرار الأساسي لحاكم مصرف لبنان رقم 13548 تاريخ 19 نيسان 2023 يقيم عملياً من دون ان يسميها صراحة “منطقة مصرفية حرة” لدى المصارف، يتمتع فيها المودعون بعد تاريخ 17 تشرين الثاني 2019 باستعمال الأموال الجديدة بالليرة اللبنانية وبالعملات الاجنبية نقداً أو بتحويلات مباشرة من الخارج بالنسبة للعملات الاخيرة بكامل الحرية، باستخدامها بكافة الخدمات المصرفية على عكس اصحاب الودائع قبل تاريخ 17 تشرين الثاني 2019.
هذا الامر غير قانوني إذ لا يصح بقرار إداري ولا حتى بقرار من مجلس الوزراء بل يتطلب قانوناً خاصاً على غرار ما حصل بمشروع القانون المحال الى مجلس النواب بالمرسوم 8083 تاريخ 29 أيار 1974، والذي وضع موضع التنفيذ بالمرسوم رقم 9976 تاريخ 1 نيسان 1975، والذي انشأ “منطقة مصرفية حرة” خاصة بودائع غير المقيمين بالعملات الاجنبية وأعفيت بمقتضاه المصارف من تكوين الاحتياطي الالزامي على هذه الودائع.
أيضاً سبق للمشرع ان تعرض لمسألة التمييز بين الودائع في مجال تاريخ ورودها الى المصارف بعد تاريخ معين، فقضى بتمايز بمعدلات تكوين الاحتياطي الالزامي المقابل لدى مصرف لبنان بنص قانوني واضح هو نص الفقرة 5 من المادة 76 من قانون النقد والتسليف، ليقينه ان الامر يتطلب هكذا نص، ولا يمكن البت به بقرار إداري من مصرف لبنان او حتى من قبل مجلس الوزراء كما حصل بالتعميم الاساسي رقم 165.
الحاكم يناقض نفسه بشأن إعادة تكوين الودائع
التعميم الاساسي رقم 165 يناقض ويقضي على فكرة إعادة تكوين ودائع ما قبل تاريخ 17 تشرين الثاني 2019 بالعملات الاجنبية، والتي اشار الحاكم الى ان العمل جار عليها لأول مرة في مقابلة تلفزيونية في شهر آب 2021 لتطمين المودعين على ودائعهم، بعد ان كان يعلن قبل هذه المقابلة ان الودائع بخير وهي موجودة لدى المصارف!!
أيضاً يعتبر التعميم 165 ضربة حاسمة لا بل قاضية للقطاع المصرفي سنداً لكتابات Diamond و Dybvig و Ben Bernenke الحائزين على جائزة نوبل للاقتصاد في مطلع السنة الجارية، لابحاثهم عن تفاقم الازمات المالية. فقد ركزوا على اهمية استمرار استقبال المصارف للودائع الجديدة اذ هي الاداة التي تعالج من خلالها الهشاشة في سيولتها المتأتية من عدم تطابق آجال الودائع والقروض، خصوصاً في وقت الازمات. فالقروض التي تمنح او سبق منحها تتطلب استقبال ودائع جديدة باستمرار للتمكن من تلبية طلبات سحب الودائع القديمة. وقد أتى التعميم الاساسي 165 ليقضي على المرتجى والمبتغى من هذه الامكانية (أي إمكانية إعادة تكوين ودائع ما قبل تاريخ 17 تشرين الثاني 2019)، بقطع السبيل امام استعمال الودائع الجديدة بالعملات الاجنبية ولو بجزء منها لتوفير السيولة للسحب من الحسابات القديمة بهذه العملات، بدلاً من ان يتم هذا الامر بما يجري راهناً من استعادة ما تيسر من الاحتياطي الالزامي بالعملات الاجنبية لدى مصرف لبنان أو بليلرة الزامية كاملة او جزئية للسحوبات ومخالفة للقانون. وهذا يعتبر تذويباً وقضاء على المتبقي من الحسابات ما قبل تاريخ 17 تشرين الثاني 2019 بقرار إداري إرادي في منتهى الخطورة، يخالف بشكل صارخ وفجّ ما هو منصوص عليه في الدستور من حماية الملكية الخاصة ومن مساواة بين المواطنين وحماية الاقتصاد الحر، قبل ان يكون مخالفاً لموجبات مصرف لبنان بالحفاظ على القطاع المصرفي وودائع الناس لدى هذا القطاع حسب منطوق المادة 70 من قانون النقد والتسليف التي استند اليها القرار الاساسي موضوع تعميم مصرف لبنان الاساسي رقم 165.
مقاصّة الشيكات بالدولار غير قانونية
إن إقامة مقاصّة للشيكات بالعملات الاجنبية وتحديداً بالدولار لدى مصرف لبنان أمر لا يتوافق لا مع قانون النقد والتسليف ولا مع القانون 133 لعام 1999 واسبابهما الموجبة.
