كتب لوسي بارسخيان في صحيفة “نداء الوطن” أن النائب ياسين ياسين بواسطة رئيس مجلس النوّاب، وجّه سؤالاً إلى حكومة تصريف الأعمال، ولا سيّما رئيسها نجيب ميقاتي ووزير الاتّصالات فيها جوني القرم، يستوضح من خلاله أسباب تخلّف وزارة الاتّصالات حتى الآن عن تفعيل نتائج التلزيم الذي نظّمته شركة “ألفا” لمزوّدي خدمة تطبيق الرسائل النصية القصيرة (SMS) والذي يعرف بتطبيق (application to person) A2P، بعدما رسا هذا الإلتزام مؤقتاً على شركة VOX SOLUTIONS، بمجموع إیرادات بلغ 17 مليوناً و900 ألف يورو على فترة ثلاث سنوات، وفقاً للنتائج التي أعلنت منذ 15 حزيران الماضي.
وتابعت…
في السؤال الذي طرحه ياسين، طلب من الحكومة أيضاً إيضاحات عن المسوّغ الذي جعل وزارة الاتّصالات تمتنع عن تنظيم مزايدة مشابهة تتعلّق بالرسائل النصية العائدة لمشتركي شركة “تاتش”، وعن ذرائعها لتجزئة هذا الالتزام، بعدما فرّقت الوزارة وفقاً لسؤال ياسين بين الرسائل النصية العائدة لشركة “ألفا” وتلك العائدة لـ”تاتش”.
وأثار ياسين في سؤاله شكوكاً حول إمكانية أن تكون وزارة الاتّصالات قد وقّعت عقداً بالتراضي لتلزيم الخدمة من خلال شركة “تاتش”، من دون مراعاة الأصول القانونية التي تلزم الجهة الشارية عرضه على هيئة الشراء العام. وذلك بعدما عاد إلى ما أثير في السابق، إعلامياً من شبهات لفّت صفقة تلزيم أطلقتها “تاتش” قبل صدور قانون هيئة الشراء العام، أُعلن على أثرها فوز شركة IN MOBILE، قبل أن تقرّر وزارة الاتّصالات دراسة خيارات إعادة المزايدة أو ترسيتها على ثاني أعلى الأسعار، إثر الاعتراضات التي سجّلت حينها على النتيجة، والتي كشفت أن المعلومات التي قدّمتها IN MOBILE لم تكن دقيقة.
ما يثير الاهتمام في سؤال ياسين، أنه يتعلّق بصفقة، يفترض أن توفّر واردات “سهلة” بالـ FRESH DOLLAR لخزينة الدولة، شرط أن يتحلّى المعنيون بمسؤولية توقيع العقود التي تحقّق هذه المصلحة، بدلاً من السعي لسدّ العجز الذي تشكو منه في هذا القطاع من جيوب المواطنين من دون تأمين التحسينات المطلوبة في الخدمة.
ولفهم الأمر لا بدّ من التعرّف أولاً الى ماهية هذا الالتزام الذي أنجز قانونياً بالنسبة إلى شركة “ألفا”، ولكنّ تنفيذه متوقّف على قرار بتوقيع العقد النهائي بين الطرفين.
بحسب سؤال ياسين “فإن وزارة الاتّصالات هي المستفيدة من صفقة هذه الخدمة عبر شركتي “ألفا” و”تاتش”، كون التطبيق يشكّل مصدر دخل لخزينة الدولة”. بينما عدم توقيع عقد “ألفا” مع الشركة الفائزة، أو التأخّر بتوقيعه وفقاً لما شرحه، “يشكّل هدراً للمال العام، ومن شأنه أن يؤدي الى نتائج سلبية على القطاع، ويضيّع مداخيل إضافية على خزينة الدولة”.
تفاصيل التلزيم والخدمة
يشرح مصدر مطلع لـ”نداء الوطن” أن الخدمة التي جرى تلزيمها عبر شركة “ألفا” تتعلّق بالرسائل القصيرة الواردة من التطبيقات. ففي العادة، لا يتقاضى المشغّل أي رسم على الرسائل القصيرة الواردة الى عملائه. إلا عندما تكون هذه الرسائل واردة من التطبيقات، كفايسبوك، تويتر، إنستغرام، وغيرها من مئات التطبيقات، فهذه ترتّب على المرسل كلفة يجب أن يسدّدها للمشغّل، وهناك شركات قادرة على لعب دور الوسيط بين المشغّل ومزوّدي التطبيقات من أجل إدارة هذه الخدمة.
هؤلاء يعملون بموجب عقود يسعون للاستحصال عليها عبر المشاركة في صفقات تلزيم يتنافسون فيها على تقديم سعر أعلى بالنسبة للجهة المشغّلة. إلا أن هذا العقد لا يفعّل إلا بعد توقيعه، وبالتالي فإنّ عدم توقيعه يعني حتماً خسارة الدولة المداخيل التي يمكن أن توفّرها هذه الصفقة.
