طرف أيلول بلهيب الأسعار “مجنون”.. هستيريا الاسعار وغياب الرقابة
يواصل مؤشر أسعار الاستهلاك في لبنان، والذي يستخدم لتتبّع معدّل التضخم وتكلفة المعيشة في الارتفاع، مدفوعا بمضاعفة نسب التضخم وتدني القدرة الشرائية الناتجة عن استمرار انهيار العملة الوطنية، ما أنتج حالة مستمرة من ارتفاع أسعار السلع والخدمات بات من الصعب ضبطها او السيطرة عليها.
تجدر الإشارة، الى ان لبنان كان قد احتل المركز الأول خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي في قائمة التعاظم الحقيقي، حيث بلغت نسبة تغير أسعار الغذاء 81 في المئة، مقابل 35 في المئة سجلتها فنزيلا و31 لزيمبابوي. وسجل لبنان أيضا ثاني اعلى نسبة مضاعفة اسمية في أسعار الغذاء حول العالم، بقياس نسبة التغير السنوية، حيث تخطّى التضخم التراكمي مستوى 4250 في المئة خلال سنوات الانهيار الاقتصادي المتواصل، مع ملاحظة ميل مؤشر الغلاء العام الشهري الى الهدوء النسبي بفعل الاستقرار الآني لسعر الدولار القريب من 89 الفا.
هستيريا الاسعار
على الرغم من استقرار سعر الصرف في السوق الموازية، الا ان أسعار الخضار والمواد الغذائية والاستهلاكية ارتفعت بنسب متفاوتة. وفي تقرير سابق للبنك الدولي، جاء لبنان في المرتبة الأولى في منطقة آسيا، وتلته سيريلانكا مسجلة تضخما بنسبة 94.9 في المئة، ثم إيران بنسبة 81.2 في المئة وباكستان 31.7 في المئة وأفغانستان 24.88 في المئة.
تضخم أسعار وتضخم بشري
على خطٍ تضخمي موازٍ، فإن أسباب التضخم التي تصيب بعض الدول، تعود عادة الى تضاعف الطلب على الخدمات والسلع الأساسية وتلك الضرورية، كنتيجة لزيادة السكان. والتضخم لم يعد مقتصرا في لبنان على المواد الغذائية، لأنه يشهد تضخما من نوع آخر على الصعيد البشري، خاصة بعد موجة النزوح السوري المهولة الأخيرة اليه، من دون ان يقابلها فائض في انتاج السلع والخدمات التي تلبي ما يزيد عن الطلب. بالإضافة الى ان زيادة السيولة النقدية بشكل يفوق زيادة السلع والخدمات، تؤدي الى التضخم.
فزيادة الطلب على السلع مع استقرار العرض او زيادة السيولة النقدية بشكل أكبر من الزيادة في الإنتاج، تؤدي الى مضاعفة أسعار تلك السلع والمواد الاستهلاكية اليومية والخدمات الأخرى. لذلك فان الارتفاع بالمستوى العام للأسعار يدلّ على انخفاض قيمة العملة المحلية، كما ان تراجعها يعني انعدام القوة الشرائية. وبناء على كل ما تقدم، فان ارتفاع نسب التضخم في لبنان ناجم عن الانهيار المالي والنقدي والاقتصادي وحتى الاجتماعي، جرّاء السياسات الخاطئة التي تعتمدها الدولة منذ سنوات، والامر كذلك بالنسبة للمؤسسات الرسمية التي برهنت عن فشلها في إدارة الازمة الراهنة. وبالاستناد الى الوقائع الثابتة كان من الطبيعي ان تهبط الليرة الى أدنى مستوى، ليقابلها ارتفاع في المستوى العام للأسعار.
كلفة السلّة
في سياق متصل، تضاعفت أسعار المواد الغذائية بنسب مختلفة. وفي هذا الإطار، قال الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين لـ “الديار”: ان “كلفة السلّة الغذائية والحاجات الضرورية للأسرة اللبنانية المؤلفة من 4 افراد بالحد الأدنى حتى نهاية شهر تموز 2023 وصلت الى 16 مليون ليرة لبنانية، بعد ان كانت 450 ألف ليرة اي 300$ قبل بدء الازمة”. اضاف: “باتت تكلّف اليوم 180 دولارا أي تراجعت بالدولار، لكن زادت بالليرات اللبنانية، وهذا أثر على أكثر من 90% من العائلات، لان دخل هؤلاء الأساسي بالعملة الوطنية، وبالتالي أصبحت الاسر اللبنانية عاجزة عن توفير الاحتياجات الضرورية”.
