لن يكون فيول في مكيول بقايا معامل كهرباء لبنان قريبا، وما عاد أمام المسؤولين عن مؤسسة الكهرباء من خيار إلا إطفاء معمل الزهراني في 17 آب الجاري ووقفه عن إنتاج قدرته من التيار الكهربائي، في انتظار الفرج العراقي الوحيد، الذي تأجل فجأة لأسباب لوجستية كما قيل، حتى آخر الجاري؟
فبعد فترة وجيزة من تحرك وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض نحو العراق، وتدخل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع نظيره العراقي في هذا الخصوص، ورغم موافقة الحكومة العراقية على جدولة جديدة لاستيفاء حقوقها عن شحنات فيول سابقة، آلت الأمور إلى تعقيد جديد، نسب عراقيا إلى “لوجستي”. وفيما تختلف التكهنات حوله أو تتعدد، تبقى النتيجة واحدة، هي أن لبنان سيغرق كليا في عتمة كهرباء الدولة، اعتبارا من صباح 17 آب الجاري بعد نفاد الفيول من خزانات معمل الزهراني، وهو آخر ما تبقى من المعامل المنتجة للتيار الكهربائي.
والى ذلك الحين، يبقى “المجد للمولدات” منقذة البلاد من الظلام الدامس، والعباد من توقف أشغالهم ومؤسساتهم عن العمل. فباتت لا قانونيتها لا تمنع شرعيتها، بعدما تحولت بحكم دورها وخدماتها ضرورة إنسانية واقتصادية واجتماعية لا غنى عنها، رغم نار الفواتير التي تفشى التلاعب بها أخيرا بكثرة.
خلال الأعوام الثلاثة الماضية، لم تنتج معامل كهرباء لبنان أي ميغاواط من خارج الفيول العراقي، أما الكمية المنتجة فلا تزيد على 4 ساعات يوميا كمعدل عام سنوي. وفيما كان من المنتظر تحميل الفيول الأسود العراقي خلال أسبوعين، أبلغت شركة “سومو” العراقية الجانب اللبناني أن ثمة تأخيرا في التحميل لأسباب لوجستية، وهو ما بدد وعود وزير الطاقة الذي كان قد وعد اللبنانيين بانفراجة كهربائية كبيرة خلال الأسبوعين المقبلين بعدما كان ينتظر التبليغ الرسمي بموعد تحميل الفيول الأسود العراقي لاستبداله بالغاز أويل.
مصرف لبنان قام بما عليه سابقا، إلا أنه لا يزال في انتظار إقرار مجلس النواب قانونا يرعى موجبات العقد الموقع بين الحكومتين اللبنانية والعراقية، ويتضمن حكما إدراج الاعتمادات المالية المطلوبة لتسيير عمل كهرباء لبنان، في ملاحق موازنة 2024.
وبات معروفا أن المشكلة المتفاقمة منذ فترة، هي أن الاتفاق مع العراق يحتاج إلى قوننة في مجلس النواب اللبناني لتخصيص اعتمادات في الموازنة، تتيح لمصرف لبنان أن يسدد ثمن الشحنات في الحساب العراقي. فحاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري يرفض اتخاذ أي خطوة تمويلية مخالفة للقانون. لذا يأمل فياض انعقاد مجلس النواب تحت عنوان تشريع الضرورة لتأمين التغطية التشريعية للعقد مع العراق.
يوفر معمل الزهراني حاليا 200 ميغاواط، وهي كمية ضرورية للمحافظة على تشغيل المرافق العامة الحيوية مثل المطار والمرفأ ومضخات المياه، مع تغذية كهربائية يومية تراوح بين ساعة وساعتين للمشتركين، وفق فياض الذي قال: “بدا لنا أن ثمة انفراجا في هذه المعضلة بعدما وافقت الحكومة العراقية على تزويد لبنان مرة أخرى استثنائيا شحنة من الفيول قبل تسلم دفعة من المستحقات. وطرأت مشكلة جديدة، إذ أبلغتنا شركة ” somo” بأن شحنة الفيول ستتأخر حتى آخر الجاري بسبب مشاكل لوجستية، وهو ما يهددنا بالعتمة، خصوصا أن مخزوننا لا يكفي إلا لأسبوع”.
