فوضى عارمة في تسعيرات التاكسي والسرفيس… وحمية يتفرّج
إن موضوع تعرفة التاكسي أو السرفيس عاد إلى الواجهة من باب الفوضى التي تعتريه من دون حسيب أو رقيب يُنظّم هذا الأمر، وهو انعكاس تامّ لحال الفوضى التي يتخبّط فيها الواقع اللبناني مع غياب أجهزة الرقابة والمحاسبة وتعطيل معظم مرافقها. ولا يقتصر الأمر على فوضى الأسعار بل يصل إلى مزاحمة أجنبية للعاملين في هذا القطاع وانتشار ظاهرة «التوك توك»، في وقت تغفل القوى الأمنية بقصد أو بغير قصد عن ملاحقة المخالفين. والتفسيرات الكثيرة يُفنّدها المعنيون بهذا القطاع لصحيفة «نداء الوطن».
إستحالة إعتماد تعرفة موحّدة
حول الفوضى في سعر تعرفة النقل العمومي، يؤكّد رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري بسام طليس «أن الجواب يُفتَرض أن يكون لدى الحكومة اللبنانية، لأنها هي مَن تُحدّد التعرفة من خلال وزارة الأشغال العامة والنقل، بناءً على دراسة تعدّها مديرية النقل البري والبحري. وقد تباحثنا مع الوزير علي حمية بهذا الخصوص، لكن بما أن الأمر مرتبط بأسعار المحروقات وبسعر صرف الدولار الأميركي وكلفة الصيانة والتأمين على السيارة ورسم الميكانيك وغيرها من القضايا، فمن الصعب وضع تعرفة موحّدة كما كان يحصل في السابق عندما كانت الأسعار ثابتة، لأنها كلّها عناصر تتداخل في تحديد التعرفة. فعلى أيّ أساس سيحدّد الوزير التعرفة؟ وهل عليه تبديل السعر مرّات عدة في اليوم بسبب عدم ثبات الأسعار؟ صحيح أن سعر الدولار ثابت اليوم، لكنّ العناصر الأخرى ليست ثابتة لإقرار آلية لتعرفة موحّدة».
سيّارات مزوّرة
ويرى طليس خلال حديثٍ مع «نداء الوطن»، «أن أكثر المتأثرين هم السائقون ثمّ المواطنون الذين يعتمدون على النقل العام. فالسائق العموميّ معتدى عليه من قبل سيارات الأجرة المزوّرة و»التوك توك» والموتوسيكلات التي تنافسه على الطرقات. وهنا نسأل الحكومة والوزارات والأجهزة المعنيّة كيف سمحت «للتوك توك» بنقل الركاب ومنهم الطلاب والأطفال وهي غير مسجّلة وتشكل خطراً على حياتهم. الجواب لدى الدولة والحكومات وليس لدى النقابات أو السائقين أو المواطنين. السائق والمواطن يدفعان ثمن عدم تطبيق القوانين واللااستقرار في الأسعار».
الأمور فالتة
وعن فوضى تسعير أجرة التاكسي، يُجيب: «هذا الأمر صحيح والأسعار تختلف من منطقة الى أخرى ومن شارع الى آخر، ومن نوع مركبة الى نوع آخر. والمثل يقول «الرزق السايب بعلّم الناس الغلط» كي لا أقول الحرام. فهل تم تحديد سعر للسائق ولم يلتزم به؟ ومن قال للمواطن كم يجب عليه أن يدفع ولم يفعل؟ وبالتالي الأمور «فالتة» ولست أنا المسؤول عن الفلتان ولا زملائي في الاتحادات والنقابات ولا السائقين العموميين ولا المواطنين طبعاً. أليست الحكومة المسؤولة؟ لأنها عندما تزيد بدل النقل فكأنها تقول للسائق أن يرفع التعرفة. الحكومة تعمل على أساس الاستثناء وليس القاعدة، القاعدة تقتضي عليها بأن تثبت الأسعار وتضغط لضبط الأمور وإصدار تعرفة تُلزِم بها السائق ويلتزم بها المواطن».
تركيب عدّادات
لماذا لا يتم تركيب عدّادات واحتساب الأجرة على أساس المسافة؟ يُجيب طليس: «حتى هذه لا يمكن اعتمادها دون إجراءات وحسابات. من يقرّر سعر الكيلومتر؟ من هي الجهة التي تقرّر؟ أليست وزارة النقل مع وزارة الداخلية ووزارة الاقتصاد التي يجب أن تراقب؟ الطريق الأقصر يكمن في تثبيت الأسعار وإصدار تعرفة جديدة فيعرف السائق ما يجب أن يتقاضاه والراكب ما عليه دفعه».
