النزوح اللبناني بين جشع المالكين ومنافسة “دولار النازحين”
يستعيد اللبنانيون عموما والجنوبيون خصوصا، شريط ذاكرتهم المكرر ورحلة معاناتهم وتجاربهم مع الحروب، بخاصة بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان في حرب تموز عام 2006. فسحب شريط الذاكرة بضع سنين الى الوراء ليس بالأمر الصعب، لان المشاهد والصور ما زالت حيّة، وكأنها حدثت او تحدث الآن. مشاهد البيوت المدمرة، والدماء التي تملأ الأرض، ورائحة الموت المنبعثة من كل حدب وصوب، حوّلت الشوارع الى مقابر جماعية. هي تفاصيل واحداث يحاول العالم الخارجي طمسها او التقليل من وطأتها، لكنها ستظل قابعة في عقول اللبنانيين الى الابد.
ويشكل النزوح الداخلي في لبنان حاليا اثر احداث الجنوب، ورطة إضافية مستجدة على القرى الاخرى بسبب النازحين السوريين، الذين يستحوذون على اغلبية الشقق السكنية المخصصة للإيجار لتضاف ازمة جديدة الى أزمات المواطن اللبناني.
“السوري” اقوى من اللبناني!
يُعتبر النازح السوري اليوم اقوى من الناحية الاقتصادية، بسبب الدعم الذي يحصل عليه من الجمعيات والمنظمات الدولية، لذلك برزت قضية جديدة تتعلق بعدم توافر عدد كبير من المنازل غير المسكونة في المناطق الجنوبية، كون الشقق السكنية مؤجرة لسوريين وهؤلاء يسددون المستحقات المترتبة عليهم من بدل اشتراكات الكهرباء والمولد الخاص والمياه ورسوم البلدية.
وفي هذا الخصوص، قال السيد أسامة نبهان ويعمل في مكتب لتأجير الشقق السكنية والبيوت في منطقة الجنوب “أن الإيجارات تبدأ من 300 دولار للشقة المتوسطة، وعدد قليل من العائلات اللبنانية تستطيع دفع هذا المبلغ او تحمّله بسبب هبوط العملة المحلية، كما ان الراتب الشهري لا يكفي اغلبية المواطنين بالأصل”. أضاف، “اتلقى اتصالات من مواطنين من عيتا الشعب ويارين وغيرهما من المناطق المعرضة للقصف، او تلك التي تلقّت وابلا من الصواريخ والقذائف الإسرائيلية في الساعات القليلة الماضية، لكي أجد لهم منازل للإيجار، لكن صدقا لم أتمكن من ايجاد حتى غرفة واحدة فارغة او غير مأهولة، وهذا الوضع يضع عشرات العائلات والافراد في موقف صعب. كما ان البقاء في تلك المناطق فيه مخاطرة لان نيران العدو الإسرائيلي اصابت منازل المدنيين، كما ان استشهاد عناصر في المقاومة كان الدافع الأساسي لترك هؤلاء منازلهم، والانتقال الى البلدات البعيدة عن مكان الاشتباكات الدائرة”.
عين أصحاب العقارات على “الدولار”!
يسعى أصحاب العقارات والشقق السكنية المفروشة وغير المفروشة الى تأجير النازح بالدرجة الأولى، لأنه مرتاح ماديا وقوي على الصعيد الاقتصادي، كما انه يتلقى الدعم والمساعدات، ولديه حرفة او مصلحة خاصة، وهذه الاسباب تجعل السوري يزاحم اللبناني وينافسه بقوة المال.
فعليا، هذا الواقع أطاح خطط الشباب الذين يبحثون عن حلول بديلة، خاصة مع بروز ازمة السكن مع بداية الاضطراب الاقتصادي أي منذ حوالى الـ 3 سنوات، الا ان هذه الإشكالية تفاقمت مع النزوح السوري الجديد وتدهورت بعد عملية طوفان الأقصى، فانقلبت الأمور رأسا على عقب وتدهورت اوضاع العائلات، التي كانت تدير شؤون حياتها بطريقة “التسكيج” والترقيع.
وفي شأن متصل، قالت السيدة ورود عزالدين لـ “الديار”: “غادرت منزلي الكائن في عيتا الشعب الى صور مع اطفالي الصغار الذين اصابهم الهلع بسبب الصواريخ التي أطلقتها إسرائيل باتجاه بيوتنا مباشرة”. اضافت “انتقلت الى صور بعد الاشتباكات خوفا من أي تطورات لم تكن بالحسبان، لكن براتبي الذي لا يتجاوز الـ 150 دولارا لا يمكنني ان استأجر شقة صغيرة، ولن أجد منزلا بأقل من 300 دولار، والبقاء كضيفة عند الأقارب امر معقد جدا وصعب كون لدي 3 أطفال صغار”. وختمت قائلة: “المدهش في هذا الموضوع ان النازحين يشغلون قطاع الشقق السكنية بنسبة 90 في المئة، كما انهم يدفعون الايجار بكل سهولة، ووصفتهم “بالمرتاحين على وضعهم””.
مصدر في بلدية صور أوضح لـ “الديار” ان “موضوع النزوح اللبناني سيطرح إشكالية جديدة بسبب عدم قدرة المواطن على دفع ايجار شقة، لان الاسعار تبدأ من 300 دولار. بينما يتراوح ايجار ستوديو صغير في بيروت وضواحيها ما بين 450 و 500 دولار، في حين ان متوسط رواتب واجور المواطنين لا يتعدّى 9 ملايين ليرة لبنانية”، مشيرا الى “ان الوجود السوري والفلسطيني في المنطقة كبير جدا خاصة في صور وجوارها”، ولفت الى ان “بلدية عربصاليم حذرت النازحين السوريين عبر مكبرات الصوت في المساجد من التجوال بعد وقت محدد من الليل او ركوب الدراجات النارية، وطلبت من أبناء المنطقة عدم تأجير هؤلاء محلات أو شقق سكنية الا بموجب عقد قانوني متشدد الشروط”.
وقال: “حاليا لا يوجد منازل فارغة، والشقق التي كانت متوافرة استأجرها النازحون السوريون، وصاحب الملك يعطي الاولوية للسوري الذي يدفع الايجار بالفريش بكل أريحية، بينما يعجز اللبناني والفلسطيني عن ذلك”.
ندى عبد الرزاق – الديار