إقرارات وقرارات بترولية من غير بوصلة!
لا تُخفى على أحد الإقرارات والقرارات البترولية التي اختتم بها كل من المجلس النيابي ومجلس الوزراء اللبناني هذه السنة، سواءً لجهة إقرار قانون إنتاج الطاقة المتجددة الموزعة، وقانون الصندوق السيادي اللبناني في الهيئة العامة للمجلس النيابي، أم لجهة موافقة مجلس الوزراء على إطلاق دورة التراخيص الثالثة في القطاع البترولي. فالناظر من بعيد قد يظن للوهلة الأولى أنّ في البلد، على الرغم من كل مآسيه، زاوية قد تبشّر بالخير على الأقل من جهة وجود سياسة تشريعية وتنظيمية لقطاع الموارد البترولية في لبنان. غير أنّ قراءة لمواد القانونين المقرّين للقطاع البترولي وموجبات قرار مجلس الوزراء بالموافقة على إطلاق دورة التراخيص الثالثة في ظلّ الظروف الدقيقة التي يمّر فيها لبنان والمنطقة، يتبين له أنّ البلد بات فاقدًا البوصلة.
فلو عدنا إلى قانون إنتاج الطاقة المتجددة الموزعة، وعلى الرغم من أهميته في ظل توجّه عالمي نحو الحدّ من انبعاثات الطاقة الدفينة، وما يمثله من خطوة إيجابية في تطبيق لبنان لالتزامه بالشراكة مع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)، بتأمين 30 في المئة من إجمالي إستهلاكه للكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول سنة 2030، غير أنّ القانون قد صدر معطلًا ومعلّق التنفيذ. فالقانون المُقر لإنتاج الطاقة المتجددة الموزعة يقوم على إفتراض وجود هيئة تنظيم قطاع الكهرباء في لبنان، والتي هي منشأة بالفعل بموجب القانون الرقم 462 /2002، غير أنّه حتى تاريخه، اي منذ 22 عامًا لم يُعيّن أعضاؤها. وتعدّ الهيئة وفق المادة السابعة من قانون إنتاج الطاقة المتجددة الموزعة هي الجهة الإدارية والتنظيمية التي يتوجب عليها خلال سنتين من صدوره، وضع الإجراءات والقرارات اللازمة لتطبيقه! أي أنّه ولو على فرض تعيين أعضاء الهيئة اليوم، فإنّ تفعيل تطبيق القانون لن يكون قبل سنتين. كذلك فإنّ الهيئة موكلة بموجب أحكام هذا القانون وفق المادة 2.3 منه، بتحديد سقف التعرفات والرسوم العائدة لإجازة الربط، إضافة إلى كونها هي الجهة التي تجيز لمنتجي الطاقة المتجددة الذين يستوفون المواصفات الفنية الربط على الشبكة العامة، وغيرها من المهمّات التي لا يمكن للقانون فعليًا ان يدخل حيز التطبيق قبل البت بتعيين أعضاء الهيئة. فإقرار القانون قبل تعيين أعضاء هيئة قطاع الكهرباء يُفقد القانون الحاجة التشريعية الملحّة لإقراره الآن ولإعطائه أولوية الإقرار على غيره من مشاريع القوانين التي تقبع في أدراج المجلس النيابي، في انتظار إتفاقات سياسية تُخرجها الى النور.
والأمر لا يختلف بالنسبة الى القانون السيادي اللبناني، فعلى الرغم من الملاحظات القانونية المتعددة على القانون، والتي لا يتسع المجال لطرحها هنا، فإنّ إقراره قد جاء مؤكّدًا لنهج الفوضى في رسم سياسات البلد وتحديد مسار تطبيقها. فلو أنّ إقرار القانون قد جاء بالتوازي مع إعلان عن إكتشاف تجاري في أي من الرقعتين محل أعمال الحفر الإستكشافي، فقد يجد مبرّره على رغم ما شابه من عيوب. غير أنّه حتى تاريخه لا وجود لإكتشافات تجارية في لبنان، فما الحاجة الملحّة لإقراره في هذا التوقيت غير «التوظيف السياسي»! فهل تتحمّل خزينة الدولة إقرار سلفة سنوية لتغطية رواتب أعضاء مجلس إدارة الصندوق السيادي الذين سيتمّ تعيينهم؟ أليس الأجدى أن ينشغل المجلس في وضع سياسة بترولية شاملة لهذا القطاع تكون منارة الطريق لما يقرّ من تشريعات ومراسيم في هذا الإطار؟
وآخر فصول فوضى السياسة البترولية لهذه السنة، كان قرار مجلس الوزراء الرقم 19 /2023 المتعلق بالموافقة على إطلاق دورة التراخيص الثالثة في ظلّ الظروف الدقيقة التي تمرّ فيها المنطقة عموماً ولبنان خصوصاً، ولا سيما منها الحرب السائدة في غزة وجنوب لبنان والوضع الإقتصادي المزري، مع العلم أنّ موجبات القرار وفق ما نص في حيثياته، مبنية على توصيات هيئة إدارة قطاع البترول، غير انّها توصيات باتت فاقدة موجباتها، فتوصيات الهيئة رُفعت في 22/09/2023 في ظل ظروف مغايرة تمامًا لما نعانيه اليوم، حيث اقترحت قبل صدور نتائج الحفر الإستكشافي في الرقعة الرقم (9) وفي ظل معطيات آنذاك، كان من المرتجى أن تكون إيجابية وقبل انتهاء دورة التراخيص الثانية وقبل بدء التطور والتصعيد والتهديد للأمن والسلم في المنطقة، سواءً في قطاع غزة أو لبنان! فكيف لمجلس الوزراء أن يتجّه لتبني قرار بالموافقة على إطلاق دورة التراخيص الثالثة وفق معطيات باتت فاقدة قيمتها؟ وهل من المتوقع في ظلّ ظروف غليان المنطقة إستقطاب شركات بترولية عالمية للإستكشاف والتنقيب عن الموارد البترولية؟
ما بين فوضى سياسية وفوضى تشريعية وشعب هائم على قوت يومه مخدّرًا بأوجاعه، بات البلد مصلوبًا على الأزمات ومرهونًا للإنهيار… فهل من مخلّص؟
خديجة حكيم – الجمهورية
للانضمام الى مجموعتنا لسعر الصرف عبر الواتساب اضغط هنا