هل عاد العلم للأغنياء فقط؟
بدأت رحلة التجهيز للمدارس، وشراء الكتب والقرطاسية واللوازم المدرسية باكراً هذا العام. فمنذ منتصف الشهر الماضي، كان لافتاً حجم الإعلانات الترويجية في المكاتب والمؤسسات الخاصة ببيع هذه اللوازم في الترويج لموسم المدارس. لكّن معاناة الأهل لشراء هذه المستلزمات بدت مضاعفة هذا العام، بعدما تبين بأن بعض الأسعار ارتفعت بما لا يقل عن عشرة أضعاف ما كانت عليه العام الماضي!.
لا مكان للتبريرات
تتخوف سعاد الزعني من أن لا تتمكن من شراء المستلزمات الأساسية لأبنائها مع بدء العام الدراسي. تعمل في إحدى المستشفيات اللبنانية، وتتقاضى راتبها بالدولار الأميركي، لكن جولتها على المكتبات أصابتها بخيبة أمل كبيرة.
تقول لـ “المدن”:” لم أتوقع أن تصل أسعار المستلزمات إلى أكثر من 300 دولار للطفل الواحد، مقسمة بين مستلزمات أساسية كالزي المدرسي، وبين قرطاسية من دفاتر وأقلام وغيرها”. يتوجب على الزعني أن تدفع ما لايقل عن 900 دولار فقط لشراء هذه الاساسيات لتعليم أبنائها الثلاثة، ناهيك عن القسط المدرسي.
بحسب الزعني، تضاعف سعر الزي المدرسي بأكثر من 5 مرات، إذ يتطلب منها لكل طفل، شراء زي مدرسي رسمي، وأخر مخصص للرياضة، بسعر يناهز 180 دولاراً، الأمر الذي أجبرها على شراء الأساسيات فقط، والاستعانة بزي العام الماضي.
خلال جولة على بعض المدارس في لبنان، والتي تجبر طلابها على ارتداء زي موحد، تبين بأن الأسعار قفزت ما لايقل عن الضعف وبشكل يضاهي راتب موظف. إذ تبدأ الأسعار من 180 دولاراً وتصل إلى نحو 300 دولار، وقد ترتفع أكثر في حال قرر الأهل شراء أكثر من زي.
وحال الزعني يشبه أحوال آلاف اللبنانيين الذين صدمتهم الأسعار الجديدة للوازم المدرسية. فعلى صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، بدأ الكثير من الأهالي بوضع إعلانات عن بيع أو تبادل الثياب المدرسية مع بعضهم البعض، من أجل توفير الأموال.
أسعار القرطاسية
لم تقف حدود معاناة الأهل عند شراء الزي المدرسي، ففي الكثير من المدارس يتم إجبار الأهل على دفع ما لا يقل عن ثلاثة ملايين ليرة ثمن الدفاتر التي ستقوم المدرسة بتزويدها للطلاب خلال عامهم الدراسي، وهو رقم كبير في ظل حد أدنى لا يتعدى 300 دولار في أفضل الأحوال.
بعيداً عن ما تفرضه المدارس من أسعار باهظة لتجهيز الطالب، فإن أسعار القرطاسية في المكتبات باتت مدولرة وخيالية، أو إن صح التعبير، باتت لفئة من الناس من دون غيرها.
خلال جولة في المكاتب الرئيسية في العاصمة بيروت، يتبين الارتفاع الجنوني للأسعار. فعلى سبيل المثال، يتم بيع الشنطة المدرسية ابتداء من ٥٥ دولاراً، ويترفع السعر ليصل إلى 120 دولاراً بالنسبة إلى الحقائب المستوردة من الخارج.
اما سعر أقلام الحبر فتبدأ من 130 ألف ليرة، وترتفع، بحسب النوعية، ليصل السعر إلى أكثر من 500 ألف ليرة.
بلغت قيمة علبة أقلام الرصاص 180 الف ليرة، أي ما يساوي دولارين، فيما وصل سعر علبة الهندسة إلى نحو 4 دولارات، أما سعر الممحاة أو المبراة فقد تخلى حاجز نصف دولار، فيما بلغ سعر “التيب إكس” 300 ألفاً، أما سعر “المقلمة” أو الألوان، فتبدأ الأسعار من دولار وتصل إلى 10 دولارات، كذلك الأمر بالنسبة إلى اللوازم الرئيسية للتدريس.
فعلى سبيل المثال، وصل سعر الآلة الحاسبة العلميّة إلى 840 ألف ليرة لبنانيّة، وقد يصل إلى مليون ليرة، أما تلك المستخدمة للصفّ المتقدّم يتخطى سعرها 6 ملايين ليرة.
يحتاج الأهل بحسب هذه الأسعار، ما لايقل عن 200 دولار لكل طفل لشراء الأساسيات الخاصة بالعام الدراسي، ناهيك عن أسعار الكتب، والتي تتطلب ربما قرضاً من المصرف لتسديدها، بحسب ما أكده أحمد الحاج شحادة، وهو والد طفلين. يقول لـ “المدن”:” تفاجأت بأسعار الكتب، إذ تبين بأن سعر الكتاب الواحد يصل إلى أكثر من 100 دولار، ما يعني أن الطالب يحتاج ما لايقل عن 500 دولار لشراء الكتب الأساسية، وهو مبلغ لا يمكن لأي عائلة من تأمينه، في ظل تدني قيمة الرواتب وانحدار سعر صرف العملة.
يشير منطق الأمور غلى أنه لا يمكن أن يكون حجم الإنفاق أكبر بأضعاف عن حجم المدخول. ولا يمكن لأي عائلة في هذه الظروف الاستثنائية، ولو كانت تتقاضى راتبها بالدولار، أن تتمكن من شراء هذه التجهيزات المدرسية. فكيف لمواطن، غذا افترضنا أنه يتقاضى 500 دولار، أن يستخدم كامل راتبه لتجهيز ولد واحد إلى المدرسة؟.
والخوف أن يتحوّل التعليم للمقتدرين فقط، في عودة إلى مجاهل الجهل والتمييز.
المدن