النزوح وتعويضات “الحزب” ترفع إيجارات الشقق
للحياة الاقتصادية في الضاحية الجنوبية “خصوصيتها” التي تميزها عن باقي المناطق اللبنانية. فهذه البقعة الجغرافية الصغيرة تضمّ حوالى مليون ساكن. وهو ما يجعلها الأكثر كثافة في لبنان. وبالتالي، السوق الأكبر من الناحية الاقتصادية. وهو ما ينعكس عادة على كلفة الاستثمار التجاري فيها، أو حتى بدلات السكن.
هذا ما كان في زمن السلم وهو ما بدأ يختلف في زمن الحرب وتداعياتها، خصوصاً بعد أن استعاد كل شيء قيمته، وما يزيد عنها، في الضاحية، بعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت لبنان عام 2019. فمنذ ما قبل الحرب بدأت الإيجارات طريق عودتها إلى ما كانت عليه قبل الأزمة. وقد عمد أصحاب الشقق إلى رفع بدلات الإيجار تدريجياً منذ العام 2020 إلى العام 2023، وقبل بداية الحرب مباشرة كانت المهمة قد تمّت.
البداية من الضاحية
تملك أم علي دكاناً صغيراً في أحد أحياء منطقة الحدث، لجهة السانت تيريز ومركز المعاينة الميكانيكية، والى جانب عملها في الدكان، تشتهر المرأة بكونها “السمسار” العقاري الأقوى في المنطقة. فمن لديه شقة يريد تأجيرها يقصدها، ومن يُريد أن يستأجر يسأل عنها، وهي أكثر من يُدرك، حسب تأكيدها، تبدل أحوال الإيجارات خلال السنوات الماضية، وتبدلها اليوم جرّاء الحرب والنزوح.
تُشير أم علي في حديثها لـ”المدن” إلى أن بدلات الإيجار في “المناطق الراقية” في الضاحية، ومنها منطقة السانت تيريز، قد استعادت قبل الحرب 80 بالمئة من قيمتها التي كانت عليها قبل الأزمة الاقتصادية، فالشقة المكونة من 4 غرف في هذه المنطقة، أي أن مساحتها تبلغ 120 متراً كانت تؤجر قبل تشرين الأول الماضي بـ400 أو 500 دولار أميركي حسب نوعية البناء وديكوراته الداخلية. ولكن مؤخراً، منذ شهرين أو ثلاثة تحديداً ارتفعت بدلات الإيجار بمعدل 25، و30 بالمئة. إذ لم يعد مبلغ 400 دولار مرضياً لأحد من مالكي الشقق هنا.
ما تقوله إم علي يؤكد عليه أحد مالكي الشقق في منطقة السانت تيريز، إذ يكشف أنه منذ شهر تقريباً قرر نقل مكان سكنه إلى منطقة بئر حسن لأسباب مهنية، فعرض شقته التي تبلغ مساحتها 120 متراً للإيجار. ويقول عبر “المدن”: “كان هناك تهافت كبير على الشقة، وحصل ما يشبه المزايدات بين الراغبين باستئجارها، وكانت النتيجة أن تم تأجير الشقة بـ650 دولاراً أميركياً، وهو مبلغ أقل بخمسين دولار فقط من قيمة إيجار الشقة التي تبلغ مساحتها 240 متراً في منطقة بئر حسن”.
بدلات الإيجار هذه ليست من نسج الخيال. إذ يقول علي، الذي يستأجر شقة في منطقة أوتوستراد السيد هادي نصرالله، إن صاحب الشقة تواصل معه قبل انتهاء عقده في شهر حزيران المقبل، وطلب زيادة بدل الإيجار من 300 إلى 450 دولاراً أميركياً، متذرعا بأن “كل الأسعار على طلوع”. من هنا كان يجب الاستفسار عن الأسباب.
لا تُخفي أم علي أسباب ارتفاع بدلات الإيجار بشكل هستيري في الضاحية، فتقول: “لا يوجد في الضاحية شقق كثيرة للإيجار، بينما يوجد راغبين كثر بالسكن. لذلك ترتفع الأسعار، إلى جانب سبب رئيسي هو نزوح الجنوبيين بسبب الحرب. وهنا الحديث خصوصاً عمن تهدمت منازلهم، والذين يبحثون عن الاستقرار لفترة من الزمن”.
الجنوب أيضاً
ليست الضاحية وحدها من شهدت هذه الفورة ببدلات الإيجار، فحتى الجنوب شعر بها؛ وهذا لا يشمل فقط الشقق المفروشة التي تؤجر إلى نازحين بأسعار مرتفعة، بل كل الشقق وكل أنواع المستأجرين. ففي قرى شرق صيدا على سبيل المثال، كانت بدلات الإيجار تتراوح بين 100 و200 دولار أميركي حسب مساحة الشقة، أصبحت اليوم بين 200 و300 دولار أميركي. وفي حارة صيدا مثلا تبدأ بدلات الإيجار من 300 دولار، بينما لم تكن كذلك سابقاً.
استقرار النازحين
سابقاً، ساهمت أزمة النزوح السوري بارتفاع بدلات الإيجار، واليوم تساهم أزمة النزوح من الجنوب بالمزيد من ارتفاع بدلات الإيجار. فحسب معلومات “المدن”، يحصل من يخسر منزله في الجنوب بشكل كامل على مبلغ 12 ألف دولار يدفعها حزب الله، حيث يكون التقسيم المفترض للمبلغ على الشكل التالي: 4 آلاف دولار بدل إيجار سنوي، و8 آلاف دولار للأثاث، وهؤلاء يبحثون عن منازل للاستقرار إما في الجنوب، وإما في الضاحية، وكثرة الطلب ترفع السعر.
ليست المشكلة بالنزوح فقط. فهناك ما يسمى استثمار الأزمات. وقد ثبُت خلال السنوات الخمس الماضية أننا شعب بارع للغاية باستثمار الأزمات، ولو على حساب بعضنا البعض.