إذاً منذ 4 تموز الماضي، تاريخ انتهاء “فترة التجميد” الملزمة التي دخلها الإلتزام المؤقت بناء لقانون هيئة الشراء العام، لا معلومات واضحة حول ما آل إليه عقد صفقة التلزيم التي جرت بين “ألفا” و VOX SOLUTIONS. فحتى الآن لم يجرِ الإعلان عن توقيع العقد أو تفعيله. بينما يوضح ياسين في سؤاله “أن الجهة الشارية لم يعد بإمكانها أن تلغي الشراء، إلا لأسباب محدّدة حصراً في الفقرة الأولى من المادة 25 من قانون الشراء العام وهي:
عندما تجد الجهة الشارية ضرورة إحداث تغييرات جوهرية غير متوقعة على ملفات التلزيم بعد الإعلان عن الشراء.
عندما تطرأ تغييرات غير متوقعة على موازنة الجهة الشارية.
عندما تنتفي الحاجة لموضوع الشراء نتيجة ظروف غير متوقّعة وموضوعية وعندها لا يعاد التلزيم. وهذه الأسباب لا يبدو أنها متوفّرة في حالة التلزيم الراهنة وفقاً لياسين.
إن إتمام “ألفا” الصفقة كما هو مطلوب، لا يزيل في المقابل علامات الاستفهام التي يطرحها المطلعون على الملف، عن سبب تمنّع وزارة الاتّصالات عن وقف التجزئة بين “ألفا” وتاتش”، لتتوجّه إلى عقد صفقة واحدة تلزم الخدمة للمزوّد الذي يقدّم السعر الأعلى بالنسبة لجميع مستخدمي شبكة الهاتف الخليوي والمستفيدين من خدمة الرسائل النصية.
السؤال يبدو مشروعاً، خصوصاً أنّ وزارة الاتّصالات لم تتمكّن حتى الآن من نزع الشبهات التي أثيرت حول صفقة “تاتش” السابقة. في وقت تؤكد المصادر أنّ ربط التلزيم بعقدين بدلاً من عقد، خفّض حتماً من قيمة العروضات التي قدّمتها الشركات التي أبدت اهتماماً بالنسبة لالتزام هذه الخدمة.
علامات الاستفهام هذه تتناغم مع الإيضاحات التي طلبها ياسين في سؤاله أيضاً، والتي يفترض أن يجيب وزير الاتّصالات والحكومة عنها خلال 15 يوماً على أبعد تقدير. الأمر الذي يفترض أن يبيّن بالمقابل، عمّا إذا كانت “تاتش” قد وقّعت عقداً رضائياً لم يكشف عنه.
وهذه مسألة إذا حصلت فستثير وفقاً للمطلعين الكثير من البلبلة، خصوصاً أنّ السعر الأعلى الذي قدّمته شركة IN MOBILE التي فازت بالصفقة مع “تاتش” حينها، قبل أن يجمد قرار ترسيتها، بلغ 7.37 مليونات دولار، أي بفارق يفوق العشرة ملايين دولار عن السعر الذي فازت به شركة VOX SOLUTIONS بالتزامها مع شركة “ألفا”.
بينما عدد مشتركي “تاتش” وفقاً للمصادر هو أعلى بكثير من مشتركي “ألفا”. وهذا ما سيطرح التساؤلات وفقاً للمطلعين حول الدافع الذي يجعل الدولة توقّع عقداً بهذه القيمة إثر صفقة لفّتها شبهات التزوير والفساد، بينما هي قادرة على تأمين إيرادات تفوقها بأضعاف من خلال صفقة شفّافة تجري وفقاً لقانون هيئة الشراء العام.
ولكن الأسوأ بالنسبة للمصادر المطلعة أن تخسر الدولة المداخيل التي يمكن أن تتوفّر من خلال تطبيق application to person، بسبب سياسة المماطلة التي تبقي الملف في الأدراج منذ نحو عام تقريباً.
بالنسبة للمطلعين كل تأخير فيه خسارة. ولذلك المنتظر بعد الاستماع الى إجابات الحكومة ووزارة الاتّصالات، تفعيل عقد ترسية شركة VOX SOLUTIONS، بموازاة إطلاق مزايدة مشابهة بالنسبة إلى شركة “تاتش” طالما أنّ وقف التجزئة لم يعد متاحاً، مع الحرص على تقديم مصلحة الدولة وخزينتها التي هي بأمسّ الحاجة لهذه الأموال الطازجة، بدلاً من الاستمرار بهدر أموال هذا القطاع الذي بات مثقلاً بملفات الهدر والفساد في إدارته.