إلغاء موادّ ضريبية يُفاقم عجز الموازنة
تقترب لجنة المال والموازنة من الإنتهاء من دراسة مشروع قانون موازنة 2024 في سعي لتلافي إصدارها بمرسوم. وتسعى اللجنة لإنجاز دراسة الموازنة الأسبوع المقبل، ثم تحال الى الهيئة العامة لمجلس النواب بالصيغة المعدّلة مع الغاء بعض المواد الضريبية ما سيؤدي الى خفض في ايرادات الدولة وبالتالي عدم قدرتها على تغطية النفقات وزيادة العجز، علماً أنه «من المرتقب عند إنجاز درس المشروع من قبل اللجنة عرضه على وزارة المال للبحث في حجم العجز»، كما أوضح لـ»نداء الوطن» عضو اللجنة النائب ابراهيم منيمنة.
ويذكر ان ارقام مشروع الموازنة اتت لمواكبة انهيار سعر العملة الوطنية، فتمّ ضرب الرسوم والضرائب ب10 و 20 ضعفاً. ولكن رغم ذلك، فالعائدات لا تغطّي النفقات، والعجز قائم في الموازنة، علماً أن عائدات الدولة كنتيجة مباشرة لرفع الدولار الجمركي الى سعر «ًصيرفة» حقّقت ارتفاعات نسبية.
الشرود في التعديلات
وعبّر منيمنة خلال نقاشات لجنة المال عن حرصه، عند تعديل عائدات لها علاقة بإيرادات للدولة، على إبقاء العين في المقابل على العجز، تفادياً للشرود في تعديلات ضريبية قد تتسبّب في مرحلة لاحقة بعجز مرتفع». لذلك تمّ التوافق عند انجاز التعديلات على أن يصار الى البحث مع وزارة المال في قيمة العجز انطلاقاً من التعديلات التي حصلت، والبحث عن مصادر وموارد مالية أخرى». وذكر انه يجب ان يحصل هذا الأمر من الطبقات الميسورة، اذ يجب البحث عن مصارد جديدة وعدم الإستسهال في اللجوء الى ضرائب كل الأفراد الذين يتقاضون عائداً بالدولار، علماً أنه على كل المواطنين تسديد ضرائب ولكن بنسب تلائم قدرة الطبقات الإجتماعية على التحمّل». وقال منيمنة « ليس كل من يتقاضى راتبه بالدولار هو من أصحاب المداخيل المرتفعة. فمن يتقاضى أجراً يتراوح بين 1000 أو 1500 دولار لا يعتبر مدخوله مرتفعاً فهو يُدرج ضمن الدخل المحدود. وبالتالي نواجه مشكلة التركيز على تحصيل إيرادات من مداخيل الدولار والبحث عن الطبقات القادرة على تسديد ضرائب في هذه المرحلة الصعبة».
ضرورة الإصلاحات
يبقى الأساس إستناداً الى منيمنة «إنجاز الإصلاحات المالية المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي. وهذا الأمر هو أولوية الأوليات، إذ من دونه ستبقى التشوّهات قائمة في النظام المالي. ما سينعكس على تشوهات بالنظام النقدي وبالتالي سيبقى العجز كبيراً بحيث لا نستطيع القيام بموازنة جدّية رؤيوية تحديثية تتضمن إنفاقاً إقتصادياً تنموياً، تخوّل القيام بنقلة بالبلد وبالمستوى المعيشي». مشيراً الى أنه «إذا لم نذهب بهذا الإتّجاه الإصلاحي سنحافظ على دوراننا في حلقة مفرغة وستبقى كل الموازنة عبارة عن ترقيعات وتمرير وقت». مؤكّداً أنه «يجب التركيز دوماً على النقطة الأساسية وهي الإصلاح المالي. ومن الواضح ان الموازنة اليوم تتضمن تشوّهات، ولا تستطيع أن تفي بالغرض بإقرار جميع القوى السياسية».
تحسين الجباية
من جهته اعتبر الخبير المالي والإقتصادي أنيس بو دياب خلال حديثه الى «نداء الوطن»، أن «مشروع موازنة 2024 يتعرّض لبعض التخفيضات في إيراداته، إلا أنها ليست بالكبيرة. فأعضاء لجنة المال والموازنة عارضوا إرتفاع نسب ضريبية، وتمّ خفض بعض الرسوم المضروبة بـ10 أو 20 مرة، ورغم ذلك فإن نسبة خفض الإيرادات ليست كبيرة». مشدّداً على أن «تحديثات طرأت على بعض الضرائب التي ستتمّ إعادة النظر فيها، ولن يكون أثرها لافتاً، بشرط جباية الرسوم والضرائب كما يجب».
واختصر بو دياب مشكلة الواردات بجباية الضرائب والرسوم، فقال «هناك نسبة تتراوح بين 55 و 60% من الإقتصاد مكتومة، نتيجة التهريب والتهرّب من تسديد الرسوم الجمركية… من هنا تأتي ضرورة تحسين جباية الرسوم لزيادة إيرادات الدولة وذلك من دون زيادة الضرائب، هكذا توفّر الدولة وارداتها».