“البريستيج” وتفاوت الاسعار
بالموازاة، يواصل أصحاب “السوبرماركات” رفع أسعار المواد الغذائية والخضار والفواكه دون وجود مبرر جوهري. وللتعرّف على مستويات ارتفاع أسعار الخضْرَاوات التي حلّقت وسجّلت أرقاماً قياسية، بالرغم من ثبات سعر الصرف واستقرار العملة الوطنية، تابعت “الديار” عروض الأسعار التي يقدمها متجرا “سبينس” و”شاركوتيه عون”، وهما اثنان من أكبر سلاسل المتاجر في لبنان الى جانب جولة ميدانية محدودة شملت منطقة طرابلس.
وفي الإطار، لوحظ ان المعدل الوسطي لأسعار الخضراوات تضاعف 5 مرات مقارنة بأسعار الأيام القليلة الماضية، بحيث ان سعر كيلو السبانخ قفز من 200 الف الى 574999 الفا، متخطيا سعر كيلو اللحم والافوكادو، بينما سجل في “سوبرماركت” أخرى حوالي 350 الفا، ما يعني ان التجار يستغلون غياب الدولة، ويبيعون منتجاتهم كما يحلو لهم. أيضا لوحظ ان الخس الصيني الذي كان يباع بالحبة، أصبح يباع بالكيلو ووصل سعر الكيلو الواحد الى 100 ألف ليرة، بعد ان كان سعر الخسة الواحدة بـ 55000 الفا، شأنها شأن الملفوف الذي يباع في الأساس بالكيلو. اما سعر كيلو البطاطا فقد بلغ 56000 الفا، في حين انه يباع بـ 34000 الفا في طرابلس عاصمة الشمال.
ثبات الدولار يضاعف الأسعار!
في سياق حسابي متصل، يمكن الانتباه الى الزيادة الكبيرة لبعض أسعار الوجبات السريعة، فعلى سبيل المثال عندما كان سعر الصرف قبل 6 أشهر حوالي 93000 الفا كانت شطيرة البيتزا الكبيرة بـ 6 $، والبيرغر بـ 6.25$، والحمّص بـ 2.5$، ومع هبوط سعر الدولار الى 90 الف، بات سعر شطيرة البيتزا 8$، والبيرغر 8$، والحمّص 4$، ومن خلال مقارنة صغيرة نجد ان أسعار هذه الأطعمة قد ارتفعت، على الرغم من ان سعر صرف الدولار تراجع الى حدود 89 الف ل.ل، لتصبح الأسعار حاليا على الشكل التالي: سعر شطيرة البيتزا ذات الحجم الكبير 900 ألف أي 10 دولارات، والبيرغر 9.8$، اما الحمص فقد أصبح بـ 500 ألف ليرة.
غياب الرقابة
وفي سياق انمائي متصل، كان لبنان عُرف بازدهاره الاقتصادي والاجتماعي في حقبتي الستينيات والسبعينيات، وأطلق عليه لقب “سويسرا الشرق”، حيث جذب الكثير من الاستثمارات والسياح العرب والأجانب، بفضل موقعه الاستراتيجي وحياة بيروت الصاخبة وصورته النموذجية ومجتمعه المتعدد والمتحضّر. الا ان هذا البلد بات يعجّ بالتجار الفاجرين بسبب غياب الرقابة على معظم القطاعات المعيشية الحيوية والاساسية من قبل الوزارات المعنية، وترك الناس لمصيرهم في ظل وجود حيتان يستحكمون بالعباد، من خلال رفع الأسعار واحتكار معظم الاسوق المحليّة والدولة “لا تندهي ما في حدا”.
التبرير ابسط الاحكام
وقد أعاد رئيس “تجمع مزارعي البقاع” إبراهيم ترشيشي سبب التفاوت في سعر السبانخ تحديدا، الى السوبرماركت ذات نفسها، معتبرا ان وضع التسعيرة مجهود فردي، ولا يتعلق بالسعر الحقيقي للسلعة. موضحا ان هذا الاختلاف لا نجده على عربة البائع المتجول او في سوق صبرا او عند صاحب بسطة على الطريق، لان هؤلاء ليس لديهم ايجارات او موظفين واشتراكات كهرباء وغيرها من الأمور. واصفا تلك المتاجر بفئة الـ “7 نجوم”، لان الاسعار لديهم دائما باهظة وتفوق قدرة المواطن الشرائية.
ونصح باختيار السوق المناسب لشراء الاحتياجات، وعدم انتظار “الدليفري” او صاحب المحل ليجلب للمواطن/ة اغراضه/هن حتى باب السيارة او المنزل، لان انتقاء الخضار من سوق شعبي او محل صغير او من بائع متجول ليس بالأمر المعيب”.
الديار