خطوة مهمّة لمنصوري تعيد للبنان صحته الاقتصادية
نعم هنا يبدأ الطريق لإعادة صحة الاقتصاد، إعادة الودائع او ما تبقّى منها إلى اصحابها أمر أساسي في بناء اقتصاد جديد، لأنّ هؤلاء هم القوة المحرّكة للاقتصاد، هم من أقاموا المشاريع وحقّقوا إنجازات وخلقوا فرص إنتاج ولكنهم جُرّدوا من إنجازاتهم.
ولكن حين سيستعيد هؤلاء المودعون ودائعهم، نتوقع انّهم لن يعودوا الى حيويتهم السابقة، وسيكونون حذرين ومتردّدين في القيام بأي استثمار مجدداً، فلن تكفي إعادة الودائع او ما تبقّى منها لكسب ثقتهم مجدداً، بل انّ إعادة الودائع يجب ان تقترن بخلق أجواء تشجع على الاستثمار عبر قوانين صحيحة، وإلغاء القوانين الحقيرة وإلغاء الضرائب الحمقاء التي تضرّ بالاستثمار. فعلينا ان نتذكّر دائماً انّه يجب ان نبدأ بتحفيز الانتاج والنمو وبعدها نفرض ضرائب وليس العكس (الضرائب ضرورية ولكن يجب إبقاؤها في أدنى مستوى ممكن وسنشرح ذلك في مقال لاحق)، بالإضافة الى ذلك اعتماد إجراءات ادارية فعّالة، والأهم اعتماد الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة.
سعادة الحاكم، لست في حاجة إلى انتظار القوانين للمباشرة في إعادة الودائع او ما تبقّى منها لأصحابها، يمكنك ان تبدأ الآن. والخطوة الاولى للقيام بذلك هي الإجابة عن الاسئلة التي لطالما وجّهناها إلى المصارف لإظهار الواقع المالي لكل مصرف:
1- كم كانت قيمة الودائع في ذمته في 17 تشرين 2019؟
2- ما هو القسم من هذه الودائع الذي كان في ذمّة المصرف ولكنه مودع في المصرف المركزي؟
3- كم أرجع المصرف المركزي منها وفي أي تواريخ؟ كم أعطاه المصرف المركزي من فوائد؟
4- كم تقلّصت الودائع منذ التاريخ المشؤوم حتى اليوم، عن طريق الوسائل الملتوية التي اعتمدتها المصارف خلال هذه الفترة وبمباركة المصرف المركزي؟
كل هذه الاسئلة لا تطاولها السرّية المصرفية، وهذه المعلومات يجب ان تتمّ مقارنتها بالحسابات الموجودة في المصرف المركزي للتأكّد من مطابقتها.
بعد التحقّق من هذه المعلومات نكون قد قسّمنا الودائع الى قسمين: قسم تبقّى في المصارف والقسم الذي استحوذ عليه المصرف المركزي، وهو مسؤوليته ومسؤولية الدولة.
وعندها نأمل ان يستعمل الحاكم صلاحياته ليفرض على المصارف إعادة ما تبقّى من الودائع حالاً، ولا يسمح لهم ان يستمروا في تقليصها.
المرحلة الثانية هي إعادة القسم التي اخذته الدولة وهدرته. وتستطيع القيام بذلك عبر بيع الأراضي التي ليس لها اي جدوى اقتصادية، فمثلاً اراضي سكك الحديد البحرية يجب بيعها، بغض النظر عن الأزمة، وذلك لتحسين وتطوير الشاطئ اللبناني والاستفادة منها اقتصادياً، وخصوصاً انّ إنشاء قطار جديد على الخط القديم نفسه غير ممكن تقنياً وبيئياً، بالاضافة الى طرق أخرى سنشرحها في مقال لاحق.
ونعتقد انّ المصارف باتت قادرة على إعادة كافة الودائع التي في ذمّتها للناس، وسنعطي مثالاً لتوضيح الفكرة:
1- مودع لديه حساب 500 الف دولار، اي له في ذمّة المصرف 500 الف دولار والمصرف يملك هذا المبلغ كاملاً.
2- أخذ المصرف المركزي 100 الف دولار من الوديعة، لدى المودع حساب 500 الف دولار ولكن المصرف يملك 400 الف دولار من الوديعة.
3- اضطر المودع الى ان يعطي شيكاً بقيمة 100 الف دولار مقابل 15 الف دولار، فأصبح لدى المودع 400 الف دولار بعد اقتطاع قيمة الشيك، ولكن المصرف بات يملك 385 الف دولار من قيمة الوديعة (اي 100 الف دولار هُدرت في المصرف المركزي و15 الف دولار مقابل الشيك 100 الف دولار).
4- اضطر المودع الى شيك 100 الف دولار آخر، فباتت وديعته بقيمة 300 الف دولار، والمصرف بات لديه 370 الف دولار (اقتطاع اضافي بـ 15الف دولار مقابل الـ100 الف)
5- اذاً، المودع له في ذمّة المصرف 300 الف دولار كما يُظهر حسابه، ولكن المصرف يمتلك 370 الف دولار، من دون الـ 100 الف دولار التي كانت لدى المصرف المركزي، وبالتالي بات المصرف يستطيع إرجاع وديعة الـ 300 الف دولار كاملة ويتبقّى لديه 70 الف دولار. لذلك، نشدّد على انّ المصارف قادرة على إعادة الودائع من دون حاجة الى المصرف المركزي والحكومة، لأنّها حققت ارباحاً نتيجة هذه الوسيلة وغيرها.
بالطبع هذه ارقام خيالية، ولكن الواقع أفظع من ذلك، إذا احتسبنا الارباح التي حُقِقَت من هذه الوسيلة وطرق اخرى، مثل السحب على سعر صرف غير واقعي، وعدم دفع فوائد على الودائع وإبقائها على الديون، وعمولات عجيبة على كل سحب وتحويل وحساب فريش، بالإضافة الى منصّة صيرفة… الخ، نستنتج انّ المصارف حققت ارباحاً، وقادرة على إعادة ما تبقّى من الودائع من دون حاجة الى المصرف المركزي، وتبقى ارباحها حتى بعد إعادة الودائع. وبالطبع، الكشف على حسابات كل مصرف لتبيان واقعه المالي الحقيقي يحدّد كل ذلك.
نتمنى عليك، سعادة الحاكم، اتخاذ إجراء جدّي والتعامل بحزم مع المصارف لكشف كل الاوراق وإعادة الحقوق لأصحابها، عملاً بمبدأ الشفافية التي ناشدنا في مقال سابق ان تكون أساس عمل المصرف المركزي.
إعادة الودائع بالسرعة المطلوبة واعتماد الشفافية سيؤكّدان اننا انتقلنا الى عهد جديد من حاكمية المصرف المركزي.
فادي عبود – الجمهورية