أقساط المدراس الخاصة في لبنان: أرقام مرعبة ومخالفات بالجملة…
“لا حياة لمن تنادي”، عبارة تختصر العلاقة بين لجان الأهل وإدارات المدراس الخاصة في لبنان، على وقع سنوات طويلة من المطالبات بوضع موازنات شفّافة تضمن للجميع حقوقهم، والنتيجة إمعان المدارس الخاصة في الزيادات بالليرات والدولارات، ومخالفة صارخة للقوانين والتشريعات.
الزيادات تفوق 400%
رئيسة إتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصة لمى الطويل، كشفت لـ”الديار” عن أرقام خيالية في هذا الشأن، حيث ترواحت نسبة الزيادات على الأقساط المدرسية هذا العام بين 200 إلى 400% سواء بالدولار أو بالليرة اللبنانية، وقسّمت المدارس إلى 3 مستويات: ما دون الوسط وتبلغ أقساطه نحو 800 دولار و 15 أو 18 مليون ليرة، المدارس الوسطية تتراوح بين 1500 إلى 3000 دولار ومبالغ تقدر بين 18 و30 مليون ليرة، فيما المدراس التي “تعتبر نفسها برند” تترواح أقساطها بين 3000 و 7000 دولار، وبـ “اللبناني” بين 30 و45 مليون ليرة، إضافة إلى ما يسمونه “فتح ملف” بين 300 و1000 دولار، وكذلك الزي المدرسي الذي يفرض على الأهل ويصل لنحو 300 دولار، عدا عن الكتب والقرطاسية وكلّ المستلزمات الأخرى التي يتكبدها الأهل من خارج القسط المدرسي، لافتة في هذا الصدد، إلى أنّ الإتحاد لا يعترف بشيء إسمه دولار لأنّه خارج الموازنة المدرسية.
مخالفات وانتهاكات قانونية
حول مدى قانونية هذه الأرقام، جزمت الطويل أنّ هذه الأقساط مخالفة للقانون لأنّها أقرّت مع نهاية العام الماضي من دون دراسة للموازنة أو اتّباع أي أسس علمية أو الحصول على موافقة الهيئة المالية في لجنة الأهل التي تحدّد القسط بعد دراسة الموازنة، موضحة أنّ القسط الأول يعادل 10% من قيمة قسط العام السابق، ويحدَد من قبل لجنة الأهل بحسب القانون الذي تنص مادته الأولى على أنّ كلّ ما يُستوفى لقاء خدمة التعليم يعتبر قسطا مدرسيا، وأنّ كلّ شيء تحت مسمّى صندوق ومساهمة، يفترض أن يدخل ضمن الموازنة ولكن هذا لا يحدث، ما يعني مخالفات وانتهاكات للقانون من كلّ النواحي، ومن دون أيّ نوع من الرقابة أو قرار رادع من قبل وزارة التربية لهذه التجاوزات،” تاركين المدارس تشتغل على ذوقها!”.
وعود الوزارة حبر على ورق
بكلّ الطرق تتهرّب إدارات المدارس من أيّ ضوابط ومعايير في موضوع الموازنة ومستلزماتها وفق الطويل التي شرحت ما جرى بين الإتحاد ووازرة التربية بالقول: “وهذا ما شهدناه في آخر إجتماع في لجنة الطوارئ في الوزارة منذ 3 شهور، حين بدأت هذه المدارس تعلن أقساطها، وأعطانا الوزير-كإتّحاد- مهلة 3 أيام قدّمنا خلالها اقتراحاتنا حول كيفيّة وضع ضوابط وقوانين، على أن يؤلّف الوزير لجنة من كافة أعضاء العائلة التربوية لإصدار قرار يلزم المدارس بوضع معايير، لكن – حتى الآن- لم تؤلّف هذه اللجنة، “كما وصلنا أنّ إدارات المدارس الخاصة ترفض أي نوع من التدقيق”.
