موسم التفاح… وسِباق مع تصريف الإنتاج
يصارع المزارعون في هذا الزمن الصعب من أجل الحفاظ على أشجارهم المثمرة التي تعبوا في تربيتها، رغم الغلاء الذي أصاب أسعار المحروقات والمبيدات فانعكست زيادة في تكاليف الإنتاج، ليواجهوا عند موسم القطاف وجني الثمار تدنّي الأسعار ومقاسمة تعبهم مع التجّار.
تتجدّد معاناة المزارعين في مثل هذا الوقت كل عام، ولا سيّما مزارعي التفاح، واقفين على إطلالة الموسم يفكّرون في سبل تصريف الإنتاج خوفاً من كساده بعد مسيرة أشهر حافلة بالتعب والتكاليف المرتفعة التي تكبّدوها في سبيل الحفاظ على أشجارهم وثمارها، وباتت قضيتهم قضية مواجهة وتحدٍّ من أجل البقاء والصمود، وتمثّل معاناة عدد كبير من مزارعين آخرين على اختلاف إنتاجهم.
يبدأ شهر أيلول كل عام ويبدأ معه مزارعو التفاح سباق تصريف إنتاجهم، همٌّ محفوف بالخوف من عدم القدرة على التسويق والتصريف نظراً للإنتاج الكبير على امتداد الأراضي اللبنانية، وعجز السوق المحلية عن الاستهلاك، خصوصاً في هذا الزمن الاقتصادي الصعب الذي يفضّل فيه الناس شراء الطعام والشراب وتأمين المونة الشتوية وأقساط المدارس على شراء الفواكه، ليقع معها المزارعون ضحية السماسرة والتجار الذين يقاسمونهم تعبهم، مع «تربيحهم جميلة» ضمان وشراء المواسم، في وقتٍ يصل المزارع إلى نهاية الموسم وقد أنهكت مطرقة الإنتاج والتكاليف المرتفعة جيبه، ولا يمكن للسعر مهما علا أن يعوّض تعبه ويدرّ عليه الربح.
همومٌ وتحدّيات كبيرة تواجه المزارعين منذ بدء الموسم أوائل الربيع حتى منتصف شهر تشرين، تبدأ مع أسعار المبيدات الغالية التي تباع بالدولار، وأسعار المازوت لتشغيل آبار الريّ، ولا تنتهي بتكلفة اليد العاملة للقطاف، وأسعار أقفاص البلاستيك والكرتون، وأجرة النقل وبرّادات التوضيب التي تحتضن التفاح حتى نهاية شهر آذار، وعليها يعقد المزارعون آمالهم في البيع بأسعار تعوّض عليهم ما دفعوه مقابل تبريد التفاح كل هذه الفترة.
مئات الأطنان من التفاح التي ينتجها البقاع الشمالي وحده موزّعة على بلدات: القاع، دير الأحمر، عيناتا، بشوات، اليمونة، دار الواسعة، النبي عثمان، حام، معربون، وغيرها من المناطق البقاعية التي امتهن أبناؤها الزراعة منذ عشرات السنين، ولا يزالون يحافظون عليها، متمسّكين بها رغم كل الظروف القاهرة التي تواجههم، في وقت تخلّت الدولة عنهم وتركتهم لمصيرهم من دون أدنى دعم، سوى ما وزّعته وزارة الزراعة العام الفائت بتمويل من منظمة «الفاو»، وبدأت هذا العام إعداد سجل للمزارعين في الوزارة، لتنظيم وإحصاء أعدادهم من أجل توفير بعض المساعدات التي قد تحصل عليها من المنظمات المانحة، كذلك بدأت باستقبال طلبات استصلاح أراضٍ في مكاتب المشروع الأخضر المنتشرة على جميع الأراضي اللبنانية.
يشكو المزارع خليل عبر «نداء الوطن» من ارتفاع تكاليف إنتاج التفاح هذا العام نظراً لارتفاع سعر صرف الدولار، المنعكس على أسعار المبيدات والمحروقات، «حيث تحتاج شجرة التفاح إلى الرش كل 15 يوماً، والري كل 5 أيام، وهي تكاليف باهظة لا يمكن لصغار المزارعين تحمّلها»، ويضيف أنه «رغم قساوة الظروف وتأمينها باللحم الحي وصولاً إلى نضوج الموسم، تواجهنا مشكلة التصريف واحتكار الأسعار من قبل التجار والأسواق التي لا ترحم، الذين يشترون بأبخس الأثمان ويبيعون بأضعاف ويأكلون تعبنا».
ويتابع «المشكلة تواجهنا كل عام في ظلّ تراجع التصدير إلى الدول العربية، وعدم قدرة السوق المحلية على استهلاك الإنتاج، بالإضافة إلى أننا نواجه مشكلات عند قطاف الموسم تتمثل بأسعار الأقفاص البلاستيكية ويصل ثمن الواحد منها إلى 4 دولارات، وفي حال استئجاره من البراد يكلف دولاراً واحداً، إضافة إلى تكلفة القطاف التي تبلغ دولاراً واحداً أيضاً للقفص، فضلاً عن أسعار الكرتون وأجرة النقل، وكلها تزيد تكاليف الإنتاج، فيما يدفع التجار بالقفص بين دولارين وأربعة، وفي حال قررنا تبريده يكلّف أربعة دولارات، وهي مغامرة غير مضمونة النتائج إذا لم يفتح باب التصدير إلى الخارج».
وفيما يناشد المزارعون وزارة الزراعة الوقوف إلى جانبهم مع بدء موسم القطاف، وإيجاد سبل لفتح باب التصدير، بما يساهم في تحّسن الأسعار في السوق المحلية لزيادة الطلب، أطلّت على بلدة عيناتا أمس كارثة أدّت إلى القضاء على قسم كبير من الموسم. وتحدّث رئيس البلدية ميشال رحمة لـ»نداء الوطن» عن الأضرار التي لحقت بأشجار التفاح في البلدة جرّاء هبوب رياح قوية أدّت إلى تساقط عشرات الأطنان منه، فأوضح «أن العاصفة التي وقعت في 8 أيلول أدّت إلى تضرّر نسبة كبيرة من أشجار التفاح في البلدة، والنتيجة ستكون موجعة بالنسبة للمزارعين، تضاف إلى صعوبة تصريف الإنتاج والكلفة العالية التي يتحمّلها المزارعون لمتابعة الأشجار بين أسمدة وريّ، حيث واجهت البلدة هذه السنة مشاكل في الري وتشغيل المزارعين الآبار على المازوت، ووصلت تكلفة ساعة الري إلى 35 دولاراً».
ولفت إلى أن البلدة تنتج سنوياً أكثر من 160 ألف صندوق، ووصلت الأضرار إلى أكثر من 130 ألف طن، ما يوازي 60 ألف صندوق تفاح موزعة على 8000 دونم في مناطق القفاص، والشعنينة، فيما نجت منطقة الوادي من العاصفة. وأشار كذلك إلى أنّ موسم العنب تضرّر أيضاً في البلدة جرّاء الرياح، ووصلت الخسارة إلى 10000 طن من العنب المخصّص للنبيذ.
وذكر رحمة أنه تمّ التواصل مع وزير الزراعة ليصار إلى الكشف عن الأضرار، وكلّف رئيس مصلحة الزراعة في بعلبك إجراء الكشف والذي سيتوجّه برفقة مهندسين لمعاينة الأضرار وتقديرها.