ورداً على سؤال بأن كلفة التنقّلات باتت تحتاج الى ميزانية، يقول طليس: «هذا الكلام صحيح لكنّ السائق أيضاً مواطن قبل أن يكون سائقاً، لديه مصاريف وعائلة ومدارس، هذه كلها يدفعها من خلال عمله كأيّ مواطن آخر. ويدفع أيضاً ضرائب ورسوماً، لكنه يدفعها مرتين، الأولى كمواطن للدولة والبلدية والثانية كسائق عمومي عن النمرة والسيارة».
القرار عند الحكومة
وعن إمكانية توحيد التعرفة، يرى طليس «أن القرار والحسم لدى الحكومة وليس النقابات، لأن القانون لا يسمح للنقابة أو الاتحاد بإصدار تعرفة لا بل يُعاقبها في حال المخالفة. الجهة المخوّلة إصدار التعرفة هي الحكومة من خلال وزارة الأشغال بناء على دراسة. وزير الأشغال يطلب تثبيت الأسعار لإصدار تعرفة، ومن جهتي أوافقه الرأي. فلتقم مديرية النقل بدراسة بالتشاور معنا ويوقّعها الوزير، هذا هو الحل».
سوق سوداء
وحول سؤال بأن النقل العمومي أصبح سوقاً سوداء، يجيب: «ليس هناك من رادع، وما يُسهّل الأمور أكثر هو أن كلفة المخالفة أصبحت خفيفة وبمعنى أدقّ متدنيّة جداً، في النهاية نعيش في دولة يحكمها نظام، لكن مرة يطبّقون القانون ومرّات أخرى يتجاهلونه. تطبيق القانون والنظام عند الدولة ومديريها وأجهزتها وليس لدى المواطن، خاصة أن الأخير يقوم بواجباته ويدفع فواتير الكهرباء والمياه والرسوم وكلّ ما هو متوجّب عليه، لكن في المقابل ما الذي تقدّمه له الدولة؟ الفلتان والتسيّب في قطاع النقل البري خير دليل. هل يمكنني أن أطلب من السائق تخفيف التعرفة؟ سيجيبني هل يمكنك أن تخفّف سيارات الأجرة المزوّرة وغير اللبنانية والموتوسيكلات والتطبيقات والتوك توك؟ بمَ أجيبه؟».
نقطة ضعف كبيرة
بدوره، يؤكد رئيس الإتحاد العمالي العام بشارة الأسمر أيضاً أن «عملية التنقل تحتاج إلى ميزانية، خاصة إذا كان الموظف يسكن بعيداً عن مكان عمله. هذا الأمر يشكّل نقطة ضعف كبيرة لالتحاق الموظفين خاصة في القطاع العام بأشغالهم، لذلك جاء التنظيم في القطاع العام واعتماد الحضور 14 يوماً شهرياً مقابل ستة رواتب إضافة الى الراتب الأساسي. حتى الحضور لم يكن يومياً، لم يشترط المرسوم إلا حضور 14 يوماً في الشهر حتى يتمكّن الموظف في القطاع العام من تقاضي المساعدات الاجتماعية المقرّرة».
ويُضيف الأسمر خلال حديث مع «نداء الوطن»: «هذا الأمر يدلّ على أن النقل كارثي في حال كان الموظف يسكن بعيداً عن مكان عمله. وأتت الزيادة أيضاً من 250 ألف ليرة إلى 450 ألفاً في القطاع الخاص التي أنجزناها منذ أيام، لتدلّ على مدى أهمية النقل، فإذا أخذنا 24 يوم نقل تصبح أجرة النقل 10 ملايين ليرة، أصبح النقل أعلى من الحد الأدنى للأجر والذي هو 9 ملايين ليرة».
منافسة أجنبية
وعن الفوضى في سيارات الأجرة، يقول : «فلنذهب أبعد لنقول إن السبب عدم وجود تسعيرة موحّدة للمناطق والتي من المفترض أن تصدر عن وزارة الأشغال بالاتفاق مع اتحادات النقل البري التي هي عضو في الاتحاد العمالي العام»، لافتاً إلى أنه «من المُفترض إصدار تسعيرة موحدة. منذ فترة بدأنا حواراً مع الوزير بهذا الخصوص، والحوار مستمرّ، لكن ما يحصل هو أن الفوارق اليومية التي كانت تحصل صعوداً وهبوطاً للدولار الأميركي كانت تمنع بأن تكون هذه التسعيرة موحّدة، يضاف إليها عدم التقيّد ميدانياً، بجزء كبير، بسبب المنافسة الأجنبية الحاصلة في هذا الإطار العملي، خاصة السوريين الذين يضاربون في الأسعار، حتى أنهم أحياناً يعملون على سيارات من دون لوحات وغير قانونية».
