“إدّخار الذهب” بدل الدولار… من تداعيات بقاء المصارف “زومبي”
تعتبر 2023، سنة الاستيراد بامتياز لسبائك الذهب والحلي والمجوهرات في لبنان، تماشياً مع تزايد الطلب العالمي على ذلك «الأصل» الذي كان ولا يزال الملاذ الآمن في الأزمات والحروب.
فمنذ بدء الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان، بدأت أرقام استيراد سبائك الذهب بالارتفاع تباعاً بدءاً من العام 2019، إذ استورد لبنان حينذاك استناداً الى «الدولية للمعلومات» سبائك ذهبية بقيمة 476 مليون دولار إلى أن وصل الرّقم إلى 1.130 مليار دولار في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2023 فقط، مقارنة مع 926 مليون دولار في العام 2022. أما لناحية الذهب والحلي فقد بلغت الواردات خلال العام 2022 ما قيمته 1154 مليون دولار، مقارنة مع 1253 مليون دولار لفترة الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري.
وهذه الأرقام إن دلّت على شيء، فعلى زيادة الطلب على شراء الذهب من سبائك بالدرجة الأولى بهدف الإدّخار ومن مجوهرات وحلي بهدف الزينة واستثمار الأموال، كون المعدن «عملةً» متداولاً بها في كل دول العالم. فاللبنانيون باتوا يَعون ضرورة استبدال العملات النقدية التي لديهم أو البعض منها، بالذهب بديلاً عن الدولار كعملة ادّخار.
وللتصدير حصّة أقلّ
على صعيد التصدير، ارتفعت كمية الصادرات اللبنانية الى الخارج من 7.3 أطنان سنة 2018 إلى 26 ألف طن سنة 2019، و20.8 ألف طن عام 2020، ليعود وينخفض في السنوات 2021 ولغاية 2023 إلى 2.160 طن.
أما قيمة تصدير السبائك فسجلت انخفاضاً متتابعاً بدأ في العام 2019 من 1.132 مليار دولار إلى 122 مليون دولار في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2023. وبالنسبة الى الذهب والمجوهرات على حدّ سواء، فقد بلغت للأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري 217 مليون دولار مقارنة مع 312 مليون دولار في العام 2022.
وحول أسباب تلك الزيادات في الاستيراد والتراجعات في الصادرات، أوضح رئيس نقابة تجار الذهب والمجوهرات في لبنان نعيم رزق لـ»نداء الوطن» أن «الطلب على الذهب ارتفع بشكل ملحوظ خلال العام 2022 ولا يزال مستمرّاً وهذا الأمر رغم ارتفاع سعر أونصة الذهب الى 2026 دولاراً. ولفت الى أن الطلب على الذهب في لبنان حالياً يتركّز على شراء الأونصات والليرات عموماً لأسباب داخلية وخارجية الأمر الذي زاد حجم واردات الذهب، وبالنسبة الى بيع الحلي والمجوهرات قال إن صيف 2023 كان مقبولاً بسبب إقبال المغتربين على اقتناء المجوهرات المصنوعة في لبنان.
ما هي أسباب الإقبال؟
وقال رزق إن «زيادة الطلب على الذهب في الخارج جاء كنتيجة مباشرة للحرب التي اندلعت في أوكرانيا والخشية من تدهور قيمة العملة الخضراء، خصوصاً في ظلّ محاولات توافقات عالمية على إجراء مبادلات تجارية باليوان الصيني وبالروبل الروسي. فبات المسار السائد الخروج من العملة الورقية والمحافظة على قيمة الدولار القابلة للإنحدار، من خلال الإقدام على شراء المعدن الأصفر. فمن سبق أن اشترى أونصة ذهب وفق سعر 1750 دولاراً على سبيل المثال استفاد اليوم بسبب زيادة سعر الأونصة وتمت إعادة بيعها بسعر 1950 دولاراً. فأمام المعدن الأصفر مسلكان لا ثالث لهما، إما يحافظ على قيمته الشرائية أو يرتفع سعره عندما تتحرّك الأسواق، وفي الحالتين كلتيهما يكون المشتري رابحاً».
أما بالنسبة الى الطلب على شراء الأونصات والليرات المحلية، فقال رزق إن «عمولة الأونصة الوطنية تتراوح بين 10 و15 دولاراً في حين أن عمولة الأونصة السويسرية تتراوح بين 35 و40 دولاراً. وإذا كان وزن الأونصة 31,10 غراماً على سبيل المثال، فإنّ تسديد عمولة أو صياغة مصنعية بقيمة 15 دولاراً على الأونصة ترتّب على الزبون تسديد مبلغ بين 15 و20 دولاراً أي نحو نصف دولار على الغرام الواحد، أما الذهب المشغول فيرتّب عمولة تتراوح بين 5 و8 دولارات للغرام الواحد».
إنعدام الثقة بالمصارف
بدوره، أضاف أحد مديري شركة بوغوص للذهب والمعادن الثمينة كريس بوغوص لـ»نداء الوطن» الى الأسباب المذكورة آنفاً التي أدّت الى زيادة الإقبال على شراء المعدن الأصفر، أنه كان لانعدام الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني دور في حثّ المواطنين على المحافظة على قيمة الدولارات التي يجنونها عبر ادّخارها في الذهب الذي لا يفقد قيمته، أما المغتربون المتواجدون في دول الخليج مثل السعودية فهم بدورهم يفضّلون شراء المجوهرات المصنوعة في بلدهم الأم».
الى ذلك، أرخت الأزمات التي توالت في سائر الدول، لا سيّما تعثّر مصارف «كريديت سويس» وسيليكون فالي» بثقلها على الثقة بالادّخار حتى في مصارف أجنبية، ما دفع باللبنانيين المتواجدين في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الى الابتعاد عن الادّخار بالدولار فلجأوا الى الذهب باعتباره عملة عالمية غير معتمدة في دولة محدّدة بل قابلة للتداول بها في كل دول العالم».
وشراء الذهب بحسب بوغوص يلائم كل الطبقات استناداً الى القدرة الشرائية لكل فرد، فهو بكل الأحجام ويبدأ من الغرام وصولاً الى أونصة ذهب أو نصف كيلو أو كيلو ذهب.
وعلّق بوغوص على تهاوي الصادرات التي كانت مرتفعة في العام 2019، فقال إنها تعود الى مضاعفة استهلاك الذهب في لبنان وارتفاع الطلب على الشراء، فكان العاملون في مجال الذهب يسعون لتلبية حاجات السوق الداخلية، أما دول المقصد التي كان يتم التصدير اليها فكانت الدول العربية والخليجية وسويسرا.
وتجدر الإشارة الى ارتفاع سعر أونصة الذهب خلال السنوات الأربع الماضية بنسبة تتراوح بين 25 و30%، من 1400 دولار في 2019 الى 2070 دولاراً في سنة 2022، إلا أنها عادت وتراجعت اليوم الى نحو 1920 و1930 دولاراً.
والطلب على شراء الذهب لن يتباطأ في الوقت الراهن استناداً الى رزق وبوغوص، بل من المتوقّع أن يستمرّ الإتجاه باعتماد مسار ادّخار الذهب أقلّه خلال السنوات الـ5 أو الـ7 المقبلة في لبنان لحين قيامة الدولة مجدداً وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وعودة الثقة مجدداً الى مجاريها.
باتريسيا جلاد – نداء الوطن