فالأول ينص في المادة 10 منه على منح مصرف لبنان امتياز اصدار النقد اللبناني. وإدارة مقتضيات هذا الامتياز ومتطلباته بما فيها انشاء وادارة غرف للمقاصة سنداً للمادة 80، غايتها ان تسهل للمصارف تسديد الشيكات المسحوبة على صناديقها الكائنة في منطقة المركز الرئيسي لمصرف لبنان وفروعه بالشيكات المحررة بالليرة اللبنانية حصراً. باعتبار ان مقاصة الشيكات الصادرة بالعملة الاجنبية لا تعتبر من متطلبات الامتياز الذي منح لمصرف لبنان ولا لأي مصرف مركزي في الزمن الراهن. ما يعني ضرورة وجود نص قانون خاص ينظم بشكل صريح تسوية ومقاصة المدفوعات بالعملات الاجنبية، وهذا ما هو غير حاصل في لبنان.
أيضاً لا الاسباب الموجبة ولا نص القانون 133 يشيران لا من قريب ولا من بعيد الى مقاصة الشيكات بالعملات الاجنبية، ولا يجوز بأي حال من الاحوال تفسير نصوص الاخير لجعلها تشمل التحاويل وأوامر الدفع والشيكات بالعملات الاجنبية. لأن المشرع لو اراد لنَصّ على ذلك بوضوح كما فعل في عدد من مواد قانون النقد والتسليف، عندما اشار صراحة الى العملات الاجنبية في المادة 81 وما يليها وفي تعديل المادة 76 الفقرة د وغيرها…
الليرة تبرّئ الذمّة… أليس كذلك؟
إن إنشاء مقاصة بالدولار المحلي يتعارض مع تفسير مصرف لبنان المعروف للمادة 7 من قانون النقد والتسليف والذي يقضي بأن تجري جميع المدفوعات المبرئة بالذمة محلياً، بالليرة اللبنانية. ومضمون التفسير المحكي عنه يتطلب ان تجرى جميع التحاويل وأوامر الدفع والشيكات المبرئة للالتزامات المحلية بالليرة اللبنانية، على ان تحول الالتزامات بالعملات الاجنبية الى العملة الوطنية قبل عرضها للايفاء والسداد محلياً، ما يلغي الحاجة، حسب تفسير مصرف لبنان للمادة 7 من قانون النقد والتسليف، الى المقاصة بالعملات الاجنبية.
لسنا مثل الصين وألمانيا وإنكلترا
إن إنشاء المقاصات بالعملات الاجنبية تقوم عادة على فكرة تعزيزها او اطلاقها العمليات التجارية وحتى المالية خارج الحدود، كما حصل باطلاق مراكز مقاصة اليوان الصيني في كل من ألمانيا وإنكلترا بمقتضى اتفاقيات خاصة بين المصرف المركزي في كلا البلدين الاخيرين مع المصرف المركزي الصيني. وهذا ما هو ليس متوافراً في لبنان فلا اتفاقية خاصة مع الولايات المتحدة الاميركية قد عقدت، بدليل خلو اسباب القرار الاساسي لحاكم مصرف لبنان رقم 13548 تاريخ 19 نيسان 2023 من اية اشارة الى هكذا اتفاقية، وايضاً لعدم وجود عمليات تجارية او مالية وازنة بين لبنان والولايات المتحدة الاميركية تبرر وجود مقاصة بالدولار في لبنان، كما هو الامر بالنسبة لحالتي إنكلترا وألمانيا مع الصين.
المخاطر في طريقة فصل البنك الى قسمين
إن مخاطر التعميم الاساسي رقم 165 واضحة في كارثيتها فهي:
i. تستبعد الحلّ الصحيح من خلال تعويم المصارف بطريقة مشوهة بقسمة كل مصرف الى قسمين متمايزين: الاول جديد ويتعامل بالودائع ما بعد تاريخ 17 تشرين الثاني 2019 ويطلق عليه تسمية Good Bank والثاني قديم ويتعامل بتصفية وتذويب الودائع ما قبل تاريخ 17 تشرين الثاني 2019 ويطلق عليه تسمية Bad Bank.
والطريف ان الادارة التي اسقطت الـ Bad Bank هي ذاتها التي تتولى تسيير شؤون الـ Good Bank على نحو مناقض ولا مثيل له في الترتيبات التي اعتمدتها بعض الدول، لجهة التمييز السابق بين Good Bank و Bad Bank حيث اوكلت ادارة وتسيير امور الـ Good Bank الى مديرين جدد لا الى المديرين السابقين أنفسهم.
والتقسيم السابق يظهر على كل حال وكأن اصحاب ودائع ما قبل تاريخ 17 تشرين الثاني 2019 هم مودعون سيئون bad depositors، والحقيقة انه لم يكن لديهم اي دور بالكارثة سوى تصديق ما كان حاكم مصرف لبنان يردده باستمرار بان الليرة بخير، وبأن المصارف سليمة، وتعمل بأعلى معايير الحوكمة الرشيدة والاحتراز، وبأن الفوائد التي تدفع غير مغالى فيها وتتماهى مع المعدلات التي تدفع في دول في المنطقة مثل مصر وتركيا.