ويؤكد فياض لـ”النهار” أنه “مع وصول الغاز أويل، ستعود الأمور إلى سابق عهدها بقدرة إنتاج تصل إلى 600 ميغاواط، بما يوفر تغذية كهربائية لفترة تراوح بين 5 و6 ساعات يوميا. علما أنه في حال قوننة الدفعات من مصرف لبنان، فإن الأمور ستنتظم شهريا، مع إمكان تنفيذ العقد الآخر مع العراق بالأموال الفائضة بما سيزيد الانتاج إلى 800 ميغاواط ومن ثم إلى 1000 ميغاواط”.
ولكن ماذا لو تعرقل وصول الفيول العراقي آخر الشهر لسبب أو لآخر؟ هل من خطة بديلة لتأمين الفيول من مصدر آخر؟ يؤكد فياض أنه يمكن إيجاد حل مرحلي لتجنب نفاد الفيول من المخازن قبل نهاية الجاري، ولكن يجب درس الحل جيدا وعدم التسرع في شراء فيول من جهات أخرى، تجنبا لاستفزاز الجانب العراقي أو إحداث أي خلل في العلاقة معه، وخصوصا أن أموالنا لا تكفي لسداد كل المستحقات للعراقيين”.
ويضيف: “الوضع الآن معقد، فمن جهة لم نسدد للعراقيين أموالهم، ومن جهة أخرى لا نستطيع التصرف بحرية بأموال مؤسسة كهرباء لبنان، خشية أن يساء فهمنا من الجانب العراقي”.
وبالحديث عن وضع التغذية بالتيار في حال حصول حرب قبل وصول شحنة الفيول، يقول فياض” “الوضع لن يتغير كثيرا عما هو اليوم، فنحن نحرق 1000 طن فقط يوميا، في حين أن معمل دير عمار متوقف عن العمل، أما معمل الزهراني فيعمل جزئيا بقوة 200 ميغاواط. وفي حال توقف كليا عن العمل بعد أسبوع سيضطر مطار بيروت مثلا إلى الاعتماد كليا على مولداته الخاصة”.
وعما يشاع عن تواطؤ بين موظفين في وزارة الطاقة ومافيات المولدات لعدم معالجة مشكلة الكهرباء، الأمر الذي أدى إلى مضاعفة الطاقة الإنتاجية بعد توقف وحدات في معملي الزهراني ودير عمار، يوضح فياض أن “ثمة مبالغة في التكهنات، بدليل أن أصحاب المولدات في حاجة أيضا إلى كهرباء الدولة ولو لساعات قليلة، لكي يتسنى لهم إطفاء مولداتهم لإراحتها”.
وكانت مؤسسة الكهرباء أعلنت الأسبوع الماضي، تدني خزين مادة الغاز أويل في شكل حاد جراء عدم توريد أي شحنة غاز أويل بموجب اتفاقية المبادلة العراقية، موضحة أن ثمة إجراءات احترازية وقائية اتخذت من المؤسسة حيال “توقيف مجموعة إنتاجية في معمل الزهراني لإطالة فترة عمل المجموعة الأخرى فيه”. ولكن بما أنه حتى تاريخه لم يتم تخصيص أي شحنة بموجب اتفاقية المبادلة المبرمة بين العراق ولبنان، لمبادلتها بشحنة من مادة الغاز أويل لمصلحة مؤسسة الكهرباء، لا خلال شهر تموز الفائت ولا شهر آب الحالي، وإلى حين حل المسألة مع الجانب العراقي من المعنيين بصورة نهائية، خرج معمل دير عمار قسرا عن الخدمة بالكامل الأربعاء الماضي، جراء نفاد خزينه من مادة الغاز أويل بالكامل.
ولا تزال في الخدمة مجموعة وحيدة في معمل الزهراني من أجل تغذية المرافق الحيوية الأساسية في لبنان (مطار، مرفأ، مضخات مياه، صرف صحي، سجون)، علما أنه من المرتقب أن تخرج تلك الأخيرة أيضا عن الخدمة يوم السبت المقبل، على أبعد تقدير جراء نفاد مادة الغاز أويل في حينه في معمل الزهراني أيضا. وبعد توريد شحنات من مادة الغاز أويل لمصلحتها وتفريغها، ستقوم المؤسسة مجددا بإعادة تشغيل المجموعات التي وضعت خارج الخدمة قسريا، لتتم إعادة التغذية تدريجا إلى ما كانت عليه.
المصدر: سلوى بعلبكي – النهار