أما عن ضرورة إعادة فتح الدوائر العقارية، لتحقيق إيرادات، قال بودياب «إن إستحداث دوائر عقارية جديدة تدبير مهم، ولكن الأهم تسريع إنجاز المعاملات، لأن التاخير في إنجازها يؤخّر تحقيق الايرادات. فالنافعة على سبيل المثال أعادت فتح أبوابها وزادت رسومها بشكل كبير، تماشياً مع انهيار سعر صرف العملة الوطنية، ولكن يجب تسريع وتسهيل إنجاز المعاملات. والمهم في زيادة الايرادات ليس استحداث ضرائب جديدة أو زيادة الشطور الضريبية بقدر تحسين جباية الضريبة بحسب تغيّر سعر صرف العملة».
إستخدام الإحتياطي
وحول التخفيض الممكن أن تحدثه تعديلات لجنة المال والموازنة لعائدات الخزينة وكيفية تسديد النفقات وشبح العودة الى خرق سياسة مصرف لبنان الجديدة بعدم اقراض الدولة، قال بو دياب «إن تلافي الإستعانة باحتياطي مصرف لبنان يرتّب تحسين جباية الرسوم وليس فقط تعديل الضرائب، وتحقيق نموّ إقتصادي اذا انتظمت الحياة والعمل المؤسساتي، وانتخاب رئيس للجمهورية وإصلاح وضعنا الإقتصادي».
وأضاف: «اذا بقينا على هذا المنوال في حالة انتظار للحرب، واذا لم تعمل مؤسساتنا، وبقينا من دون رئيس جمهورية ومن دون إصلاحات فإن وضعنا الإقتصادي سيرتب على المصرف المركزي حتماً إما زيادة حجم الكتلة النقدية بإصدار للعملة الوطنية وبالتالي انهيار اضافي لسعر الصرف، او استخدام دولارات من الإحتياطي الإلزامي. من هنا فإن الخيارات محدودة: الذهاب الى الإصلاحات الفعلية أو السيناريو غير المستحبّ (إحتياطي المركزي) «.
إلغاء زيادات
وكانت لجنة المال والموازنة عقدت جلسة امس وقال النائب ابراهيم كنعان عقب الجلسة أن اللجنة «ألغت الزيادات على الغرامات التي وضعتها الحكومة في موازنة 2024 كالغرامات على عقود الايجار وعدم التصريح وعدم استخدام وثيقة الوفاة وسواها من الزيادات».
واعلن كنعان ان اللجنة «رفضت استحداث رسوم جديدة في الوضع الاقتصادي والنقدي المنهار واحتجاز اموال الناس في المصارف واحتراماً للمبدأ الدستوري القائل بأن الضرائب والرسوم تفرض بقانون خاص وليس من ضمن الموازنة».
وتوقّع كنعان «انهاء مواد الموازنة الاسبوع المقبل في ضوء الجهد المبذول في نقاش واقرار بنود المشروع»، لافتاً الى أنه «بصدد رفع كتاب لرئيس مجلس النواب نبيه بري يعلمه فيه عن الحضور المحدود لأعضاء لجنة المال وضرورة اعطاء الاولوية في هذه المرحلة لنقاش الموازنة لانجازها قبل كانون الثاني المقبل كي لا تصدر بمرسوم حكومي كما احيلت ومن دون تعديل».
تشابُك بين لجنتَي الاقتصاد والتجارة… والمال والموازنة
عقدت لجنة الاقتصاد الوطني والصناعة والتجارة والتخطيط النيابية جلسة امس، وقال النائب فريد البستاني بعد الجلسة: «اجتمعت لجنة الاقتصاد وركزت على الموازنة والتوجهات الضرائبية فيها. هناك تشابك بيننا وبين لجنة المال. استضفنا رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير، ورئيس تجمع رجال الاعمال اللبناني نقولا ابو خاطر، لان هذه الموازنة ضرائبية ويدخلها القطاع الخاص. هناك اجماع من اللجنة ومن خلال الطرح الذي قدمه الاستاذ ابو خاطر على اننا لا نريد موازنة تصدرها الحكومة بمرسوم».
اضاف: «كان هناك تركيز على ضرورة تعافي القطاع المصرفي، وعلى إعادة هيكلة الدين العام، ونرفض ان تصدر الموازنة بمرسوم. علينا ان ندرس الايرادات بطريقة علمية. وعن موضوع زيادة الضرائب والـ TVA يجب ان يكون لدينا رؤية اقتصادية، هناك غياب للدولة، والقطاع الخاص يقوم بـ»رغلجة» نفسه وستكون لدينا لجنة فرعية لبحث مختلف المواضيع الاقتصادية».
وأردف: «ما اريد قوله، ان النافعة هي جزء لا يتجزأ من ايرادات الدولة. واستمعنا بالامس الى المحافظ واشجعه على استكمال الخطوات الاصلاحية لتقوم النافعة باعمالها، كما أشجع فتح الدوائر العقارية لاننا بحاجة لها بشدة».
وقال النائب وضاح الصادق: «ليس علينا الوقوع في الفخ من خلال اصدار الموازنة بمرسوم. ان اقرارها كما هي هو تدمير للقطاع الخاص. ونحن كنواب معارضة سنبدأ بدراستها. وما فعلته الحكومة هو رفع الضرائب لرفع رواتب القطاع العام، ولم تأخذ اي خطوة. والحل الوحيد للتهرب الضريبي والتهرب الجمركي هو الغاء الضرائب لمدة معينة كما الـ TVA!!
باتريسيا جلاد – نداء الوطن