سوف ينقضّ عليها مثلما انقضّ على غيرها
ii. تعرّض الودائع الدولارية الجديدة المجمعة مرة ثانية لدى مصرف لبنان، بحجة لزوم عمليات المقاصة بالدولار، لخطر الذوبان إذ يجعلها عرضة للانقضاض عليها من قبل الاخير والتصرف بها عند اول سانحة من دون اي رقيب او حسيب او ضمان، كما فعل وما زال يفعل مع الاحتياطيات (التوظيفات الالزامية) بالعملات الاجنبية لديه وايضاً من دون اكتشاف الامر الا بعد مدة من الزمن، كما حصل في الازمة الحالية حيث تأخر اكتشاف انّ الدولارات الموجودة في النظام المصرفي هي من قبيل ودائع اللولار لحين اندلاع الازمة.
تعريض البلاد لمخاطر العزل المالي العالمي… والعقوبات
تعريض البلاد لمخاطر جسيمة لا طاقة لها لتحملها من كشفها امام امكانية فرض العقوبات عليها انتهاء بالاقصاء عن النظام المالي العالمي بسبب السماح بالتعامل وبتسوية المدفوعات بالدولار، من خلال مقاصة محلية من دون المرور بالنظام الاميركي عبر المصارف المراسلة، اي من دون رقابة خارجية على حركة الاموال بالعملات الاجنبية وشرعيتها، ما من شأنه تسهيل تبييض اموال المخدرات والفساد وعوائد الجريمة المنظمة وغيرها… خصوصاً بعد رواج صورة لبنان خلال السنوات الاخيرة كمرتع لتجارة المخدرات ومقر لتبييض الاموال وإحدى منظماته مدرجة على لوائح الجريمة المنظمة دولياً ولوائح مماثلة لعدد كبير من الدول.
والمؤسف في الموضوع أن هناك اصواتاً ارتفعت مساندة للتعميم 165 على اساس انه يخفف من التوسع باستعمال الكاش، ما يؤدي الى ابعاد خطر وضع لبنان في المنطقة الرمادية من قبل السلطات الدولية المعنية بمكافحة تبييض الاموال، ويسهم في تدني الضغوطات التضخمية وتخفيف الاضطرابات في سعر الصرف… أمر يذكر بالمادتين الشهيرتين 70 و174 التي ركز مصرف لبنان على الاستناد اليهما في جميع التعاميم التي اصدرها بعد اندلاع الازمة. والاولى تتعلق بدوره في تحقيق سلامة النقد والقطاع المصرفي، والثانية بدوره في توفير حسن علاقة المودعين بالمصارف والحفاظ على سيولة المصارف وملاءتها، وكل الامور السابقة لم تتحقق بعد صدور تعاميم مسندة الى المادتين 70 و174 بل بالعكس تدهورت الاحوال بشكل حاد ومريع وحصل عكس المرتجى.
أما لجهة القول إن التعميم 165 من شأنه ان يجنب وضع لبنان في المنطقة الرمادية فالعكس هو الصحيح. ذلك ان استعادة اموال الكاش الى النظام المصرفي هو في الحقيقة اعادة الى وضع يقر فيه العاملون على خطط التعافي الحكومية، بوجود ما يفوق الخمسة مليارات دولار اموالاً غير نظيفة سيتم تنزيلها من قيمة الودائع الملحوظة التخطيط لدفع قيمتها. وهذ الوضع هو الذي ادى قبل ذلك الى تصفية مصرفين أدينا بالتعامل بأموال غير نظيفة والادانة صدرت بداية من الخارج من السلطات الاميركية المختصة. ما يؤكد أن الحجة المطروحة لأهمية التعميم 165، بحصره عمليات المقاصة بالعملات الاجنبية داخلياً، يحفظ لبنان من العقوبات الدولية ذات الصلة بعمليات تبييض الاموال الملوثة وتسويد اموال الارهاب هي حجة زائفة. والصحيح والسليم هو ان تتم المقاصة الآنفة الذكر اصولاً اي عبر المصارف المراسلة او عبر آلية محلية يتم الاتفاق عليها مع السلطات الاجنبية المعنية توفر السلامة والرقابة المطلوبتين.
جدير بالذكر ان الادارة الاميركية والمحاكم الاميركية متوافقة على ضرورة مرور كل عملية بالدولار بالنهاية في غرفة مقاصة قائمة على الارض الاميركية او خاضعة لاشرافها في الخارج، للتأكد ليس فقط من توافر السيولة eligibilite بل ايضاً من توافر الشرعية Legitimite بمنظور القانون الاميركي، وعلى فرض العقوبات بالاستناد الى تفسير مكثف للغاية لمعيار الارتباط الإقليمي من خلال الدولار.