أما عن الحل، فيشير الأسمر إلى «أننا في صدد مراجعة لعملية أسعار وسائل النقل، أكانت سيارة صغيرة أم ميني باص أم باصاً كبيراً، والتي تعمل ضمن بيروت أو في المناطق، وفي صدد حوار بين بعضنا كاتحاد عمالي عام وسننقل نتيجة هذا الحوار حول تحديد أسعار النقل العام إلى وزير الأشغال».
مشكلة ذات أوجه عدة
ويختم الأسمر: «المشكلة لها أوجه عدة وسنحاول أن نُبقي باب المناقشات والحوار مع المسؤولين الرسميين مفتوحاً للحدّ من الخسائر قدر استطاعتنا على المواطن، خاصة أن النقل وسيلة يعتمدها جزء كبير من الموظفين والطلاب والأساتذة والعسكريين والفقراء والمتقاعدين… الذين يعتمدون وسائل النقل الرسمية والخاصة»، مستطرداً: «الرسمية أصبحت معدومة اليوم».
غياب أي تنظيم
من جهته، يشير رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان (FENASOL) كاسترو عبدالله إلى «أن النقل عصب الحياة، لا يمكن فعل أي شيء من دون وسائل نقل، لكن للأسف في لبنان ليست لدينا خطة نقل ودراسات للنقل وهذا ليس بجديد ومرتبط بالتخطيط والتنظيم المدني. حتى أن البنى التحتية غير مؤهّلة لاستيعاب كل السيارات الموجودة، وكل بيت يملك سيارتين أو أكثر، بسبب عدم توفر النقل العمومي وغياب شبكة نقل عام كما في السابق عندما كان في لبنان قطار»، لافتاً إلى «أن الحركة اليومية أكان من نقل أشخاص أو بضائع مُكلفة لأنها مرتبطة بأسعار المحروقات وتحتاج إلى صيانة من غيار زيت وإطارات، كما أن البنى التحتية من طرقات وإنارة غير مؤهلة ناهيك بالحفر، وبالتالي تعمّ الفوضى قطاع النقل».
3000 سائق غير لبناني
يلفت كاسترو إلى أنّ «عدد النقل العام أو التاكسيات يبلغ نحو 30 ألف مركبة، يقابلها ثلاثة أضعاف عدد السيارات الخاصة، ويعمد عدد كبير منهم، نتيجة البطالة والأزمة الاقتصادية، على طريقه على نقل الركاب أو البضائع، إضافة إلى اللاجئين الذين يعملون أيضاً، وللأسف بعض شركات النقل توظّفهم لنقل البضائع، ومن بينهم 3000 سائق غير لبناني في مرفأ بيروت، ويتخطّى هذا العدد في المرافئ الأخرى. هذه العوامل كلها تدخل في المنافسة بين شركات النقل والأجور واليد العاملة، كلّها متشابكة. يضاف إليها اليوم النقل الجديد بـ التوك توك».
فوضى و»خبيصة»
ويُشير كاسترو إلى «أن الفوضى تنطبق على تسعير التعرفة أيضاً، فمنهم من يطلب 50 ألف ليرة وآخر 150 ألفاً لمسافة ثلاثة أمتار، وأصبح السائق يريد تحصيل ثمن تنكة البنزين من راكب واحد، ويحاول تحصيل ما يمكنه من الزبون دون حسيب أو رقيب. أما العمال الذين يتنقلون في سيارات الأجرة، وهم السواد الأعظم، فإن 70 في المئة منهم يستخدمون في حركتهم اليومية أكثر من «سرفيس» واحد للوصول من وإلى عملهم، ويدفعون في حال تنقّلهم بالفان 200 أو 300 ألف يومياً. اليوم بعد أن رفع بدل النقل، بدأت السيارات العمومية ترفع سعر تعرفتها، بينما بدل النقل تمّ تحديده ليكون دعماً للراتب وليس للسرفيس كي يرفع أسعاره. فوضى ووزارة النقل المسؤولة عن القطاع لا تقوم بتنظيمه، وبعض النقابات تستغل السائق وتشترط عليه دفع مبالغ معينة لإعطائه الإفادة. كله فوضى وخبيصة».
الحلّ بخطة نقل
ويؤكد كاسترو «أن الحل يكمن في وضع خطة نقل وتعزيز النقل المشترك والأخذ في الاعتبار أن لبنان مؤلف من مدن صغيرة شوارعها ضيقة ما يتطلّب اعتماد باصات صغيرة وليس «جحش الدولة»، وتنظيم النقل المشترك وتحديد نقاط أو مواعيد ثابتة وتوسيع الشبكة لتصل الباصات إلى خارج المدن، ما يؤدي تالياً إلى تخفيف الزحمة وتقليل نسبة استيراد محروقات وسيارات».
رماح هاشم – نداء الوطن
للانضمام الى مجموعتنا لسعر الصرف عبر الواتساب اضغط هنا