جاء في صحيفة “الأخبار”:
في الشهرين الماضيين، تجمّع مبلغ 90 مليون دولار نقداً في حساب مؤسّسة كهرباء لبنان. أتى هذا المبلغ من جباية فواتير الكهرباء عن فترة ما قبل عام 2024 بعدما صار معظم المشتركين يدفعون قيمة الفواتير بالدولار النقدي، ما عزّز قدرة المؤسّسة على تمويل استيراد المزيد من شحنات المحروقات لزيادة إنتاج الكهرباء. سريعاً، تلاشى هذا الأمل بعدما واجهت المؤسسة قصوراً في إمدادت المحروقات المتفق عليها مع العراق، ما اضطرّها، بدلاً من زيادة الإنتاج، إلى تقليصه إلى حدود “المرافق الحيوية”.
شهرياً، تصدر مؤسّسة كهرباء لبنان فواتير بقيمة تصل إلى 50 مليون دولار، لكنها لا تجبي سوى 40 مليون دولار بينما تتراكم فواتير بقيمة 10 ملايين دولار على مؤسّسات القطاع العام. وأكثر من ثلثَي ما تجبيه المؤسّسة من المشتركين يُسدّد بالدولار النقدي، بينما يسدّد الباقي بالليرة اللبنانية، وهو ما أتاح للمؤسسة أن تجمع في الفترة الماضية أكثر من 90 مليون دولار نقداً في حساباتها عن فواتير صادرة بين الفترة الممتدة من تشرين الأول 2022 وحزيران 2023. في تلك الفترة، كان تشغيل معامل الكهرباء يستند إلى العقد العراقي الذي يقوم على أن العراق يمدّ لبنان بكميات من الفيول الخام مجموعها السنوي يبلغ 1.5 مليون طن، ويقوم لبنان باستبدال هذه الكميات بمادة الـ”غاز أويل” التي يحتاج إليها لتشغيل المعامل. بنتيجة هذه العملية، يحصل لبنان شهرياً على 60 ألف طن غاز أويل وينتج منها نحو 600 ميغاواط كهرباء، ما يعني تغذية بالتيار الكهرباء تتراوح بين 5 ساعات و6 ساعات يومياً. وعلى هذا الأساس، جرى خفض تعرفة الكهرباء من 27 سنتاً لكل كيلواط/ ساعة إلى 23 سنتاً. وبموجب هذه المعادلة، تصدر الفواتير التي تجبيها المؤسسة الآن.
بمعنى آخر، إن زيادة إنتاج كميات الكهرباء تتطلّب زيادة في الفيول، وبالتالي حلقة تمويلية تمتد لنحو ثلاثة أشهر، أي أن تتجمّع لدى المؤسسة مبالغ بالدولار النقدي كافية لشراء شحنة وتشغيل المعامل المدة اللازمة لجباية الأموال مجدداً، ثم تسديد ثمن الشحنة التالية. غير أن هذا المسار يتطلّب أيضاً استقراراً في الإمداد بشحنات الفيول العراقي، وهو الأمر الذي لم يحصل. بالعكس، فللمرة الثانية في الشهرين الماضيين، اضطرّت المؤسسة إلى أن تقلّص إنتاج الكهرباء، وأعلنت في بيان أنها لم تتلقَّ شحنات الغاز أويل في شهر تموز، وأنه لم يتم تخصيص أي شحنة عن شهر آب، لذا “عمدت احترازياً إلى توقيف قسراً مجموعة إنتاجية في معمل الزهراني بعد ذروة ليل الجمعة الماضي، لإطالة فترة عمل المجموعة الأخرى في معمل الزهراني، بما يفضي في المحافظة على التغذية بالتيار للمرافق الحيوية الأساسية (مطار، مرفأ، مضخات مياه، صرف صحي، سجون…) لأطول فترة.
بيان المؤسسة يعني أنها ستقلّص إنتاج الكهرباء إلى الحدود الذي تتيح لها تأمين التغذية للمرافق الحيوية، وستقطع التغذية عن سائر المشتركين بشكل كامل لأنها لم تحصل على الغاز أويل. وقصّة شحنات الغاز أويل باتت معروفة، إذ إن العراق لم يتلقّ الدفعات المستحقة عن الشحنات السابقة رغم أن مؤسّسة كهرباء لبنان أودعت في حساباتها لدى مصرف لبنان قيمة الاستحقاقات. وبموجب الاتفاق، فإن التسديد يكون بالليرة اللبنانية في حساب مفتوح للحكومة العراقية لدى مصرف لبنان تستعمله لأغراض الخدمات لمواطنيها في لبنان. لكن مصرف لبنان لم يحوّل هذه المبالغ من حساب المؤسسة إلى حساب الحكومة العراقية لأنه لا توجد اعتمادات في الموازنة العامة لهذا الغرض، أي أنه لا يوجد سند قانوني يبرّر لمصرف لبنان القيام بهذا التحويل، علماً أن تشريع هذا الأمر معروض على مجلس النواب اللبناني منذ فترة طويلة. لذا يرفض حاكم مصرف لبنان بالإنابة، وسيم منصوري، بالاستناد إلى قرارات في المجلس المركزي لمصرف لبنان، أن يدفع أي قرش لا سند قانونياً له، ما يضطرّ وزير الطاقة وليد فياض إلى مواصلة استرضاء المسؤولين العراقيين لتسليم الشحنة بلا تسديد ثمنها.
هكذا، بدلاً من أن يتنعّم المقيمون في لبنان بمزيد من إنتاج الكهرباء التي تعدّ رخيصة الثمن مقابل فواتير مولّدات الأحياء، يغرق لبنان في العتمة للشهر الثاني من دون أن يعلم أحد سبب تقصير مجلس النواب في تشريع الدفعات المخصّصة لمؤسّسة كهرباء.
كان فياض يعدّ خطّة لزيادة إنتاج الكهرباء من خلال زيادة شحنات المحروقات المموّلة بما تجبيه المؤسسة إلى جانب تنفيذ العقد العراقي، إلا أن هذا الأمر لم يعد قابلاً للحياة في ظل تعطّل تنفيذ العقد العراقي، بل انشغل في الفترة الماضية في البحث عن آليات “تسوّل” مع المسؤولين العراقيين للحصول على الشحنات المطلوبة. وها هو اليوم أمام استحقاق من نوع آخر: إعادة العقد العراقي إلى الحياة. وفي هذا السياق، يعمل فياض على اقتراح يقضي بتوقيع اتفاق ثانٍ مع العراق لشراء شحنات من المحروقات مموّلة بما تجبيه مؤسسة كهرباء لبنان بالدولار النقدي، على أن يسمح العراق باستئناف الشحنات المتفق عليها بواسطة العقد الأول قبل تسديد ثمنها بانتظار أن يقوم مجلس النواب بدوره في تشريع الأموال المطلوب تسديدها للعراق. إذا تحقّق ذلك، يمكن زيادة إنتاج الكهرباء إلى الضعف تقريباً والحفاظ على التعرفة نفسها القائمة حالياً. وهي بكل الأحوال تعرفة أقلّ ممّا تدفعه الأسر للمولدات بنحو 17 سنتاً لكل كيلواط، إذ إن تعرفة المولدات تبلغ الآن 40 سنتاً.
المصدر: الأخبار
اضغط هنا للانضمام الى مجموعتنا عبر الواتساب