مجزرة تعليمية
وصفت الطويل ما يحصل اليوم بالمجزرة بحقّ القطاع التعليمي في لبنان خصوصا في ظلّ مأساة القطاع الرسمي وشمول القطاع الخاص على نحو 70% من عدد تلامذة لبنان، عطفا على مجرزة أخرى ترتكب بحق موظّفي القطاع العام، فالمنح المدرسية المقدّمة لهم لا تصل الى آلاف الدولارات وبالتالي لا تغطي هذه التكاليف الباهظة، كما أنّ الكثير من أهالي الطلاب عموما لا يملكون هذه المبالغ الضخمة بالدولار، ما أدّى إلى نسبة تسرب مدرسيّ كبيرة جدا، وفي هذا الشأن أفادت دراسة لمركز الدراسات اللبنانية، أنّ ما يقدّر بنحو 41% من العائلات اللبنانية لديها ولد واحد خارج المدرسة، فالأطفال الكبار في هذه العائلات يضطرون لترك التعليم والعمل لمساعدة أهلهم.
صوت بلا صدى
الطويل كشفت أنّ اتّحاد لجان الأهل وجّه نداء منذ 6 أشهر لكلّ النواب الذين يتبعون بغالبيتهم لمراجع دينية وأحزاب لديها مدارس مشاركة في اتحادات المدارس الخاصة المسؤولة عن كلّ القرارات المخالفة للقانون، “ولكن لم يكن هناك صدى لصوتنا، لذلك وجّهنا نداء مؤخرا في مؤتمر صحفي من داخل مجلس النواب لكلّ من رئيس مجلس الوزراء ووزير التربية لإصدار قرار يلزم المدارس الخاصة بتقديم قطع حساب مدقّق، وموازنة مدروسة وتضمينها كلّ ما هو خارجها من خدمات، وإطلاع الأهل على الرواتب والأجور وفواتير المولّدات والكهرباء وغيرها من المصاريف التشغيلية، وكذلك الكشف عن مصير الهبات والمساعدات التي تصل الى المدارس والتي لا نعرف عنها شيئا، كما وإخضاع الموزانات للتدقيق المالي من قبل خبراء محلّفين مجازين تحدّدهم وزارة التربية، على أن يصدر تقرير مالي يدرس من قبل لجنة الأهل، وتطبيق المادة 4 من القانون 515 التي تحفظ حقوق المدرسة والأهل والمعلمين وتنّص على أن يتّم التدقيق في قطع الحساب آخر السنة، فإن كان المبلغ الذي تقاضته المدرسة غير كاف يدفع الأهل الفرق، أمّا إذا كان فائضا فتعاد مستحقات الأهل.
وختمت الطويل بأنّ الوضع مأساوي جدا، وأنّ التعليم في لبنان أصبح حكرا على المقتدرين، فمعظم الناس يضطرون لبيع أملاكهم ومقتنياتهم لتعليم أولادهم، ووجّهت نداء للمعنيين بضرورة إصدار قرار بالتدقيق المالي، داعية إدارات المدارس لنشر موازناتها وتقاريرها المالية، ومستغربة أن تطالب بعض هذه الإدارات الدولة بأن تدفع رواتب أساتذتها في وقت يفترض أن تدفع الدولة الأموال للنهوض بالمدارس الرسمية.
خلاصة القول… بعيدا عن مفردات الإدانة التي تطال بالدرجة الأولى وزارة التربية كونها الصرح المعني بضبط إيقاع العملية التعليمية برمّتها، نسأل: أيّ جيل سيخرج إلى المجتمع اليوم؟ كيف نبني وطنا وأطفاله يتسرّبون إلى الشوارع، ومن أسعفه الحظ منهم وأكمل تحصيله العلمي يهاجر بلا عودة! من يحمي الأهل من غيّ المدارس الخاصة ومن يحقق عدالة التعليم في لبنان المليء بالطاقات المبدعة؟ أسئلة برسم من! لم نعد حقا نعلم!
يمنى المقداد – الديار